في 6 شباط 2006 وفي “احتفالية” نقلتها جميع الوسائل الإعلامية من كنيسة مار مخايل في الشيّاح، جرى توقيع ورقة تفاهم بين الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله ورئيس التيار الوطني الحرّ ميشال عون.
النفايات تحت السجّادة
عكس مسار الاتّفاق جانباً من السياسات والتناقضات في لبنان تحت مسمّيات مختلفة، وكلّها قائمة على البراغماتية السياسية، أي “الزواج المصلحيّ”، الذي يقوم على رمي النفايات تحت السجّادة المنزلية إلى أن يحصل الخلل فتظهر الفضيحة.
خاض الحزب أشرس حرب في 2006، فكانت نتيجة هذه الحرب إرهاق البلد، والمساهمة جذرياً في تعميق الشرخ الطائفي والمذهبي
لقد قام اتفاق مار مخايل ردّاً على فورة 14 آذار، وفي لحظة كان لبنان يعيش فيها تداعيات هجوم بعض المحتجّين الإسلاميين على السفارة النروجية على خلفية رسوم مسيئة للنبيّ. وخدمةً للبراغماتية السياسية دفن حزب الله خطابه السابق بحقّ العونيين، ودفن العونيون كلّ مبادئهم السابقة كرمى للتحالف الجديد:
– حزب الله الذي كان يعتبر ميشال عون حالة صهيونية في أواخر الثمانينيّات، صار يعتبر التيار العوني شبه مقدّس.
– التيار العوني الذي اتّهم حزب الله باغتيال الحريري وبخروجه على الدولة، سرعان ما دفن كتابه البرتقالي وكلّ الشعارات الطنّانة التي يرفعها، وأصبحت حارة حريك مربط خيله. وبعد ذلك رفع كتاباً آخر باللون الأزرق، هو “الإبراء المستحيل”، ليدين به الحريرية السياسية والوطنية.
ربّما لم يعد يجدي الكلام عن النقيضين اللذين اجتمعا في حلف واحد: حزب الله الذي يحلم بالجمهورية الإسلامية وولاية الفقيه، والتيار العوني الغارق في النوستالجية إلى الجمهورية الأولى والنظام الرئاسي الماروني.
طرفا الشرّ المتبادل
لا شكّ أنّ شطراً من التحالف كان نتاج أخطاء اقترفها فريق 14 آذار وخياراته ورهاناته وأنانيّات بعض قادته.
نجمت عن التحالف أمور كثيرة صبّت في مصلحة حزب الله، ولم تكن في مصلحة التيار العوني حتى مع وصول قائده إلى رئاسة الجمهورية:
– حصل حزب الله على غطاء مسيحي من التيار الذي شكّل “تسونامي” انتخابياً في 2005.
– خاض الحزب ما لم يخُضه طوال مسار حياته السياسية: فهو كان طوال مرحلة ما بعد اتفاق الطائف بعيداً عن الحكومات، لكنّه بعد 2005 بدأ بمشاركات خجولة وتحوّل تدريجياً إلى أن يصبح هو المقرّر في الحكومة.
– خاض الحزب أشرس حرب في 2006، فكانت نتيجة هذه الحرب إرهاق البلد، والمساهمة جذرياً في تعميق الشرخ الطائفي والمذهبي.
– قام بغزوة 7 أيار 2008 بغطاء من التيار العوني.
– بالتكافل والتضامن مع التيار وكرمى لصهر الجنرال عطّل حزب الله الحكومات والانتخابات الرئاسية. وتحوّل التعطيل نهجاً سائداً امتدّت مفاعيله حتى اليوم.
في 6 شباط 2006 وفي “احتفالية” نقلتها جميع الوسائل الإعلامية من كنيسة مار مخايل في الشيّاح، جرى توقيع ورقة تفاهم بين الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله ورئيس التيار الوطني الحرّ ميشال عون
أمّا ما حقّقه التيار العوني فيتجلّى في:
– توهّمه أنّ التحالف أبديّ.
– إيصال عون إلى رئاسة الجمهورية.
– توهّمه أنّ الصهر سيكون وريثاً رئاسياً برعاية حزب الله.
– خسارة العونيين أنفسهم. فالرئاسة التي أتت بجميل من حزب الله، بقيت أسيرة هذا الجميل، وأسيرة اتفاق مار مخايل. فلم يجرؤ الرئيس على تجاوز ما يقوله حسن نصرالله في خطاباته. وكان أن قال نواف الموسوي داخل قبّة البرلمان: عون جاء ببندقية المقاومة.
– دفن التيار كلّ شعاراته السابقة، وصار رئيسه على عداء مع معظم الزعماء اللبنانيين، وإن حصلت لقاءات بينه وبين بعضهم.
– وقعت على جبران باسيل عقوبات أميركية.
– حقوق المسيحيين التي يزعم أنّه حقّقها، جعلته أسير الناخب الشيعي في الكثير من الأقضية.
– بات باسيل “العدوّ رقم واحد” لمعظم الشعب اللبناني.
إقرأ أيضاً: سمير جعجع: “رهين المحبسين” ضدّ “اللبنانيّة الصعبة”
تدمير الحريريّة ولبنان
قد يكون أهمّ ما حقّقه التحالف هو: قيام التيار العوني، بعد اغتيال الحريري، بالمشاركة في جهود تدمير الحريرية السياسية، بالوكالة والنيابة، وبالتعاضد والتكاتف، مع حزب الله. وزعم التيار الثأري من الحريرية واتفاق الطائف أنّهما سبب المشكلات والآثام كلّها، وعندما غادر الحريري الابن كان قد بدأ يتحقّق تدمير لبنان برعاية وليّ الفقيه. بصرف النظر عما إذا كان الحريري الوريث قادراً على رد الهجمة الدولية.
والحال أنّ الاتفاق أو التفاهم أو التحالف (لا فرق) قام في الأساس ردّاً على فورة قوى 14 آذار الخلّبيّة بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان.