فلسطين: الرهان على “ضمير” اليهود؟

مدة القراءة 5 د

ماذا بعد وصول اليمين المتطرّف إلى السلطة في إسرائيل؟ أيّ مصير ينتظر القدس؟ وأيّ مصير ينتظر الضفّة الغربيّة؟

يجيب على هذين السؤالين مشروع جديد سبق أن أعدّه يواف كيش الذي كان عضواً في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) عن حزب الليكود الذي يرأسه حتى اليوم بنيامين نتانياهو.

يقول المشروع بإعطاء الفلسطينيين في الضفّة الغربية “حقوقاً إداريّة” محليّة محدودة، ليس منها حقّ المواطنة. وبموجب المشروع يُعتبر الفلسطينيون مقيمين وليسوا مواطنين، ويتمتّعون بحرّية إدارة شؤونهم المحليّة تحت إشراف السلطة السياسية الإسرائيلية.

ما كان للانتفاضة الإفريقية السوداء أن تؤتي ثمارها لو لم يتضامن معها المجتمع الدولي. وقد أدّى ذلك التضامن إلى مقاطعة الحكومة العنصرية وإلى عزلها، حتى تآكلت من الداخل وانهارت تحت ضربات المقاومة الوطنية

أبارتهايد إسرائيليّ

لم يكتشف كيش في مشروعه البارود. فالمشروع أساساً كان قد اعتُمد لسنوات طويلة في جنوب إفريقيا. كان السود من أهل البلاد الأصليّين ضحاياه المباشرين. وقد أدّى فرضه عليهم إلى الانتفاضة التي قادها من السجن نلسون مانديلا، وأدّت في النهاية إلى سقوط النظام العنصري (الأبارتهايد)، وإلى ولادة الدولة الجديدة اليوم.

لكن ما كان للانتفاضة الإفريقية السوداء أن تؤتي ثمارها لو لم يتضامن معها المجتمع الدولي. وقد أدّى ذلك التضامن إلى مقاطعة الحكومة العنصرية وإلى عزلها، حتى تآكلت من الداخل وانهارت تحت ضربات المقاومة الوطنية.

هل يتكرّر هذا السيناريو في إسرائيل؟

هناك ثلاثة أمور لا تشجّع على الجواب بالإيجاب:

ـ الأمر الأوّل هو أنّ الأميركيين المتحدّرين من أصول إفريقية لعبوا دوراً أساسياً في تحريض الإدارات الأميركية المتعاقبة على فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على الحكومة العنصرية في جنوب إفريقيا.

أمّا الآن فثمّة قوّة أميركية داخلية تلعب دوراً معاكساً بالنسبة إلى القضية الفلسطينية. لا تتمثّل هذه القوّة في اللوبي اليهودي الأميركي فقط، بل تتمثّل أكثر بالحركة المسيحانية – الصهيونية التي يشكّل جمهورها 70 مليون مواطن أميركي. وتؤمِن هذه الحركة الدينية – السياسية بالعودة الثانية للمسيح، وبأنّ لهذه العودة شروطاً، أهمّها إقامة إسرائيل وبناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى لأنّ المسيح في اعتقادها لن يعود إلا إلى “صهيون” بعد قيامها، ولن يعلن عودته إلا من “الهيكل” كما فعل أوّل مرّة.

في عقيدة هذه الحركة أيضاً أنّ الدفاع عن إسرائيل وعن تهويد القدس ليس دفاعاً عن اليهود لذاتهم أو دعماً لمشروعهم الخاص، بل هو ضرورة مسيحانية – إنجيليّة، لأنّه حسب اعتقادهم عندما يعود المسيح لن تبقى على الأرض عقيدة دينية أخرى سوى المسيحية الإنجيلية. وهذه العقيدة التي تسفّهها الكنائس المسيحية الكبرى الكاثوليكية والأرثوذكسية والإنجيلية، يؤمن بها أكثر من 70 مليون إنجيلي أميركي.

وفي إسرائيل اليوم، ليس نتانياهو وحده هو وليم باكلي الإسرائيلي. إنّه واحد من عشرات من قادة اليمين المتطرّف الذين ما كان ليعود إلى رئاسة الحكومة من دون التحالف معهم والالتزام بعقيدتهم وتبنّي مواقفهم وسياساتهم

ـ الأمر الثاني هو أنّ الأفارقة في جنوب إفريقيا توحّدوا في مواجهة العنصرية (الأبارتهايد) التي كانوا يعانون منها. غير أنّ الفلسطينيين لا يزالون منقسمين بين حركتَيْ فتح وحماس على الرغم من شدّة الاحتلال العنصري، والدول العربية أبعد ما تكون عن الحدّ الأدنى من الاتحاد لمواجهة هذه العنصرية.

ـ والأمر الثالث هو أنّ المجتمع العالمي بهيئاته الرسمية (الأمم المتحدة)، والدينية (مجلس الكنائس العالمي والمجلس الوطني للكنائس الأميركية)، والحقوقية (المنظمة العالمية لحقوق الإنسان)، أدان العنصرية وتبنّى الدفاع عن حقوق أهل البلاد الأصليين من الأفارقة.

غير أنّ هذا المجتمع نفسه لم يحرّك ساكناً حتى الآن في إدانة العنصرية التي تمارسها إسرائيل ضدّ العرب، مسلمين ومسيحيين، في الضفّة الغربية وفي القدس بشكل خاص.

الرهان على “ضمير” اليهود؟

مع كلّ ذلك يتسلّل ضوء من وراء هذا الظلام الدامس، يتمثّل في ارتفاع أصوات يهودية من داخل إسرائيل وخارجها تحذّر من هذا التدهور الإسرائيلي المتسارع نحو العنصرية الدينية ونحو نظام التمييز العنصري (الأبارتهايد). ومن مظاهره استقالة سفيرة إسرائيل في فرنسا رفضاً للنتائج العنصرية التي أدّت إلى تأليف الحكومة الإسرائيلية الجديدة. ويتسلّح أصحاب هذه الأصوات بالمنطق الذي يقول إنّه إذا كان اليهود قد عانوا من العنصرية الدينية في العديد من الدول الأوروبية شرقاً وغرباً، فكيف يمارسون هم أنفسهم هذه العنصرية، وقد عرفوا المآلات الكارثية التي أصابت أصحابها؟

في عام 1957 سُئل زعيم الحركة العنصرية البيضاء في الولايات المتحدة وليم باكلي: “هل تستطيع قوى اليمين المتطرّف في المناطق الجنوبية من الولايات المتحدة أن تنجح سياسياً وثقافياً في المناطق الشمالية حيث تفقد الأكثرية العددية؟”. وكان ردّ باكلي: “بالتأكيد تستطيع السيطرة بقوّة تفوّقها الحضاري”.

إقرأ أيضاً: إسرائيل والسلطة وأصل الحكاية

وفي إسرائيل اليوم، ليس نتانياهو وحده هو وليم باكلي الإسرائيلي. إنّه واحد من عشرات من قادة اليمين المتطرّف الذين ما كان ليعود إلى رئاسة الحكومة من دون التحالف معهم والالتزام بعقيدتهم وتبنّي مواقفهم وسياساتهم.

مواضيع ذات صلة

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…

ياسر عرفات… عبقرية الحضور في الحياة والموت

كأنه لا يزال حيّاً، هو هكذا في حواراتنا التي لا تنقطع حول كل ما يجري في حياتنا، ولا حوار من ملايين الحوارات التي تجري على…

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…