“الثورة انتهت من دون أيّ سفك للدماء، والنساء إلى الحرّية، في الدين والمعتقد والتصرّف وصناعة القرار السياسي في إيران…”. ليس هذا خبراً متخيَّلاً، بل هو تصريح “سوريالي” أدلى به المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران السيّد علي خامنئي، الأسبوع الفائت، خلال استقباله سيّدات من “الناشطات في المجالات الثقافية والاجتماعية والعلمية”.
حرّض خامنئي هؤلاء النساء بوصفه ثورة مهسا أميني بأنّها “ضربات الغرب المتجدّدة”، مؤكّداً أنّه يجب عدم نعت النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب الكامل بـ”اللاتديّن” و”معاداة الثورة الإسلامية”.
في الخارج، كان جنود خامنئي يصعّدون قمع المحتجّين وينفّذون أحكام الإعدام بالمعتقلين بتهمة “الثورة”، وكانوا يضعون كاميرات مراقبة في الشوارع وقطارات الأنفاق لمراقبة النساء وضبط مخالفاتهنّ، مع عودة شرطة الأخلاق إلى الشوارع، حسب تقارير وردت من إيران. تلك الشرطة التي ادّعت السلطات الإيرانية أنّها حلّتها قبل أشهر.
من أبرز مواقف مريم رجوي خطابها في مؤتمر دعم الانتفاضة الإيرانية في مجلس الشيوخ الأميركي في 8 كانون الأول الماضي، الذي حثّت فيه الولايات المتحدة على اغتنام الفرصة التاريخية والوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ
من جهة أخرى تستمرّ فعاليات الثورة ونشاطاتها في المدن الإيرانية، ويجابهها النظام بالبطش باسم الدين والأخلاق الإسلامية، وتستمرّ النساء في دورهنّ الريادي في قيادة المعارضة التي تمنح الربيع الإيراني الأمل وروحاً أنثوية متجدّدة من أجل النضال.
أبرز نساء الثورة الإيرانية المتجدّدة شخصيات شجاعة تستحقّ أن نعرفها ونروي سيرتها. كان “أساس” تحدّث عن بعضهنّ في تقرير سابق، ونستكمل الحديث عن أخريات اليوم، منهنّ بدرية خامنئي، شقيقة المرشد الأعلى الإيراني، ومريم رجوي، الثائرة التي شاركت في إسقاط الشاه، وفقدت شقيقتها خلال الثورة في 1976، وتشارك اليوم في الثورة، بعدما شنق نظام الخميني شقيقتها الصغرى في 1982.
من هي درية خامنئي؟
تقول شقيقة خامنئي في تصريحاتها الأخيرة التي نشرها نجلها محمود مرادخاني: “أنا أعارض أفعال أخي. أعبّر عن تعاطفي مع جميع الأمّهات اللائي صرن ثكالى بسبب جرائم نظام الجمهورية الإسلامية، منذ عهد مؤسّسه آية الله الخميني، إلى العصر الحالي للخلافة الاستبدادية لعلي خامنئي”.
اختبرت بدرية معارضة حكم شقيقها منذ زمن. كان زوجها آية الله علي مرادخاني قيادياً سابقاً في النظام الإيراني، قبل أن ينشقّ عنه في منتصف الثمانينيات، ويلجأ إلى العراق مع عائلته وزوجته في ذروة الحرب بين البلدين بعد اعتقاله أشهراً في سجن مشهد. عاد إلى إيران في عام 1995 وحُكم عليه بالسجن لمدّة 20 عاماً، قبل أن يُطلق سراحه عام 2005. توفّي في تشرين الأول الماضي. أمّا زوجته بدرية فصعّدت موقفها ضدّ شقيقها بعد اعتقال ابنتها فريدة مرادخاني منذ تشرين الثاني 2022، والحكم عليها الشهر الماضي بالسجن 15 عاماً خفّضت بعد الاستئناف إلى 3 سنوات.
من الكلمات المؤثّرة التي حملتها رسالة الثائرة، شقيقة المرشد، والتي تركت وقعاً في الشارع الإيراني، قولها: “قمت مرّات عدّة منذ عقود بإيصال صوت الناس إلى آذان أخي علي خامنئي. لكنّني رأيت أنّه لا يستمع، وتابع طريق الخميني في قمع الأبرياء وقتلهم، فقطعت علاقتي به. لطالما كان قلقي وسيظلّ دائماً على الناس، ولا سيّما نساء إيران”.
هي التي كانت قد دعت الحرس الثوري الإيراني إلى إلقاء أسلحته في أسرع وقت ممكن والانضمام إلى الشعب قبل فوات الأوان.
“الثورة انتهت من دون أيّ سفك للدماء، والنساء إلى الحرّية، في الدين والمعتقد والتصرّف وصناعة القرار السياسي في إيران…”
من هي مريم رجوي؟
هي من النساء اللواتي يلعبن دوراً بارزاً في المعارضة الإيرانية. ورجوي هي زعيمة حركة مجاهدي خلق الإيرانية التي تمثّل أكبر وأنشط حركة معارضة إيرانية، أسّسها عام 1965 مثقّفون إيرانيون لإسقاط نظام الشاه. وكان دورها كبيراً في سقوطه. لكن ظهرت خلافات بينها وبين نظام الخميني وصلت إلى الصراع المحتدم والمستمرّ حتى اليوم. زوجها مسعود رجوي، قائد مجاهدي خلق بين العامين 1979 و1985، غادر إيران في العام 1981، وتنقل بين العراق وفرنسا، إلى أن اختفى خلال غزو العراق في العام 2003 ولا معلومات ما إن كان على قيد الحياة أم لا، لتستلم زوجته زعامة مجاهدي خلق من بعده.
لمريم رجوي تاريخ طويل في المعارضة. وقد اختارها “برلمان المنفى” رئيسة للجمهورية الإيرانية عام 1993. وهي تؤكّد دائماً أنّ إيران ما بعد ولاية الفقيه ستسودها الديمقراطية واحترام الحرّيات.
كان للقياديّة الإيرانية المولودة في أسرة من الطبقة المتوسطة ماضٍ أليم مع أنظمة البطش الإيرانية. فشقيقتها الكبرى قتلها جهاز أمن الشاه في عام 1976، وشقيقتها الصغرى اعتقلتها قوات الحرس الثوري في عام 1982، فتعرّضت للتعذيب الوحشي عدّة أشهر، ثمّ أُعدمت شنقاً. وكانت رجوي شاهدة على القمع الوحشي الذي مارسه حرس الشاه ضدّ المحتجّين في الشارع، وتحديداً يوم 5 حزيران 1963. وكانت طفولتها مشبعة بالقهر ومشاهد الظلم، فشكّلت الدافع الرئيسي إلى سلوكها درب النضال والمعارضة.
من أبرز مواقف مريم رجوي خطابها في مؤتمر دعم الانتفاضة الإيرانية في مجلس الشيوخ الأميركي في 8 كانون الأول الماضي، الذي حثّت فيه الولايات المتحدة على اغتنام الفرصة التاريخية والوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ، ودعت حلفاء أميركا إلى “تفعيل قرارات مجلس الأمن الدولي ضدّ نظام الملالي وإعادة فرض العقوبات عليه، بدلاً من مواصلة المفاوضات التي تخدم سياسات النظام الإجرامية”.
إلى ذلك حضّت مجلس الشيوخ الأميركي على الاعتراف رسمياً بنضال الشعب الإيراني لإسقاط النظام، وحقّ الشباب الإيراني في النضال ضدّ قوات الحرس، وقامت بمبادرة لطرد نظام الملالي من اليونيسف ولجنة وضع المرأة .
كان لرجوي موقف سابق لافت في باريس في 14 حزيران 2015، حين اعتبرت أنّ “التهديد الإرهابي المستمرّ في الشرق الأوسط منبعه الأساسي النظام الإيراني الذي تورّط في حروب ثلاث بالعراق وسوريا واليمن لبسط نفوذه وتقوية عمقه الاستراتيجي”.
إقرأ أيضاً: النساء ومرشد الإعدام.. وشهرزاد ربيع إيران
إنّها مواقف عنيدة من نساء عنيدات بدأت تؤرّق النظام في طهران، المستمرّ في بطش يعكس قلقاً وخشيةً واضحين. فقد نفّذ نظام الخامنئي حتى الآن 4 إعدامات، وهناك 100 متظاهر معتقل يواجهون خطر الإعدام، حسب “منظمة حقوق الإنسان الإيرانية”. وقتل النظام أكثر من 500 متظاهر، واعتقل نحو 20 ألف آخرين في الاحتجاجات الشعبية المدنية المستمرّة منذ 4 أشهر.
لكنّ نساء إيران مستمرّات…