الحزب يريد جعل الصحوة الشيعيّة مستحيلة…

مدة القراءة 5 د

ليس لدى اللبنانيين، في معظمهم طبعاً، ذاكرة. لو كانت لديهم ذاكرة ما، لما نسوا ما كان عليه بلدهم في أيّام رفيق الحريري وما آل إليه البلد بعد اغتياله في الرابع عشر من شباط 2005، أي قبل 18 عاماً تقريباً.

لا يوجد أدنى شكّ في أنّ الأكثريّة الساحقة لدى أهل السُّنّة ما زالت وفيّة لرفيق الحريري ولكلّ ما فعله من أجل لبنان، لكنّ المؤسف أنّ ذلك لا ينسحب على قسم كبير من المسيحيين والشيعة… فيما يظلّ الدروز حالة خاصّة. يعاني قسم لا بأس به من قيادات المسيحيين، وطبعاً جزء لابأس به من ناخبيهم، من مرض السطحيّة في كلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بما يدور في المنطقة والعالم.

بالنسبة إلى الشيعة، الذين يُعتبرون من أكثر الطوائف قدرة على التميّز وإنجاب مواطنين استثنائيّين، كانوا تاريخيّاً في مقدَّم التيار السيادي والاستقلالي في لبنان، لكن استطاع “حزب الله” تغيير طبيعة المجتمع. كان ذلك عن طريق إقناع الأكثرية الشيعيّة بأنّ إعادة الحياة إلى لبنان وإلى بيروت بالذات تتعارض مع المشروع التوسّعي الإيراني الذي يصبّ في مصلحة الطائفة ككلّ وموقعها على الصعيد الإقليمي، بما في ذلك سوريا حيث الحلف الفارسيّ – العلويّ.

حافظ النظام السوري في أيّام حافظ الأسد على المظاهر في حين فتحت خلافة بشار الأسد لوالده ابتداء من عام 2000 كلّ الأبواب أمام الاجتياح الإيراني للبنان

في وقت تعاني الطائفة السنّيّة من حال تشرذم وضياع يعبّر عنهما غياب مرجعية لها، خصوصاً بعدما علّق سعد الدين رفيق الحريري نشاطه السياسي… إلى إشعار آخر، ليس ما يبرّر غياب تلك الجرأة على تسمية الأشياء بأسمائها ومواجهة الحقيقة شيعياً ومسيحياً.

“سقوط” نسيب لحّود

قضى الجهل وانعدام الثقافة السياسيّة لدى قسم كبير من المسيحيين على الطائفة كلّها تقريباً. يصعب على المسيحيين استعادة موقعهم اللبناني في يوم من الأيّام في غياب الزعيم الوطني المسيحي. على سبيل المثال، سقط في الانتخابات النيابيّة لعام 2005، مباشرة بعد اغتيال رفيق الحريري، نسيب لحود في المتن. حلّ مكانه نواب في مستوى نبيل نقولا وإبراهيم كنعان من “التيار العوني”. يعبّر ذلك عن انفلات الغرائز لدى قسم كبير من طائفة كانت في الماضي الوجه المشرق والحضاري للبنان على كلّ المستويات وفي مختلف أنحاء العالم، خصوصاً في العالم العربي. لا وجود لتفسير منطقي يبرّر وجود نوّاب من هذا المستوى “العونيّ” تحت قبّة البرلمان، علماً أنّ نبيل نقولا لم يترشّح في انتخابات أيار 2022. كلّ ما يمكن قوله أنّ قسماً من المسيحيين اللبنانيين اتّخذ قراراً بالسير في خطّ الرئيس السابق ميشال عون الذي لا يربط بين الحلقات التي تميّز مسيرته السياسيّة غير القدرة على تهجير أكبر عدد من المسيحيين من لبنان وتدمير البلد على رؤوس أبنائه.

من الإيجابيّات القليلة التي أسفرت عنها الانتخابات النيابية الأخيرة سقوط وهم أنّ “التيار العوني”، الذي على رأسه جبران باسيل، هو الكتلة المسيحية الكبرى في مجلس النواب. لم يعد سرّاً، سوى لدى المتعامين عن الحقيقة، أنّ “القوات اللبنانيّة” صارت الكتلة المسيحية الكبرى. علماً أنّه ليس معروفاً كيف يمكن لهذا الحزب الاستفادة من ذلك في الظروف الراهنة في ضوء وقوع البلد تحت الاحتلال الإيراني. هل يمكن اعتبار الصحوة المسيحيّة تأخّرت في بلد يحتاج في الوقت الراهن إلى صحوة شيعية حقيقيّة؟

تبدأ هذه الصحوة الشيعية، التي سعى “حزب الله” إلى جعلها مستحيلة، عبر سيطرته الكاملة على النواب الشيعة في البرلمان (27 من 27)، بالاعتراف بأنّ رفيق الحريري الذي كشفت المحكمة الدوليّة الجهة التي تقف وراء اغتياله، كان لكلّ لبنان وكلّ اللبنانيين. كان مشروعاً قائماً في حدّ ذاته.

مثّل رفيق الحريري المحاولة الأخيرة لإنقاذ لبنان في ظروف أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها كانت صعبة ومعقّدة في ظلّ رغبة النظام السوري في وضع يده على البلد وتغيير اتفاق الطائف بطريقة تجعل منه الحَكَم والمرجعية الأولى والأخيرة لأيّ سياسي لبناني بدءاً برئيس الجمهوريّة وانتهاءً بالحاجب في أيّ دائرة من دوائر الدولة.

بالنسبة إلى الشيعة، الذين يُعتبرون من أكثر الطوائف قدرة على التميّز وإنجاب مواطنين استثنائيّين، كانوا تاريخيّاً في مقدَّم التيار السيادي والاستقلالي في لبنان

إيران تجتاح لبنان.. وسوريا

حافظ النظام السوري في أيّام حافظ الأسد على المظاهر في حين فتحت خلافة بشار الأسد لوالده ابتداء من عام 2000 كلّ الأبواب أمام الاجتياح الإيراني للبنان… ولسوريا لاحقاً. كانت نقطة التحوّل تغطية الأسد الابن جريمة اغتيال رفيق الحريري وكلّ الجرائم التي ارتُكبت ابتداء من محاولة اغتيال مروان حمادة في أوّل تشرين الأوّل 2004.

بدأ الانهيار اللبناني يوم اغتيال رفيق الحريري. لم يكن مجرّد اغتيال لرجل، بكلّ ما له وما عليه. كانت إيران، عبر أداتها اللبنانيّة، تعرف تماماً ما الذي تفعله، خصوصاً بعدما سلّمها الأميركي العراق على صحن من فضّة في عام 2003. لكنّ السؤال: كيف تستطيع الاستفادة من وجودها على البحر المتوسط وعلى تماس مع إسرائيل، من خلال جنوب سوريا وجنوب لبنان، في بلدين مدمّرين؟ إلى أيّ حدّ تستطيع “الجمهوريّة الإسلاميّة” الاستفادة من وجودها في سوريا وتحكّمها بالنظام الأقلّويّ القائم من رأسه إلى أخمص قدميه؟

لم يدمّر اغتيال رفيق الحريري لبنان فحسب، بل دمّر سوريا أيضاً. يستحيل على بشّار الأسد الاعتراف بذلك وبالجريمة التي ارتكبها في حقّ بلده وشعبه أوّلاً.

إقرأ أيضاً: تصدّع النظام: ارتياح جغرافي شيعيّ.. ارتباك سنّيّ.. والمسيحيّون “يغادرون”

فَقَد لبنان كلّ مقوّمات وجوده، فيما صارت سوريا تحت خمسة احتلالات. لم تكن الجريمة في حقّ لبنان وحده. كانت جريمة في حقّ سوريا أيضاً. هل مَن يمتلك ما يكفي من الشجاعة للاعتراف بهذا الواقع، علماً أنّ مثل هذا الاعتراف لم يعد يفيد في شيء لا بالنسبة إلى لبنان ومسيحيّيه ولا بالنسبة إلى سوريا، في غياب تغيير كبير في ميزان القوى على الصعيد الإقليمي…

مواضيع ذات صلة

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

المطربة والفنانة اللبنانية الشهيرة ماجدة الرومي، كانت نجمة الأيام القليلة الفارطة، ليس بسبب إبداعها وجمال صوتها “الكريستالي”، ولا بروائع أعمالها الغنائية، وهي تستحق هذا كله،…

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…