يحاول رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن يستمر بسياسة سلفه مصطفى الكاظمي بأن يجعل العراق “ساحة حوار” في لحظة توتّر عالٍ تعيشها إيران في الداخل، ومع الدول الأوروبية وأميركا، كما لو أنّ الأوامر صدرت بـ”التهدئة” في بلاد ما بين النهرين، ريثما تعبر إيران نهر “الثورة” في الداخل، ونهر “الغضب الخارجي”.
قام السوداني بالخطوات الأولى نحو التأكيد أنّه ليس “رئيساً إيرانياً” في العراق.
لهذا أرسل السوداني الإشارات التالية:
– خرج عبر جريدة “وول ستريت جورنال” الأميركية ليُعلنَ تأييده بقاء القوّات الأجنبيّة من باب محاربة الإرهاب ومواجهة تنظيم “الدّولة الإسلاميّة” (داعش): “الأمر يحتاج إلى بعض الوقت”، قال مبرّراً موقفه.
– “تحمّل” احتجاجاً رسميّاً إيرانيّاً عبر وزير الخارجيّة حسين أمير عبد اللهيان، اعتراضاً على تسمية بطولة “كأس الخليج العربيّ” بنسختها الـ25. هذا في الشكل.
– أمّا في المضمون فقد شنّ حملة “تطهير” شطب بها “رجال الكاظمي”، مبقياً فقط على بعض الذين لعبوا أدواراً رئيسيّة في التّواصل بين الرّياض وطهران، وأبرزهم رئيس مكتب الأمن القوميّ قاسم الأعرجيّ، على الرّغم من أنّ علاقة الأخير برئيس هيئة الحشد الشّعبيّ وقائد منظّمة بدر هادي العامري ليسَت في أحسن أحوالها.
مصدر عراقيّ رفيع المُستوى لـ”أساس”: العراق ليسَ بعيداً عن الجهود العُمانيّة والقطريّة القائمة التي تحاول حلّ الأزمة اليمنيّة. والسّعوديون والإيرانيون لا يستبعدون أن تُعقَد جلسة حواريّة جديدة بينهما في بغداد خلال الأيّام المُقبلة
– وجّه السّوداني إلى الأعرجي خلال مؤتمر “بغداد للتعاون والشّراكة”، الذي عُقِدَ في الأردن قبل أسابيع، أن ينسّق مع الفرنسيين والقطريين بهدف عقدِ لقاءٍ بين وزيرَيْ خارجيّة السّعوديّة وإيران. كانَ هذا المسعى إحدى محاولات السّودانيّ طمأنة العرب أنّه مُستمرّ في سّياسة التوازن الإقليمي التي اعتمدها الكاظمي.
– يكشف مصدر عراقيّ رفيع المُستوى لـ”أساس” أنّ مُرشِد الجمهوريّة الإيرانيّة علي خامنئي قال لرئيس الوزراء العراقيّ أثناء استقباله أواخر تشرين الثّاني الماضي: “تصرّفوا مع الأميركيين والعرب كما تقتضي مصلحتكم. أمّا موقفنا (أي إيران) من الوجود الأميركيّ في المنطقة فخاصّ بنا ولا نُلزم العراق الرّسميّ بشيء”.
– يضيف المصدر العراقيّ: العراق ليسَ بعيداً عن الجهود العُمانيّة والقطريّة القائمة التي تحاول حلّ الأزمة اليمنيّة. والسّعوديون والإيرانيون لا يستبعدون أن تُعقَد جلسة حواريّة جديدة بينهما في بغداد خلال الأيّام المُقبلة، وفي حال عُقِدَت الجلسة خارج العراق، فإنّ دورَ بلاد الرّافديْن لن يكونَ بعيداً عنها إطلاقاً.
– في المؤتمر عينه، كان السّوداني يُثبّت الدّور العراقيّ في تحالف “الشّام الجديد” مع جمهوريّة مصر العربيّة والمملكة الأردنيّة الهاشميّة. وكان “أساس” قد كشفَ أنّ رئيس الوزراء العراقيّ كانَ مُنفتحاً في اللقاء الثّلاثيّ الذي جمعه مع الرّئيس المصريّ عبد الفتّاح السّيسي والملك الأردنيّ عبد الله الثّانيّ على تطوير الاتفاقيّات بين الدّول الثّلاث، واقترح توسيع الحلف ليضمّ سوريا ولبنان وتركيا.
يُدركُ السّودانيّ أنّ الدّول العربيّة، وخصوصاً الخليجيّة، تُراقب بحذرٍ ما ستؤول إليه الأوضاع السّياسيّة في بلاده. إذ كانت تجربة الكاظميّ مُريحةً للعرب، واستطاع رئيس الوزراء السّابق جمع السّعوديين والإيرانيين في 5 جلسات حواريّة في عاصمة العبّاسيين.
إقرأ أيضاً: عبد اللهيان في لبنان للردّ على السعوديّة ومصر
لكن مُنذ رحيل الكاظمي عن السّلطة، يُراقب العرب أداء السّوداني. يهمّ السّعوديّة أن يُحافظ العراق على التّوازن، وأن لا يكون عهد رئيس الوزراء الجديد نسخةً جديدةً من عهود نوري المالكي وإبراهيم الجعفريّ وغيرهما من قادة الأحزاب والمسؤولين الموالين لإيران.
الجديد في حركة السوداني أنّه سمع على هامش القمة العربية الصينية في الرياض من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ترحيباً وتشجيعاً على مساره السياسي ودعماً واضحاً لاستمراره في هذا المسار.