هل تحمي الطائرات الروسية سماء طهران… من إسرائيل؟

مدة القراءة 6 د

“استحواذ إيران على طائرة Su-35 الروسية ليس اتفاقية دفاعية بين موسكو وطهران وحسب، إذ لن يغيّر بشكل جذري التوازن العسكري بين إيران والخليج العربي ويسحب من إسرائيل ورقة الضربة الاستباقية فقط، بل سيشكّل أيضاً عاملاً استراتيجياً خطيراً وسيكشف عن مرحلة جيوسياسية جديدة ستواجه واشنطن وحلفاؤها فيها محوراً أكثر عدوانية من أيّ وقت مضى”.

هذا هو رأي باحث بارز في الشؤون العسكرية في معهد هدسون الأميركي في تقرير كتبه لمجلّة “ناشيونال إنترست” البحثية التي تصدر عن مركز “ناشيونال إنترست” الأميركي الذي أسّسه الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون عام 1994 ويركّز على السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

 كاسابوغلو: “باستثناء إسرائيل، لا يمتلك أيّ من حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط طائرات شبح تكتيكية من الجيل الخامس

هل تحصل إيران على S-400 الروسيّة؟

يحذّر الخبير الدكتور كين كاسابوغلو، الذي الذي يشغل منصب مدير “برنامج أبحاث الأمن والدفاع” في “مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية – EDAM”، ومقرّه إسطنبول، من أنّ “شراء طهران سلاحاً من طراز Su-35 لن يقلب التوازن العسكري في الشرق الأوسط رأساً على عقب فحسب، بل سيجعل المجال الجوّي الإيراني مكاناً أكثر تحصّناً لها وضرراً للآخرين. يتعلّق هذا التغيير المحتمل بالتوازن العسكري بين إيران والخليج العربي وبورقة الضربة الاستباقية الإسرائيلية”.

ويقول كاسابوغلو: “باستثناء إسرائيل، لا يمتلك أيّ من حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط طائرات شبح تكتيكية من الجيل الخامس. ومع تلميح وزير الدفاع الإسرائيلي المنتهية ولايته بيني غانتس إلى احتمالات العمل العسكري الوقائي ضدّ البرنامج النووي الإيراني في غضون عامين أو ثلاثة أعوام، اكتسب استحواذ إيران على  Su-35أهميّة إضافية. وفي أيّ سيناريو إسرائيلي يستعمل F-35 مقابل Su-35 الإيراني، يمكننا أن نفترض أنّ F-35 ستعطي اللكمة الأولى في المعركة قبل أن تدرك Su-35 أنّ المبارزة قد بدأت. وهناك عاملان حاسمان يتحدّيان هذا التقويم المتفائل:

أوّلاً، في سيناريو الضربة الوقائية الافتراضية، يكون لدى إسرائيل فرصة محدودة جدّاً، إن وجدت، لإرسال مهامّ بحث وإنقاذ قتالية في الأراضي الإيرانية المعادية. ونظراً إلى الضرورات العسكرية والجيوستراتيجية لن يكون لدى الطائرات الإسرائيلية كلّ الوقت لإنجاز مهامّها والعودة إلى الوطن. وسيطارد الحرس الثوري الإيراني كلّ طيّار إسرائيلي.

في حال حدوث عمل عسكري لتأخير تقدُّم إيران النووي، يتعيّن على طائرات F-35 الإسرائيلية العمل في عمق المجال الجوّي الإيراني المحميّ بشبكة من الدفاعات المتعدّدة الطبقات، إضافة إلى طائراتSu-35 CAP . وليس سرّاً أنّ الحرس الثوري يطمح إلى الحصول على نظام الدفاع الجوّي الاستراتيجي الروسي S-400  منذ فترة طويلة. ونظراً إلى اعتماد روسيا على الطائرات بدون طيّار والصواريخ الإيرانية، فقد تكون طهران قريبة جداً من إتمام صفقة S-400، إضافة إلى الطائرات المتقدّمة. لن يجعل هذا المزيج المميت خيار الضربة الوقائية مستحيلاً، لكنّه سيغيّر بشكل كبير تقويم المخاطر.

إيران مستعدّة لنقل صواريخها الباليستية القصيرة المدى المشتقّة من “فاتح 110” لدعم أجندة بوتين التوسّعية في مجال ما بعد الاتحاد السوفيتي

ثانياً، على الرغم من أنّ نتائج ألعاب الحرب أصبحت أكثر دقّة من أيّ وقت مضى بفضل تقنيّات محاكاة الكومبيوتر، ما زلنا لا نملك أيّ سجلّ قتالي ملموس لفهم كيف يمكن أن تنتهي المعركة بين F-35 وSu-35. على عكس الطائرات التكتيكية الأميركية الأخرى من الجيل الخامس،F-22 Raptor ، فإنّ F-35 ليست منصّة تفوّق جوي. لذلك سيتعيّن على مقاتلة F-35 الاعتماد على مستشعراتها الخفيّة و”الرائعة”، والأسلحة المتطوّرة البعيدة المدى، للبقاء على قيد الحياة في مواجهةSu-35 .

مع ذلك، فإنّ هذه الطائرة الروسيّة هي طائرة تفوّق جوّي نظريّاً مع فلسفة تصميم مميّزة مناسبة لمطاردة منصّات العدوّ. ويمكنها أن تتفوّق بسهولة على طائرة F-35  في المناورة. افترضت جميع الكتابات العسكرية تقريباً، التي فضّلت F-35 على  35Su-، أنّ الاشتباك لن يتلخّص في القتال الجوّي داخل النطاق المرئي لأسباب واضحة. ومع ذلك، فإنّ مبدأ كلاوزفيتز الصارم للقتال الحربي (عامل الاحتكاك) يشرح قانون مورفي للمقاتلين: “أيّ شيء يمكن أن يحدث بشكل خاطئ سوف يكون سيّئاً”.

خطر المحور العسكريّ الروسيّ – الإيرانيّ

الباحث نفسه حذّر من أنّ المحور العسكري الروسي – الإيراني يتنامى بشكل كبير. وقال إنّه لن يقف عند مقاتلات “Su – 35” ونظام “400S-” فقط. فبعد نقل آلاف الذخائر إلى روسيا، أصبحت إيران مورّداً رئيسياً لأنظمة حرب الطائرات بدون طيّار لثاني أكبر مصدّر للأسلحة في العالم. تدعم طهران بنشاط غزو بوتين في شرق الناتو، فيما تشنّ حملة قمع وحشيّة في الداخل. وهذا ليس اتجاهاً سلميّاً. كلّ أسبوع تقريباً يستهدف الجيش الروسي عمداً البنية التحتية الحيوية والمراكز السكّانية في أوكرانيا بطائرات بدون طيار “شاهد-136″ و”شاهد-131” الكاميكازيّة المصنّعة في إيران.

الأسوأ أنّ إيران مستعدّة لنقل صواريخها الباليستية القصيرة المدى المشتقّة من “فاتح 110” لدعم أجندة بوتين التوسّعية في مجال ما بعد الاتحاد السوفيتي. وهي مشتقّات تحمل رؤوساً حربية شديدة التدمير وتتبع مساراً شبه باليستي يزيد من صعوبة اعتراضها. وإذا تمّ تسليمها بأعداد كبيرة، يمكنها أن تسبّب خسائر فادحة في صفوف المدنيين في أوكرانيا.

إقرأ أيضاً: إيران على طريق التصدير الدوليّ للسلاح؟

في المقابل، تحصل إيران على صفقة دفاعية طنّانة من روسيا. والنبأ السيّء هو أنّ عمليّات تسليم  Su-35المخطّط لها قد تكون قمّة جبل الجليد وحسب، إذ ستزوّد الصواريخ الروسيّة المضادّة للسفن وأنظمة SAM الاستراتيجية إيران بقدرات حاسمة. ويمكن لبعض تقنيّات محرّكات الصواريخ السوفيتية أن تساعد إيران على تطوير صواريخ باليستية عابرة للقارّات  (ICBM) قادرة على حمل شحنات نووية استراتيجية.

ينبّه الخبير أخيراً إلى أنّ الجغرافيا السياسية لهذا التحدّي الجديد ديناميكية جدّاً. فلقد أقامت طهران وموسكو طريقاً لوجستياً عسكرياً يمتدّ من بحر قزوين إلى قناة دون-فولغا وبحر آزوف.

* دكتور كين كاسابوغلو هو من كبار الباحثين الأعضاء في معهد هدسون، ومدير برنامج أبحاث الأمن والدفاع في EDAM. هو حاصل على درجة الدكتوراه من الكليّة الحربية التركية وماجستير العلوم من الأكاديمية العسكرية التركية. كان سابقاً زميلاً في معهد أيزنهاور في كليّة الدفاع التابعة لحلف الناتو في روما، وشغل منصباً بحثيّاً زائراً في مركز التميّز الإلكتروني التابع لحلف الناتو في تالين، إضافة إلى مناصب بحثية في مراكز فكر رائدة.

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

فريدريك هوف: خطوات ترسم مستقبل سوريا

حّدد الدبلوماسي والمبعوث الأميركي السابق إلى سوريا السفير فريدريك هوف عدّة خطوات تستطيع تركيا، بمساعدة واشنطن، إقناع رئيس هيئة تحرير الشام، أبي محمد الجولاني، باتّخاذها…

الرواية الإسرائيلية لتوقيت تفجير “البيجرز”

هل كان يمكن لتفجير “البيجرز” لو حدث عام 2023 انهاء الحرب في وقت أبكر؟ سؤال طرحته صحيفة “جيروزاليم بوست” التي كشفت أنّه كان يمكن لتفجير البيجرو…

فريدمان لفريق ترامب: ما حدث في سوريا لن يبقى في سوريا

تشكّل سوريا، في رأي الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان، نموذجاً مصغّراً لمنطقة الشرق الأوسط بأكمله، وحجر الزاوية فيها. وبالتالي ستكون لانهيارها تأثيرات في كلّ…

ألكسندر دوغين: إسقاط الأسد فخّ نصبه بايدن لترامب

يزعم ألكسندر دوغين الباحث السياسي وعالم الفلسفة الروسي، الموصوف بأنّه “عقل بوتين”، أنّ سوريا كانت الحلقة الأضعف في خطّة أوسع نطاقاً لتقويض روسيا، وأنّ “سقوط…