المواجهة بين يهود أميركا والحكومة الاسرائيلية؟

مدة القراءة 6 د

جاء في الخطوط التوجيهية للحكومة الإسرائيلية الجديدة بند أساسي نصّ على مخصّصات وموارد أساسية للقطاع الحريدي (اليهود المتشدّدين)، وتجلّى في العبارات التالية: “للشعب اليهودي الحقّ الحصري، الذي لا جدال فيه، في كلّ أرجاء أرض إسرائيل من البحر إلى النهر، وستدفع الحكومة قدماً بالمستوطنات وتطوِّرها في كلّ أنحاء أرض إسرائيل، في الجليل والنقب والجولان، وفي الضفّة الغربية”. وقد خلق هذا السياق، الذي انعكس على سياسة الحكومة الإسرائيلية التي تُعتبر الأكثر تشدّداً في دولة الاحتلال، مشكلة لدى الرأي العامّ اليهودي الأميركي الديمقراطي الذي اعتبر أنّ ذلك تهديد خطير لقيم الديمقراطية والليبرالية.

 

ردم الحلّ السياسيّ

لم يبدُ غريباً في مضمونه أو لهجته إعلانُ حكومة بنيامين نتانياهو أنّها لن تقف “مكتوفة الأيدي حيال (ما تسمّيه) الحرب السياسية والقضائية للسلطة الفلسطينية ضدّ إسرائيل، بل ستردّ بكلّ ما يلزم”، فحكومة نتانياهو الحالية تعتبر أنّ مهمّتها الأساسية هي إهالة التراب على ما بقي من احتمال التوصّل إلى حلّ سياسي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وهذا على عكس العالم الذي يرى أنّ ما يجري في الأراضي الفلسطينية احتلال وضمّ بقوّة الأمر الواقع. وكانت إسرائيل وحدها، على لسان رئيس وزرائها، وصفت بـ”الحقير” تأييد أعضاء الجمعية العامّة للأمم المتحدة مطالبة محكمة العدل الدولية بإبداء رأي في شأن احتلال إسرائيل الأراضي الفلسطينية. وقال نتانياهو في رسالة مصوّرة: “الشعب اليهودي ليس محتلّاً، فهو على أرضه، وليس محتلّاً في عاصمتنا الأبديّة القدس. ولا يوجد قرار للأمم المتحدة يمكن أن يشوّه تلك الحقيقة التاريخية”.

مع مصادقة حكومة نتانياهو على اقتطاع أموال المقاصّة تكون إسرائيل قد دشّنت فصلاً جديداً من الصراع مع الفلسطينيين

تجسّدت مشكلة حكومة نتانياهو اليمينية المتطرّفة مع العدالة والقضاء الدوليّين في نجاح دولة فلسطين في الحصول على قرار أممي يتيح لها التوجّه إلى محكمة العدل الدولية لاستشارتها في ماهية الاحتلال الإسرائيلي. وقد ردّت إسرائيل بمصادقة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش على حزمة عقوبات انتقامية على السلطة الفلسطينية تشمل مصادرة 139 مليون شيكل (نحو 60 مليون دولار) من عائدات الضرائب الفلسطينية (أموال المقاصّة) وتجميد البناء الفلسطيني في المناطق “ج” في الضفّة الغربية.

 

نظام عقوبات على المحتلّين

اعتبرت صحيفة “هآرتس” أنّ قرار “الكابينت” فرض عقوبات على السلطة، ردّاً على توجّهها إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، هو “ذروة جديدة في الوقاحة الإسرائيلية”. وأضافت: “دولة لم تنفّذ أبداً قرارات الأسرة الدولية وتتّهم باللاساميّة كلّ من يجرؤ على التلميح إلى فرض عقوبات ضدّها، تفرض بنفسها عقوبات على السلطة الفلسطينية”. هذا دليل على أن “لا حدود للازدواجية” الإسرائيلية.

مع مصادقة حكومة نتانياهو على اقتطاع أموال المقاصّة تكون إسرائيل قد دشّنت فصلاً جديداً من الصراع مع الفلسطينيين عنوانه التوجّه نحو إخضاع السلطة الفلسطينية لنظام عقوبات لم تقف حدوده عند الملفّ المالي، بل وصلت إلى حدّ التفكير بسحب الجنسية من كلّ فلسطيني مقيم في أراضي 1948 عند اتّخاذه أيّ موقف ضدّ سياسات حكومة إسرائيل، ووصلت أيضاً إلى إنهاء “التنسيق المدني”، ومنع أعضاء الكنيست من زيارة السجون الإسرائيلية التي يُحتجَز فيها الفلسطينيون.

في هذا السياق أصدر المفتّش العامّ للشرطة الإسرائيلية، يعقوب شبتاي، أمراً لقادة الجهاز بمنع رفع العلم الفلسطيني في “الأماكن العامّة”، وذلك بعد تلقّيه أوامر مباشرة من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الذي جاء قراره على خلفيّة رفع العلم الفلسطيني في الاحتفالات التي نُظّمت في بلدة عارة احتفاءً بتحرّر عميد الأسرى الفلسطينيين كريم يونس الذي قضى 40 عاماً في السجون الإسرائيلية.

إلى ذلك تستمرّ حكومة نتانياهو في حربها على القضاء. فبعد أقلّ من عشرة أيام على تسلّم الحكومة الإسرائيلية مهامّ عملها، تقدَّم وزير العدل فيها، الليكودي ياريف ليفين، بجملة من التعديلات في منظومة القضاء الإسرائيلي وصفها زعيم المعارضة يائير لابيد بأنّها محاولة “إجراميّة لتهديد القضاة”. وتتمثّل التعديلات في إضعاف صلاحيّات المحكمة العليا، بحيث يمكن للكنيست إلغاء قراراتها، ويكون للنوّاب سلطة التحكّم في طرق تعيين أعضائها، الأمر الذي يتيح إمكانية التصويت على النصوص التي رفضتها المحكمة العليا لعدم مطابقتها لـ”القوانين الأساسية”.

تستمرّ حكومة نتانياهو في حربها على القضاء. فبعد أقلّ من عشرة أيام على تسلّم الحكومة الإسرائيلية مهامّ عملها

السيطرة على القضاء

من جهتها، وصفت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” تعديلات ليفين المتعلّقة بالقضاء بأنّها أكثر التغييرات جذرية التي جرت على نظام الحكم في إسرائيل. وهي تحدّ من سلطة محكمة العدل العليا، وتمنح الحكومة السيطرة على اختيار القضاة، وتحدّ بشكل كبير من سلطة المستشارين القانونيين للحكومة.

وأعربت وسائل الإعلام الأميركية عن قلقها بهذا الشأن، فاعتبرت وكالة “أسوشيتد برس” أنّ الحكومة الجديدة “تدفع إسرائيل إلى صدام وشيك مع أقرب حلفائها، وفي مقدّمهم الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع اليهودي الأميركي”.

ورأت الإدارة الأميركية أنّ سياسة إسرائيل تضعها في مأزق متزايد بسبب سياسات الائتلاف الديني في تل أبيب وحربه على القضاء، وذلك على الرغم من تهنئة الرئيس الأميركي لبنيامين نتانياهو، وتأكيد وزير خارجيته أنتوني بلينكن أنّه “سيحكم على السياسات التي ستنتهجها الحكومة الإسرائيلية وليس على الأشخاص”.

مع تصاعد انتقاد إسرائيل في أوساط الديمقراطيين الأميركيين اليهود بسبب ما اعتبروه تهديداً خطيراً لقيم الديمقراطية والليبرالية نتج عن انعدام المساواة بين الجنسين، وزجّ الدين في شؤون الدولة والفرد، وتفضيل القيم اليهودية على القيم الديمقراطية، وإهانة سلطة القضاء.

وأعلن أكثر من 300 حاخام أميركي عن قطع كلّ الاتصالات مع أعضاء الحكومة الإسرائيلية الجديدة، تأكيداً على اعتراض المجتمع اليهودي الأميركي على السلوك الإسرائيلي. وقال المؤرّخ الأميركي إريك ألترمان: “يتساءل الأميركيون اليهود: هل حانت اللحظة لإعلان استقلالهم عن إسرائيل؟”.

إقرأ أيضاً: أميركا وأوروبا والعرب و”إسرائيل”… ضدّ بن غفير

لقد صار سهلاً تتبُّع هذا الشرخ الناشئ بين أغلبية يهود إسرائيل وأغلبية يهود الولايات المتحدة. وحسب الكاتب الإسرائيلي آفي غيبل فقد “تقلّص وزن الجماعات العلمانية في إسرائيل ديمغرافياً، فيما تعزّزت قوّة الجماعات التي ترى في القيم الليبرالية تهديداً”. وبخلاف الجالية اليهودية في الولايات المتحدة التي تؤيّد حماية حقوق الأقليّات وعرب إسرائيل، وتفضّل القيم الديمقراطية على القيم اليهودية واحترام السلطة القضائية، فإنّ الأغلبية في إسرائيل تريد استعباد الفلسطينيين العرب وإهانة القضاء المحلّي والدولي.

 

*كاتبة فلسطينية

 

مواضيع ذات صلة

“دوخة” نيابيّة: جلسة من دون فرنجيّة وجعجع!

“الوضع بدوّخ. المعطيات مُتضاربة ومُتغيّرة كالبورصة. ولا توافق سياسيّاً بالحدّ الأدنى حتى الآن على أيّ اسم لرئاسة الجمهورية”. هي حصيلة مختصرة للمداولات الرئاسية في الأيّام…

جعجع في عين التّينة لإنضاج الرّئاسة؟!

عاثرٌ جدّاً حظّ سليمان فرنجية. مرةً، واثنتيْن وثلاث مرّات، بلغت الرئاسة حلقه، لتُسحب في اللحظات الأخيرة، فيقف على أعتاب القصر عاجزاً عن دخوله، ويعود أدراجه…

يومٌ في دمشق: فرحٌ ممزوج بالقلق

مرّت 14 سنة بالتّمام والكمال عن المرّة الأخيرة التي زُرتُ فيها العاصمة السّوريّة دِمشق، في كانون الأوّل من عام 2010، أي قبل 4 أشهر من…

برّي والرّئاسة: Now or Never

ما كادت تمرّ أيّام قليلة على الإطاحة بالنظام السوري، حتى ظهرت أوّل تداعيات “الانقلاب الكبير” على الرقعة اللبنانية، في شقّها الرئاسي: انقلبت أدوار القوى السياسية،…