حديث جعجع عن الفدرالية… خدمة “مجّانيّة” لباسيل

مدة القراءة 7 د

هدّد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بالفدرالية في حديثه إلى تلفزيون “الجديد” أمس الأوّل، مقدّماً بذلك خدمة مجّانية وجليلة لجبران باسيل، الذي سيرفع هذا التهديد ويضعه بوجه حزب الله ليقول له: “هذا هو مستقبل المسيحيين من دوني”.

إذ أنّه ردّاً على سؤال أجاب جعجع: “الفدراليّة ليس طرح “Taboo”، لكنّه يتطلب موافقة الأفرقاء في لبنان واإتخاذ الموقف منه علينا أن نبحث الموضوع”.

بل وذهب جعجع أبعد حين تحدّث عن “خيارات أخرى” تتعلّق بإعادة النظر في أسس النظام في حال أصرّ حزب الله على انتخاب “رئيس على ذوقه”، أي سليمان فرنجية، داعياً إلى “إعادة النظر سياسياً بتركيبة الدولة، التي تسمح للحزب بالتلاعب بها، لمنعه من الاستمرار بذلك وإيجاد طريقة كي لا يبقى “متسلبطاً” على بقيّة اللبنانيين، والله يوفقو مطرح ما هو بس ما بقا فينا نكمّل هيك”. وهو كلام له شعبية في صفوف جمهور معيّن، وقد يخلق شعوراً بالتعاطف مع قائله.

هدّد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بالتقسيم في حديثه إلى تلفزيون “الجديد” أمس الأوّل، مقدّماً بذلك خدمة مجّانية وجليلة لجبران باسيل، الذي سيرفع هذا التهديد ويضعه بوجه حزب الله ليقول له: “هذا هو مستقبل المسيحيين من دوني”

في المقابل بات حزب الله على خلاف مع حليفه المسيحي، واصطدم معه على خلفيّة تمسّكه بترشيح رئيس المردة. فحزب الله محرج بمرشّحه الذي لم يعلن ترشيحه بعد، ومحرج أكثر بسبب أنّ الجلسة النيابية المقبلة لن تحمل معها إلا تعميقاً للأزمة وتضييقاً للخناق على علاقته بحليفه التيار الوطني الحر التي بات مصيرها ومصير تفاهمهما معلّقين على جلسة حكومية دعا إليها الرئيس نجيب ميقاتي. يجاهر حزب الله بخلافه مع جبران باسيل، ويتحدّث بلا قفّازات، لكنّه يتجنّب هدم جسور العلاقة. لذا الوساطات مستمرّة لمحاولة إعادة مدّها بجرعات حياة مجدّداً، لكن ليس قبل أن يتوضّح مصير الجلسة الحكومية.

أزمة “خيارات” المسيحيّين

فضحت انتخابات رئيس الجمهورية في لبنان أزمة خيارات المسيحيين التي يرى البعض أنّها تعمّقت بعد اتفاق الطائف مباشرة. كانوا اعتقدوا أنّهم مع انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية يستعيدون التوازنات التي اعتبروا أنّ “الطائف” أفقدهم إيّاها، وأنّهم استعادوا الشراكة في السلطة وباتوا قادرين على الاستقرار، وأنّ الذهاب باتجاه بناء الدولة ومكافحة الفساد سيتحقّق حكماً، لكن تبيّن أنّ عون لم يستطع فعل شيء على مستوى بناء الدولة، ووقع الانهيار في عهده، فحمّله خصومه مسؤولية 30 سنة من انهيار الدولة وفشلها معطوفةً على اتّهامه بتوفير الغطاء لحزب الله “الذي خرّب البلد”.

لقد وقع الطرف المسيحي، الذي منح عون الأكثرية الوازنة، في تناقض ما بين العجز عن الإصلاح وبناء الدولة والخوف من أن يكون لحزب الله مشروعه الثاني، فتسبّب ذلك في انكفاء التيار في الانتخابات النيابية الأخيرة وخسارته الشعبية التي كانت له ذات “تسونامي” نيابي في انتخابات 2005.

لم يفعل فعله نداء باسيل لحزب الله بضرورة الإصلاح، ولم يلاقِهِ إلى منتصف الطريق في “بناء الدولة”، بل واجه التيار المسيحي صدمتين:

الأولى هي إصرار حليفه “على الإتيان برئيس لا ينبثق أبداً عن المزاج المسيحي هو سليمان فرنجية”.

والثانية هي “فرض نجيب ميقاتي شريكاً سنّيّاً أُعطي له ما لم يُعطَ لسواه ويُسمح له بكسر صلاحيّات رئيس الجمهورية”.

وقع الطرف المسيحي، الذي منح عون الأكثرية الوازنة، في تناقض ما بين العجز عن الإصلاح وبناء الدولة والخوف من أن يكون لحزب الله مشروعه الثاني

“شعبيّة” التقسيم مسيحيّاً

من كانوا في محيط عون وباسيل “دخل الشكّ في نفوسهم، فاستغلّ جعجع الشكّ ليعمّق الشرخ أكثر بين حزب الله والجمهور المسيحي”.

يقول العاقلون في التيار إنّ كلام جعجع هو استغلال لأزمة حاصلة ويُراد منه باطل، وإنّ حزب الله لا يقيم وزناً لما قاله لعدم قدرته على تنفيذ مشروعه، لكنّ ما لا يحسبه أنّ المسيحيين يتعاطفون مع كلام جعجع وأنّه ما عاد أمامهم إلا خياران: “إمّا الرحيل أو الهجرة”.

تكشف مصادر قيادية في التيار الوطني الحر لـ”أساس” أنّ “كلام جعجع يجب أن يشكّل جرس إنذار لكلّ من يعمل من أجل الحفاظ على دولة موحّدة”، وأنّ كلامه أمس الأول “يطرح أمام المسيحيين خياراً آخر هو خيار إنهاء النظام الحالي والانتقال إلى نظام جديد، وقد أعلن ذلك بصريح العبارة حين سُئِلَ عن الفدرالية فأجاب بلا تردّد: “ليش لأ”؟… لأنّها من الخيارات المطروحة”.

قوبل كلام جعجع بتحفّظ في أوساط مسيحية وازنة اعتبرت أنّ الكنيسة المارونية، على الرغم من خلافها مع حزب الله، لا يمكن أن تذهب إلى مشروع يناقض مشروع البطريرك إلياس الحويك القائم على الحفاظ على “لبنان الكبير”.

يحيل المصدر القيادي في “التيار” كلام جعجع إلى حزب الله، باعتباره المسؤول عن إيجاد أجوبة، وخاصة أنّ شريكه المسيحي بات محشوراً بين خطاب جعجع وفشل خياراته السياسية: فما هو المطلوب إذاً؟ وهل يستطيع فرنجية أن يقف في مواجهة خطاب جعجع إذا كان باسيل وعون فشلا في ذلك؟

تمضي المصادر في كلامها وتسأل: “أليس المطلوب إعادة النظر في سياسات حزب الله، بدءاً من التمسّك بترشيح فرنجية إلى موضوع الفساد إلى كسر المسيحيين من خلال ميقاتي؟”. وتشير المصادر إلى أنّ قول جعجع إنّه لا خطر من ميقاتي على صلاحيّات المسيحيين وضعه في موقع “أقرب إلى التلاقي مع حزب الله، ولو أنّ المقصود بخطابه هو المزيد من الاستفزاز في الشارع المسيحي لتحميل باسيل مسؤولية ما حصل من فشل في السنوات الستّ الأخيرة”.

تكشف مصادر قيادية في التيار الوطني الحر لـ”أساس” أنّ “كلام جعجع يجب أن يشكّل جرس إنذار لكلّ من يعمل من أجل الحفاظ على دولة موحّدة”

الكرة في ملعب الحزب

في الخلاصة: المسيحيون أمام خيارات صعبة. ولا بدّ أن يتنبّه حزب الله إلى عدم دفع شريكه أكثر إلى اتّخاذ قرارات مؤذية، سواء منها الهجرة والرحيل أو التعصّب والالتحاق بخطاب جعجع.

أمام ما يجري تقول مصادر التيار إنّه “لا يمكن لحزب الله أن يقابل هذا التطوّر بالصمت أو بالإصرار على رئيس يحمي المقاومة، لأنّ من يريده أن يحمي المقاومة يجب أن يكون قويّاً في بيئته، ولا يمكن لسليمان فرنجية، غير القادر على السيطرة على زغرتا نفسها، أن يحمي المقاومة. فهل لرئيس ضعيف في بيئته أن يحمي ظهر المقاومة؟”.

ويلفت القيادي إلى أنّ “حزب الله يجب عليه أن يعلم أنّ ساعة الحقيقة دقّت، ولا يستطيع أن يقابل ما يجري بالصمت لأنّ الصمت لا يكفي واللعب في المنطقة الحسّاسة يضرّ الجميع”.

لم يعد يقتصر إحراج حزب الله على الخصم والحليف. فها هو النائب طوني فرنجية، نجل المرشّح الرئاسي، يلتحق بركب المسيحيين “المؤيّدين للتقسيم في بلد حيث ناس بسمنة وناس بزيت، وكلّ فاتح إمارته على حسابه”. ما قاله يعكس وجود هذا المنطق داخل حلفاء حزب الله، وما قاله يعبّر عن تطلّعات جيل كامل.

في مكان ما قدّم كلام جعجع خدمة للتيار الوطني الحرّ، وزاد من إحراج حزب الله، العالق بين مطرقتَيْ الحليف المسيحي ورئيس الحكومة ابن البيئة السنّيّة المتضعضعة.

ما هو موقف حزب الله؟

يخاف حزب الله في سرّه أن يندفع حليفه الماروني باتجاه بكركي التي صار أقرب إليها أكثر من أيّ وقت مضى، فيتّفقا على مرشّح مشترك. ومن جهة ثانية بات يشكو من عناد هذا الحليف الذي يرفض ترشيح فرنجية فيما لا يقترح ترشيحاً آخر.

على الرغم من الخلاف المستحكم هذه المرّة، يتمسّك حزب الله كما التيار الوطني باتّفاقهما ولا يريدان الخروج عنه. لكنّ هذا لا يلغي تموضع كلّ منهما داخل جبهته. يتمسّك حزب الله بفرنجية وينصحه بإجراء جولة أفق خارجية تقوّي حظوظه، وأن يفاتح بكركي بطلب تأييده، وأن يتجنّب طرح اسمه كي لا يحترق.

إقرأ أيضاً: باسيل و”المرشّح الثالث”: فيتو من داخل التيّار؟!

يعوّل حزب الله على مسألتين:

– أولاهما الضغط الداخلي القويّ وبحث كلّ طرف عن مخرج منعاً لتكرار تجربة الفراغ الذي سبق انتخاب عون.

– والثانية رهانه على تخويف المسيحيين من فقدان دورهم في إدارة البلاد، الأمر الذي يدفعهم إلى الضغط في اتجاه البحث عن حلول. والأهمّ أنّ رهانه على باسيل لا يزال قائماً.

مواضيع ذات صلة

ساعات حاسمة… ومصير السّلاح مجهول

في الأيام الماضية ضغط جيش العدوّ الإسرائيلي بجولات من قصف صاروخي عنيف ومكثّف لا مثيل له منذ بدء العدوان الجوّي في 23 أيلول الماضي، وتوّج…

كيف يستعدّ الحزب لليوم التّالي؟

بدأ الحزب إعادة ترتيب أولويّاته تحضيراً لليوم التالي في الحرب بعيداً عن التفاصيل الميدانية الحربية والمفاوضات السياسية الحاصلة لإصدار قرار وقف إطلاق النار.   أشارت…

خشية غربيّة من جولة تصعيد جديدة

إذا لم تُثبت التطوّرات عكس ذلك، فإنّ الأوساط الدبلوماسية الغربية لا ترى في مسوّدة الاتّفاق الذي صاغة الموفد الأميركي آموس هوكستين وقدّمته السفيرة الأميركية لدى…

قيس عبيد: شبحُ مغنيّة الذي حملَ الجنسيّة الإسرائيليّة

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…