إيلي كوهين. هذا ليسَ اسم جاسوس الموساد لدى سوريا المعروف باسم “كامل أمين ثابت”. بل هو وزير الخارجيّة الإسرائيليّ الجديد في حكومة بنيامين نتانياهو الجديدة.
تدفعُكَ مُحرّكات البحث إلى إضافة عبارة “وزير الخارجيّة” لئلّا يتصدّر الجاسوس “إيلي كوهين” نتائج البحث.
هو مُهندس التّطبيع مع الإمارات والبحريْن والمغرب والسّودان. طيّارٌ حربيٌّ سابق برتبة رائد. وزير اقتصادٍ سابق، ومُقرّبٌ من نتانياهو ووزير استخباراته في حكومة أيّار 2020. مُتشدّدٌ إلى أقصى الحدود ضدّ إيران، وقد صرّح قبلَ أيّام أنّ “الاتفاق النّوويّ مع إيران صارَ في خبر كان”.
ليكوديّ في أقاصي اليمين
ليكوديّ مُتشدّد، ويكفي انتماؤه إلى الحزبِ الذي أسّسه مناحيم بيغن ويرأسه نتانياهو لمعرفة موقف وزير الخارجيّة الإسرائيليّ الجديد من مسألة ضمّ الضفّة الغربيّة، التي كانَت على رأس سُلّم أهداف مناحيم بيغن، سادس رئيس وزراء إسرائيليّ وأوّل رئيس حكومة يمينيّ، ومُلهِم بيغن وأستاذه القياديّ في الحركة الصّهيونيّة زئيف جابوتينسكي الذي ذهَب أبعدَ من تلميذه بمُعارضة خطّة تقسيم أرض فلسطين التي عرضتها لجنة بيل سنة 1937 وطالب بإقامة الدّولة العبريّة على أرض فلسطين وتمدّدها إلى الأردن وصحراء سوريا.
تبوّأ كوهين أوّل منصبٍ وزاريّ يجمع بين صهيونيّته وخبرته الاقتصاديّة حين اختاره نتانياهو وزيراً للاقتصاد في 2017
يحمِلُ كوهين مهمّة ليسَت بالسّهلة على الإطلاق. يتربّع على عرش الدّبلوماسيّة في حكومةٍ هي الأكثر “يمينيّة” في تاريخ الحكومات العبريّة، وقد يُعرّضها ذلك لتحدّياتٍ في علاقتها مع المُجتمع الدّوليّ بسبب الآراء التي يحملها وزراء مُتطرّفون ضدّ العرب والأقلّيّات الدّينيّة وحتى بوجه “العلمانية الصهيونية”. هو على مثل ومثال وزير الأمن الدّاخليّ إيتمار بن غفير وحليفه وزير الماليّة بتسلئيل سموتريش.
من هوَ كبير الدّبلوماسيّين الإسرائيليّين الجديد؟
ولِدَ كوهين ونشأ في مدينة “حولون” قُربَ تل أبيب في شهر تشرين الأوّل من عام 1972. أنهى دراسته، ثمّ التحق بصفوف الجيش الإسرائيليّ ضابطاً طيّاراً أثناء خدمته العسكريّة، ووصلَ إلى رتبة رائد.
درس بجامعة تل أبيب وتخرّج منها بشهادة بكالوريوس في المُحاسبة وماجستير في العلوم الماليّة. بعدئذٍ درس من أجل أن ينالَ شهادة بكالوريوس أخرى في إدارة الأعمال والاقتصاد من “جامعة إسرائيل المفتوحة”.
عمل في بداية مسيرته المهنيّة مُحاسباً وُمحاضراً لدى جامعة تل أبيب، قبل أن يعمَل سنة 2000 رئيساً للقسم الاقتصاديّ في شركة BDO Ziv Haft، التي تُعدّ من أكبر 5 شركات تعمل في المُحاسبة والتدقيق في الكيان العبريّ. تنقّل بين كبريات شركات إسرائيل، وتبوّأ في 2007 منصِبَ نائب رئيس “شركة تطوير أرض إسرائيل”.
تُعتبر الشّركة واحدة من أبرز الوسائل التي عَمِلَت من خلالها “الحركة الصّهيونيّة” لشراء أراضي فلسطين منذ سنة 1909، إذ استحوذت على أكثر من 50 ألف دونم من الأراضي حتّى إعلانها مؤسّسةً عامّة في 1959.
يرأس الشّركة يعقوب نمرودي، وهو يهوديّ من أصلٍ عراقيّ مولودٌ في إيران وقياديّ سابق في منظّمة “البالماخ” التي تُعدّ العمود الفقريّ للجيش الإسرائيليّ، وكانَ صلة الوصل بين إسرائيل وإيران أثناء حُكم الشّاه، وأحد المُتورّطين ببيع السّلاح لإيران بعد ثورة الخميني ضمن ما عُرِفَ بفضيحة “إيران – كونترا”. وهو والد عوفر نمرودي النّاشر السّابق لصحيفة معاريف.
جمَعَ كوهين بين صهيونيّته والاقتصاد، وهذا ما جذبه إلى صفوف حزب كولانو، حليف الليكود، الذي يرأسه وزير الماليّة السّابق موشيه كحلون. في عام 2015، خاضَ كوهين الانتخابات التشريعيّة على قوائم حزبه الذي يُركّز على القضايا الاقتصاديّة، وانتزَع مقعداً في الكنيست، ورأس لجنة الإصلاحات فيه، وكان عضواً في لجنتَيْ المال وميزانيّة الدّفاع.
تبوّأ كوهين أوّل منصبٍ وزاريّ يجمع بين صهيونيّته وخبرته الاقتصاديّة حين اختاره نتانياهو وزيراً للاقتصاد في 2017. حافظَ على مقعده النّيابيّ في انتخابات 2019 على الرّغم من تراجع حصّة “كولانو” من 10 نوّاب إلى 4 وحلوله في المرتبة الثّانية.
خلال تجربته الوزاريّة، تقرّبَ كوهين من نتانياهو، الذي استماله إلى كنفِ الليكود، وخاضَ دورتَيْ الانتخابات في أيلول 2019 وآذار 2020 على قوائم الحزب، وفازَ بالدّورتَيْن.
مع تسلّمه وزارة الخارجيّة، باتَ واضحاً أنّ نتانياهو يولي اهتماماً خاصّاً لملفّ التطبيع مع العرب لجهة توسيعه وحمايته
مُهندس التطبيع
بعدَ تكليف نتانياهو تشكيل الحكومة في 2020، اختار إيلي كوهين ليكون وزيراً للاستخبارات، وهذا منصبٌ ذو أهميّة كبيرةٍ في كيانٍ عِماده الجيش والأمن مثل إسرائيل.
أُسِّسَت الوزارة سنة 2009، وتُعنى بتطوير وإنتاج المعلومات الاستخباريّة التي تدعم عمل كلّ الوزارات، وتسعى إلى تحقيق التنسيق الكامل بين أجهزة الاستخبارات العبريّة، وتُصدِرُ توصيات للتخطيط الاستراتيجيّ على المديَيْن القريب والبعيد، وتُساهم في صنع القرار في ما يتعلّق بـ”التحدّيات والفرص المُستقبليّة”.
منحه منصبه مقعداً في مجلس الأمن المُصغّر، وصارَ ضمنَ الفريق المُقرِّر في القضايا الاستراتيجيّة، السّرّيّة منها والعلنيّة. من هذه القضايا الاستراتيجيّة كانَ ملفّ التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحريْن والمغرب والسّودان.
لَعِبَ كوهين دوراً كبيراً في ملفّ العلاقات الإسرائيليّة – العربيّة. كلّفه نتانياهو بزيارات سرّيّة للعواصم العربيّة ساهمت في توقيع “اتفاقيّات أبراهام”. وكانَ أوّل وزيرٍ إسرائيليّ يزور السّودان، يومَ ترأس وفداً رسميّاً إلى الخرطوم في كانون الثّاني 2021.
اليوم ومع تسلّمه وزارة الخارجيّة، باتَ واضحاً أنّ نتانياهو يولي اهتماماً خاصّاً لملفّ التطبيع مع العرب لجهة توسيعه وحمايته.
في ما يتعلّق بتوسيع الاتفاق، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيليّ قبل أيّامٍ في مُقابلته مع تلفزيون “العربيّة”: “أعتقد أنّه يمكن أن يكون لدينا مبادرة سلام جديدة من شأنها أن تشكّل قفزة نوعية في حلّ الصّراع العربيّ – الإسرائيلي، وفي نهاية المطاف، الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي…. بالطبع، أنا أشير إلى ما يمكن أن يكون سلاماً تاريخياً رائعاً حقّاً مع المملكة العربية السعودية”.
أمّا لجهة “حمايته” فيعتَمِد نتانياهو على كوهين الذي نسجَ خلال السّنتيْن الأخيرتيْن علاقة خاصّة مع بعض المسؤولين العرب لحماية اتفاقيّات التطبيع من أيّ هزّة مُحتملة قد تتعرّض لها في حال طوّرَت الحكومة الإسرائيلية خطوات ترتبطُ بضمّ الضّفّة الغربيّة وخصوصيّة المُقدّسات في مدينة القدس.
مُتشدّد ضدّ إيران
يُعتبر الملفّ الإيرانيّ إحدى أولويّات حكومة نتانياهو، وكان وزير الخارجيّة اتّخذ مواقف مُتشدّدة تجاه برنامجها النّوويّ، وحذّر الولايات المُتحدة في تصريحات سابقة من العودة إلى الاتفاق النّوويّ المُوقّع في 2015 والذي يعتبره “اتفاقاً سيّئاً سيدفع المنطقة نحو الحرب”.
أثناء عمله وزيراً للاستخبارات، صرّحَ أنّ الكيان العبريّ “غير مُلزم وغير مُقيّد بالجهود الدّبلوماسيّة التي تقودها الولايات المُتحدة تجاه إيران”.
إقرأ أيضاً: سيرة بن غفير: “شارون الجديد” وزيراً للأمن الإسرائيليّ
كانَ كوهين يردّد دائماً أنّ تل أبيب لن تسمَح لطهران بالحصول على السّلاح النّوويّ، ويعتبر أن لا حصانة لإيران في أيّ مكانٍ: “طائراتنا يُمكنها أن تَصِل إلى الأراضي الإيرانيّة”.
باتَ يُمكن تلخيص أولويّات نتانياهو التي سيحملها كوهين بالآتي: حماية الائتلاف الحكوميّ من الخارج، وحماية وتوسيع التطبيع مع العرب، والملفّ النّوويّ الإيرانيّ. كلّها مهامٌ غير عاديّة يحملها كوهين على عاتقه في توقيت استثنائيّ. فهل يستطيع ضمّ دول جديدة إلى قطار التطبيع؟ أم اندفاعة بن غفير إلى ضمّ الضّفّة ستكون أسرعَ منه؟ الإجابة في الضّفّة الغربيّة والقُدسِ وغور الأردن.
لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@