الحادثة الأولى: خلال مشاركة رئيس الجمهورية الأسبق ميشال سليمان في ندوة عن اتفاق الطائف في مقرّ جمعية متخرجي المقاصد ببيروت. وجّه أحد المشاركين سؤالاً إليه: “بعيداً عن اتفاق الطائف، نريد منك أن تخبرنا عندما كنت قائداً للجيش. ماذا حصل في 7 أيار 2008 عندما احتل حزب الله بيروت؟”.
في ليلة 7 أيار بدأت الاتصالات معي دولية وعربية وداخلية أكثر ما تتصوّرون، الكل قال لي: “أوعا تعمل شي، أوعا دخيلك بدنا نحلها، بعد منتصف الليل اتصل بي وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير فقال لي: أهنئك، فقلت له: على ماذا تهنئني؟ فقال لي: على ما حصل اليوم، فقلت له: أنا حزين لدرجة الموت وهذه ضربة ما بياكلها قائد الجيش والجيش إلا نادراً بس أنا أحضّر القوى لأني بدي هاجم، فقال لي: أنت بتعمل يلي بدك ياه، بس أنا عم أهنئك باسم القيادة الفرنسية، أنا مش عم قول انه معه حق بس عم قول انه بدأت الاتصالات من الدول العربية وجامعة الدول العربية ومن أفرقاء الداخل، دخيلك أوعا تعمل شي”.
الحادثة الثانية: بعد وقوع أحداث عبرا عام 2013 أوقف الجيش اللبناني ما يفوق الـ100 شاب من أبناء مدينة صيدا، منهم من هو مناصر للشيخ أحمد الأسير، ومنهم من كان يرتاد مسجد بلال بن رباح لأداء الصلاة. فيما مقابل كل هؤلاء تمّ توقيف عنصر واحد من حزب الله الذي اعترف خلال التحقيق معه أنه أطلق النار خلال الاشتباكات من خلال مشاركة الحزب إلى جانب الجيش اللبناني في العملية العسكرية. فتمّ الافراج عنه بعد أسبوع واحد على توقيفه.
ليس صحيحاً أنّ حزب الله يسيطر على الدولة اللبنانية ومؤسساتها. بل الصحيح أنّ الدولة ضعيفة، وحزب الله يستغل هذا الضعف بالاستقواء على الدولة والشعب الذي يعترض عليه
الحادثة الثالثة: استفز مسلحون بكامل عتادهم العسكري تابعون لحزب الله أبناء العشائر العربية في خلدة خلال تشييع علي شبلي الذي قُتِل في جريمة ثأرية بعد قتله الطفل حسن غصن قبل فترة. أوقفت الأجهزة الامنية قاتل شبلي، وهو شقيق الضحية الأولى. عملية الاستفزاز من قبل عناصر الحزب أدت الى اشتباك مسلح، فقُتِل 4 عناصر للحزب، وهم يحملون سلاحهم طبعاً غير المرخص، فتدخل الجيش اللبناني فأوقف ما يقارب الـ100 شخص من أبناء العشائر. بعد التحقيقات رست عملية التوقيف على ما يفوق الـ30 شخصاً وهم الآن أمام المحكمة العسكرية بانتظار أحكامهم، فيما لم يتم توقيف أيّ عنصر من المجموعة المسلحة التي أتت الى خلدة وتتبع لحزب الله.
الاستقواء على الجيش والشعب
ثلاثة حوادث تختصر العلاقة ما بين الجيش اللبناني والسُنّة في لبنان في كل المراحل والمحطات، بعيداً عن اسم قائد الجيش في كل محطة. مصير كل مواجهة بين أيّ طرف سُنّي من جهة وحزب الله من جهة أخرى، أن تصبح مواجهة بين الطرف السُنّي المعني والجيش اللبناني. هذا ما حصل في عبرا. فبعد أن كانت المواجهة بين الشيخ أحمد الأسير وحزب الله، تحوّلت إلى مواجهة بين الشيخ الأسير والجيش اللبناني، وانتهى الأمر إلى ما انتهى إليه من توقيف الشيخ الأسير والعشرات من أنصاره.
الأمر نفسه استنسخ في خلدة، فتحوّلت المواجهة بين العشائر العربية وحزب الله إلى مواجهة بين العشائر والجيش تتجدد قبيل كل جلسة في المحكمة العسكرية، مع انصراف مخابرات الجيش للبحث عن مطلوبين بين أبناء العشائر فيما عدد الموقوفين من الجهة الأخرى صفر.
أزمة سُنّة لبنان مع الجيش وقيادته بعيداً عن اسم القائد، هي أزمة ثقة في الوقت الذي يشكّل السُنّة خزاناً بشرياً للجيش هو أداة قمع وقهر بوجههم
الحزب لا يستقوي على الدولة
ليس صحيحاً أنّ حزب الله يسيطر على الدولة اللبنانية ومؤسساتها. بل الصحيح أنّ الدولة ضعيفة، وحزب الله يستغل هذا الضعف بالاستقواء على الدولة والشعب الذي يعترض عليه.
يتمسك الحزب بالمعادلة الثلاثية: “جيش شعب مقاومة”، فيتعامل الجيش مع سلاحه وميليشياته بالسياسة فيما يتعامل مع باقي اللبنانيين بالقانون. ذهاب مسلح من الحزب إلى سوريا والعراق أو اليمن، هو عمل سياسي لا مساءلة حوله بالقانون؛ تعبر القوافل والسيارات الرباعية المدججة بالسلاح حواجز الجيش دون أي اعتراض أو حق بالاعتراض. فيما مغادرة أي لبناني آخر أعزل السلاح للقتال في سوريا أو غير سوريا أو حتى مناصرة، أي طرف خارجي في تلك الدول عبر وسائل التواصل الاجتماعي تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون. لا بل توضع تحت عنوان الإرهاب وتشكيل العصابات المسلّحة.
استقواء الحزب لا يقتصر على الشعب، بل يشمل القوى العسكرية والأمنية الرسمية. فالخلاف حول تسمية جهاز المعلومات في قوى الأمن الداخلي بالشعبة أو الفرع ما زال مستمراً حتى هذه اللحظة. فيما ميليشيا الحزب فوق كل التسميات ما إن كانت جيشاً أو جهازاً أو شعبة أو حتى ميليشيا.
يستطيع الحزب استيراد كل أنواع الاسلحة من حلفائه عبر الحدود جواَ وبحراً وبراً بكل أنواعها بقرار واحد من قيادته. فيما الجيش يخضع للمراقبة في استيراده للأسلحة وحتى نقلها، من قبل الحزب لجهة المصدر والنوعية. ميليشيا الحزب قادرة على التحرّك على كامل الأراضي اللبنانية فيما الجيش اللبناني ملزم بالتنسيق مع الحزب للدخول إلى كثير من المناطق اللبنانية التي يسيطر عليها الحزب جنوباً وبقاعاً، وأيضاً في بيروت وضاحيتها الجنوبية. لا يمكن توقيف أي شخص قريب من الحزب في المصيطبة، وزقاق البلاط، والخندق الغميق، وبربور إن لم يستأذن الحزب في ذلك، ومن ينكر ذلك نحن أبناء بيروت شهود أحياء بوجهه.
أزمة ثقة
أزمة سُنّة لبنان مع الجيش وقيادته بعيداً عن اسم القائد، هي أزمة ثقة في الوقت الذي يشكّل السُنّة خزاناً بشرياً للجيش هو أداة قمع وقهر بوجههم. وقف قائد الجيش العماد ميشال سليمان في حينه في 7 أيار 2008، وبعد انتهاء غزوات حزب الله معتذراً من الناس أنه لم يكن مسموحاً له أن يحميهم. وهو اعتذار بحجم الجريمة فالجيش وقيادته، أقسموا على حماية الوطن والشعب، وليس على الاعتذار منه.
من حق سُنّة لبنان أن يطلبوا من الجيش أن يكون جيش الوطن كل الوطن، وجيش الشعب كل الشعب، وليس أن يُطالبوا بالولاء للجيش كأداة مخصّصة لقمعهم أو لحماية حزب الله من غضبهم، وحقهم في الدفاع عن النفس.
إقرأ أيضاً: النصاب السياسيّ والنصاب الوطنيّ.. أين أهل السُنّة؟!
أخطأ أحمد الأسير، لكن هناك جهة بمواجهته أخطات أيضاً، واخطأ أبناء العشائر العربية في مكان ما، ولكن هناك من أخطأ بحقهم في أكثر من مكان.
العين الواحدة هي عين ناقصة فالسلامة تعني النظر بعينين، ورؤية كل شيء دون أي مانع أو عائق في هذه الرؤية.
طالب أمين عام حزب الله حسن نصر الله في إطلالته الأخيرة أن يُنتخب رئيس للجمهورية، لا يطعن المقاومة ولا يغدر بها، وسُنّة لبنان اليوم يطالبون برئيس للجمهورية لا يطعنهم ولا يغدر بهم. هو الحق بالمساواة في الحياة في دولة واحدة.