أميركا وأوروبا والعرب و”إسرائيل”… ضدّ بن غفير

مدة القراءة 6 د

كانت الدقائق القليلة من زيارة وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير الاستفزازية للحرم القدسيّ في المسجد الأقصى قبل أيام، كافية لدعوة مجلس الأمن الدولي في نيويورك إلى عقد جلسة طارئة لمناقشة انتهاك إسرائيل الوضع الراهن في القدس، وخروجه بإجماع “عالمي” على رفض الزيارة والتحذير من خطورتها.

كانت “غارة” بن غفير السريعة الخاطفة والمموّهة على المسجد الأقصى كافية كي يوضح المجتمع الدولي نفاد صبره من رئيس الوزراء الجديد بنيامين نتانياهو ونزوات حكومته الفاشيّة الجديدة. وحملت بيانات الإدانة رسالة واضحة ذات صيغة واحدة: الإدارة الأميركية، الدول الأوروبية، السعودية، الأردن، الإمارات العربية المتحدة، ومصر..، كلّها أعربت في صوت واحد عن “قلقها من استفزازات بن غفير التي تقوّض جهود السلام وتنتهك قواعد احترام الأديان”. وأُضيفت إليها أصوات إسرائيلية مندّدة لا تقتصر على قادة الرأي، بل خرجت من قادة سابقين في الجيش أيضاً.

هذا ودفعت زيارة بن غفير سفير الولايات المتحدة في إسرائيل توم نيدس إلى إصدار بيان إدانة غير مسبوق: “السفير نيدس كان واضحاً جدّاً في أحاديثه مع الحكومة الإسرائيلية في ما يتعلّق بالمحافظة على الوضع القائم في الأماكن المقدّسة في القدس، ورفض الأعمال التي تمنع ذلك”.

يرى مراقبون أنّ غارة بن غفير ليست مفاجأة حقيقية. فهو لم يكفّ عن قطع الوعود بزيارة الأقصى، وتثبيت حقّ اليهود فيه

كان الداعي إلى عقد الجلسة هو دولة الإمارات العربية، بصفتها ممثّلة الجامعة العربية في مجلس الأمن، بطلب فلسطيني – أردني مشترك. وقد أجمع أعضاء المجلس، ومن بينهم ممثّل الولايات المتحدة، على إدانة إقدام وزير الأمن القومي الإسرائيلي على اقتحام المسجد الأقصى، واعتبروا خطوته استفزازية ومرفوضة وخرقاً للقانون الدولي والوضع القانوني والتاريخي القائم في مدينة القدس ومقدّساتها.

حساسيّة الأقصى القصوى

جاءت زيارة بن غفير لباحات الحرم مختلفة هذه المرّة عن المرّات السابقة: تجوّل في باحات الحرم متفاخراً بمنصب وزير الأمن القومي، والتقط الصور هناك بصفته تلك، وهو ما يعني أنّ إسرائيل هي التي تجوّلت في الباحة. وليست هذه الزيارة أقلّ من وصفة للانفجار واستفزاز مشاعر الفلسطينيين والمسلمين. ويمكن الادّعاء أنّ ذلك كان “انتصاراً” تكتيكياً لبن غفير.

من ناحيتها، اعتبرت صحيفة “هآرتس” العبرية أنّ “الهدوء الميداني، الذي تلا اقتحام من يُسمّى وزير الأمن القومي الإسرائيلي للمسجد الأقصى، لا يضمن عدم تطوّر الوضع في الأيام المقبلة، خاصة بعد قيام احتجاجات في الضفة وغزّة والقدس وداخل الخط الأخضر، وفي عمّان والقاهرة والرياض وأبو ظبي”.

وفقاً للصحيفة، “ليس قانون القدس والأقصى، حسب كثرة من الدول العربية والإسلامية والعالمية، مثل قانون غزّة وجنين. إذ لم يستقطب عدد ضحايا العام الماضي في الضفة الغربية الأخبار الدولية بالدرجة نفسها التي سمعناها في اليومين الأخيرين بعد خطوة بن غفير. وهذا يعني أن لا أحد يمكنه تجاوز رمزية الأقصى والقدس”.

إلى ذلك اعتبر عموس جلعاد، رئيس الدائرة الأمنية والعسكرية في وزارة الجيش الإسرائيلي سابقاً، أنّ “الردود الحادّة من الدول العربية والولايات المتحدة على جولة بن غفير في الحرم القدسي، تكفي لتكون تحذيراً استراتيجياً لإسرائيل. فالحرم قنبلة نووية، وليس من مبالغة هنا. فالمساجد مسألة حسّاسة جداً في العالمين العربي والإسلامي. ويمكن أن يؤدّي تغيير الوضع القائم في الحرم إلى سلسلة ردود حادّة جدّاً تصل إلى حدّ المسّ بالأمن القومي الإسرائيلي”.

“حماس” سنردّ.. في الضفّة

يرى مراقبون أنّ غارة بن غفير ليست مفاجأة حقيقية. فهو لم يكفّ عن قطع الوعود بزيارة الأقصى، وتثبيت حقّ اليهود فيه. لكنّ المفاجأة الكبرى سجّلتها حركة حماس التي دخلت نادي “سنردّ في الوقت والمكان المناسبين”، متجاهلة الحدث الجلل، على الرغم من نثرها التهديدات في كلّ اتجاه وتحذيرها من زيارة بن غفير للأقصى وتجاوزه للخطوط الحمر. فقد أقفلت حماس جبهة غزة، واكتفت بمطالبة أهالي الضفة بتصعيد القتال ضدّ إسرائيل.

في كلّ يوم يعمل 17 ألف عامل من القطاع في إسرائيل وبتصاريح إسرائيلية. ربّما يريح هذا الوضع القائم “حماس” التي تواصل إشعال الضفة تحت أرجل إسرائيل والسلطة الفلسطينية، متجنّبة أيّ مواجهة عسكرية جديدة مع الجيش الإسرائيلي في غزّة منذ الحرب الخاطفة ضدّ “حركة الجهاد الإسلامي” التي أبعدت “حماس” نفسها عنها العام الماضي.

ينذر استنفار المجتمع الدولي، وعلى رأسه أميركا وبعض الأصوات الإسرائيلية، بأنّ هناك حساسيّة “دولية” كبيرة من أن ترفع زيادة استفزاز الرأي العام العربي والفلسطيني حرارة المواجهة بين الطرفين، وتؤدّي إلى انتفاضة جديدة

مقدّسات مشتركة

من جهته، رأى الكاتب والمحلّل الفلسطيني عبد المجيد سويلم أنّ هذا الاقتحام هو الاختبار الأول ضمن سلسلة اقتحامات يهودية للمسجد الأقصى مقبلة تباعاً تهدف إلى “ترويض” الجهات الرسمية والحزبية والفصائلية الفلسطينية، والمحيطين الإقليمي والدولي رويداً رويداً، وبكلّ رويّة، إلى أن يتحوّل المسجد الأقصى مكاناً “مقدّساً مشتركاً للطرفين”، مع استعداد إسرائيلي لإظهار الكثير من “التسامح” إزاء خصوصية القداسة الإسلامية العامّة والدور العربي والأردني، لكن من دون أيّ ذكر للدور الفلسطيني الخاص.

ربّما هي بداية رسمية لمرحلة جديدة، عنوانها محاولة حكومة الائتلاف الفاشي الجديد في إسرائيل “حسم” مسألة المقدّسات في القدس القديمة، إسلامية ومسيحية، وتحويلها “فضاء مشتركاً” بالشروط الإسرائيلية.

من المعلوم أنّ ما يُسمّى “حركات جبل الحرم القدسي” اليهودية كانت قد وضعت سلسلة مطالب على طاولة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير:

– فتح الحرم لزيارات اليهود في أيّام السبت.

– زيادة ساعات زيارة اليهود للحرم في المساء.

– فتح كلّ بوّابات الحرم أمام اليهود.

ينحصر حالياً دخول اليهود إلى الحرم عبر باب المغاربة. وحُدّدت زياراتهم للمكان بخمسة أيام في الأسبوع (من الأحد حتى الخميس) لثلاث إلى أربع ساعات في الصباح وساعة إضافية في الظهيرة.

طرح شطر من الحركات اليهودية، وبينها “في أيدينا” التي يرأسها توم نيساني، مطالب في وثيقة مفصّلة:

– فتح الحرم لليهود في الأيام كلّها ومن ضمنها الأعياد اليهودية.

– إنشاء هيئة إدارية حكومية إسرائيلية لشؤون الحرم القدسي.

– الدفع قدماً نحو إدراج الحرم وتاريخه في برامج التعليم في إسرائيل.

إقرأ أيضاً: إسرائيل “الإيرانية”: دولة شريعة.. وحاخام يدير الجيش؟

ينذر استنفار المجتمع الدولي، وعلى رأسه أميركا وبعض الأصوات الإسرائيلية، بأنّ هناك حساسيّة “دولية” كبيرة من أن ترفع زيادة استفزاز الرأي العام العربي والفلسطيني حرارة المواجهة بين الطرفين، وتؤدّي إلى انتفاضة جديدة.

*كاتبة فلسطينية

مواضيع ذات صلة

“دوخة” نيابيّة: جلسة من دون فرنجيّة وجعجع!

“الوضع بدوّخ. المعطيات مُتضاربة ومُتغيّرة كالبورصة. ولا توافق سياسيّاً بالحدّ الأدنى حتى الآن على أيّ اسم لرئاسة الجمهورية”. هي حصيلة مختصرة للمداولات الرئاسية في الأيّام…

جعجع في عين التّينة لإنضاج الرّئاسة؟!

عاثرٌ جدّاً حظّ سليمان فرنجية. مرةً، واثنتيْن وثلاث مرّات، بلغت الرئاسة حلقه، لتُسحب في اللحظات الأخيرة، فيقف على أعتاب القصر عاجزاً عن دخوله، ويعود أدراجه…

يومٌ في دمشق: فرحٌ ممزوج بالقلق

مرّت 14 سنة بالتّمام والكمال عن المرّة الأخيرة التي زُرتُ فيها العاصمة السّوريّة دِمشق، في كانون الأوّل من عام 2010، أي قبل 4 أشهر من…

برّي والرّئاسة: Now or Never

ما كادت تمرّ أيّام قليلة على الإطاحة بالنظام السوري، حتى ظهرت أوّل تداعيات “الانقلاب الكبير” على الرقعة اللبنانية، في شقّها الرئاسي: انقلبت أدوار القوى السياسية،…