يصل في التاسع من الشهر الجاري وفد قضائي أوروبي للاطّلاع على سير عمل القضاء اللبناني من بوّابة ملفّات قضائية لبنانية. وبحسب معلومات “أساس” فإنّ هذا الوفد لن يحقّق في ملفّات مصرف لبنان والمصارف وحسب، ولن يوسّع أسئلته إلى ملفّ تفجير مرفأ بيروت فقط، بل سيوسّع مهماته إلى “دراسة الوضع القضائي اللبناني بشكل عام” و”البحث في أزمات القضاء”. وهو ما يحيلنا إلى المطالبات خلال ثورة 17 تشرين بضرورة تنفيذ “إنزال” غربي في القضاء كي يكون بوّابة لمحاسبة السياسيين والفاسدين، وذلك تحت عنوان أن لا “تغيير حقيقيّاً” من دون قضاء غير مرهون للطبقة السياسية، وغير خاضع لسيطرة قوى الأمر الواقع.
قد لا تكون هذه المرّة الأولى التي تُثار قضايا لبنانية في العواصم الأوروبية. لكنّ الجديد هو توجيه كتابين من الوفد:
– الأول يطلب الاطّلاع على الملفّات القضائية المالية المتعلّقة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، من ضمن شخصيات لبنانية تشمل رؤساء مجالس إدارة مصارف ومديرين عامّين.
– الثاني يتعلّق بالتحقيق في تفجير المرفأ، والمتوقّف منذ أكثر من عام على خلفيّة طلبات الردّ المقدّمة بحقّ قاضي التحقيق طارق البيطار.
مصدر قضائي لـ”أساس”: مكتب عويدات في العدليّة سيكون المكان الذي تنفَّذ فيه طلبات الوفد الأوروبي
السلطات السياسية والقضائية اللبنانية مرتبكة في كيفية التعامل مع الوفد:
– تعتبر بعض هذه القوى مهمّة الوفد خرقاً للسيادة اللبنانية من بوّابة القضاء، وهو ما أوحى بمعارضتها التجاوب مع مهمّته.
– تبدو قوى أخرى، ولا سيّما في الجسم القضائي، “ملزمة” بالتجاوب مع طلبات الوفد الأوروبي، خوفاً من فرض عقوبات سبق أن لُوِّح بها في محطات قضائية سابقة.
تعاون رسميّ لبنانيّ
تكمن المفارقة في مواقف القوى المعنيّة بمهمّة الوفد القضائي الأوروبي المؤلّف من قضاة ألمان وفرنسيين بشكل أساسي في أنّها، على الرغم من تناقضاتها، موافقة ومرحِّبة بهذه المهمّة. إذ يُنقل عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة رغم توتره اتجاهه إلى الترحيب بهذه المبادرة وترحيبه بمهمة بالوفد الأوروبي، ولو أراد الاطّلاع على كلّ الملفّات المرتبطة به. ويُنقل عن خصوم سلامة أنّ ترحيبه ناجم عن الضغوط التي مارستها العواصم الأوروبية في ما يتعلّق بالملفّ المالي.
وجاء في المعلومات أنّه سبق للوفد الأوروبي أن طلب في كتابه إلى النيابة العامّة التمييزية الاطّلاع على الملفّات القضائية الماليّة التي تعني رياض سلامة وشخصيات أخرى مصرفية ومالية وإدارية.
وزير العدل هنري خوري، المعنيّ الأوّل بالرفض أو الموافقة، سيعقد مطلع الأسبوع المقبل مؤتمراً صحافياً للكلام عن هذا الموضوع. وينقل عن خوري توجهه إلى التعاون مع الوفد القضائي الأوروبي بما يتناسب مع القانون اللبناني حفاظاً على السيادة اللبنانية. وكذلك فعل مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات المتوتر أيضاً من كيفية التعامل في هذا الملف والمرتبك والذي سيتجه إلى التعامل مع الجهات القضائية على أن يكون صلة الوصل بينهما حرصاً على القانون اللبناني. تقنيّاً يحقّ لعويدات القبول أو الرفض. لدى قبوله، كحاله اليوم، يكون عويدات “صلة الوصل القانونية” بين طلبات الوفد الأوروبي والجسم القضائي اللبناني. والطلبات، ولو تضمّنت “التوسّع بالتحقيق”، تمرّ بمكتب عويدات وصولاً إلى القضاة المعنيّين.
يقول مصدر قضائي لـ”أساس” إنّ مكتب عويدات في العدليّة سيكون المكان الذي تنفَّذ فيه طلبات الوفد الأوروبي.
الوفد القضائي لن يُسقط من مهمّته التحقيق في تفجير المرفأ، بل ينطلق من حقّ الموقوفين في هذا الملفّ بمحاكمات عادلة
الوفد والمعاهدات الدوليّة
يذكّر مصدر قضائي بأنّ لبنان وقّع على معاهدات دولية لمكافحة تبييض الأموال، وملتزم دولياً بحماية الموقوفين وتوفير محاكم عادلة لهم. لذا لن تقتصر مهمّة الوفد الأوروبي على عنوان واحد فقط، بل هي متشعّبة إلى:
– دراسة الوضع القضائي اللبناني بشكل عام.
– البحث في أزماته، وخصوصاً في ملفّات الدعاوى على المصارف وتحويل الأموال إلى الخارج بعد الأزمة على نحو انتقائي، إضافة إلى ملفّات مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة وعدد من الشخصيات المصرفية الأخرى ومجالس إدارات مصرفية.
اللافت أنّ الوفد القضائي لن يُسقط من مهمّته التحقيق في تفجير المرفأ، بل ينطلق من حقّ الموقوفين في هذا الملفّ بمحاكمات عادلة. فأزمة التحقيق ما تزال في الذاكرة غير البعيدة، على الرغم من الكلام عن طيّ التحقيق في تفجير المرفأ إلى غير عودة.
تشير بعض المصادر إلى أنّ رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود تلقّى تحذيراً شديد اللهجة من الجهة الألمانية بسبب امتناعه عن تعيين قاضٍ رديف، وطُلب منه الإسراع في بتّ ملفّ الموقوفين. وكان اقتراح تعيين القاضي الرديف قد سقط بسبب الخلاف بين عبود ووزير العدل بعدما كانا اتفقا على الطرح في وقت سابق، وعاد ملفّ التحقيق وملفّ الموقوفين إلى موته السريري.
أسئلة وأزمة مقبلة
يصل الوفد الأوروبي هذه المرّة ليحرّك الجمود في الملف انطلاقاً من عدّة نقاط:
– أوّلاً، لأنّ بعض ضحايا التفجير من جنسيّات أوروبية، وفرنسية تحديداً.
– ثانياً، الموقوف زياد العوف يحمل جنسية أميركية إلى جانب جنسيّته اللبنانية، وعائلته أميركية. ولذلك يحظى باهتمام السفارة الأميركية، كما يقول محامٍ يتولّى الدفاع عن أحد الموقوفين.
تشير بعض المصادر إلى أنّ رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود تلقّى تحذيراً شديد اللهجة من الجهة الألمانية بسبب امتناعه عن تعيين قاضٍ رديف، وطُلب منه الإسراع في بتّ ملفّ الموقوفين
يُنقل عن أوساط القاضي طارق البيطار قوله أنّه ولو أراد التعاون مع هذه المهمة إلا أنه لا يستطيع لأنه متوقف عن العمل بسبب طلبات الرد، على الرغم من أنّ هذا الطلب الأوروبي قد يعتبر ثغرة يمكن الولوج من خلالها والعودة إلى التحقيق بعد توقّفه القسري عن العمل. وهناك أيضاً إمكانية دفعه الوفد إلى التوسّع في الطلبات. ومن جهة أخرى يعتبر أهالي الموقوفين ووكلاؤهم وأهالي الضحايا ووكلاؤهم أنّ عودة الملف إلى الواجهة ضرورة للسير مجدّداً في الملفّات العالقة.
بناء على ما تقدّم، تحتاج بعض التساؤلات إلى وقت لجلاء ملابساتها. وهنا لا بدّ من بعض الأسئلة:
– ما هو الهدف الحقيقي لهذه المهمّة؟
– هل تصل إلى نتيجة عمليّة أم يقتصر عملها على إحداث ارتدادات قضائية قد تغيِّر في التوجّه العام تحت وقع التهديد بفرض العقوبات على الجسم القضائي؟
– هل يطلب الوفد التوسّع بالتحقيق في جرائم مالية؟ وفي خيوط تفجير المرفأ؟ أم دُفنت الخيوط بعدما امتنع لبنان عن المطالبة بالتحقيق مع البرتغالي جورجي موريرا الذي أوقفته السلطات الإسبانية باعتباره مطلوباً من الإنتربول على خلفيّة مسؤوليّته عن إدخال النيترات إلى لبنان؟
– هل تلي عملَ الوفد إجراءاتٌ عمليّة تمتدّ من لبنان إلى أوروبا التي نُقلت إليها أصول مالية وتوجد فيها عقارات باسم عدد من الشخصيات اللبنانية التي تخضع للتحقيق؟
إقرأ أيضاً: باسيل-جنبلاط: شمس الـLBC.. و”ليالي الأنس” مع الخنسا
هناك أسئلة كثيرة تشير حتماً إلى أنّ المشهد مقبل على أزمة ليست قضائية فقط، بل وسياسية أيضاً، وسط ارتباك جدّي تعيشه القوى مع عودة تحريك ملفّات قديمة اعتقدت أنّها دفنتها إلى غير عودة.
لمتابعة الكاتب على تويتر: josephinedeeb@