باسيل يربح على عمّه في لعبة التذاكي

مدة القراءة 6 د

في النهاية، أخذ “حزب الله”، ومن خلفه إيران، كلّ ما يريده من ميشال عون وجبران باسيل بعدما نفّذ الحزب الإيراني كلّ المطلوب منه تجاه ما يُسمّى “التيّار العوني” بموجب وثيقة مار مخايل الموقّعة بين حسن نصرالله وميشال عون في السادس من شباط من عام 2006.

كان مطلوباً أن يحمي سلاح الحزب الفساد، بما في ذلك وضع جبران باسيل يده على وزارة الطاقة، وأن يصل ميشال عون إلى موقع رئيس الجمهوريّة. حصل ذلك. وفى الحزب بكلّ التزاماته وإن على حساب لبنان ومؤسّسات الدولة واللبنانيين والعلاقات العربيّة للبلد. استطاع الحزب، على أرض الواقع، بلوغ معظم أهدافه، بما في ذلك ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل بعدما وفّر ميشال عون وصهره الغطاء المسيحي لسلاح ميليشيوي ومذهبي غير شرعي ورث السلاح الفلسطيني. صار هذا السلاح وحاملوه واجهة لبنان، عربياً ودولياً.

في لعبة التذاكي، تفوّق جبران باسيل بالفعل على عمّه الذي راهن في الأعوام 1988 و1989 و1990 على صدّام حسين ليهزم حافظ الأسد الذي رفض إيصاله إلى موقع رئيس الجمهوريّة

تلك خلاصة مرحلة عمرها أقلّ بقليل من سبعة عشر عاماً، أي منذ شباط 2006، سادت فيها معادلة “السلاح يحمي الفساد يحمي السلاح”.

طوال تلك المرحلة، لم يكن هناك أيّ توازن بين طرفَيْ المعادلة في ضوء رغبة ميشال عون وصهره في الوصول إلى موقع رئيس الجمهوريّة بأيّ ثمن كان.

دفع لبنان بكلّ أبنائه وطوائفه ومناطقه الثمن. دفع الثمن المسيحيون خصوصاً بعدما توّج وصول ميشال عون وصهره إلى قصر بعبدا سلسلة من الأخطاء ارتكبها معظم زعمائهم منذ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في عام 1969. لا يعني ذلك، بطبيعة الحال، أنّ الزعماء المسيحيين، باستثناء ريمون إدّه، يتحمّلون وحدهم مسؤولية اتفاق القاهرة. ثمّة مسؤولية يتحمّلها عدد لا بأس به من الزعماء المسلمين الذين كانوا يجهلون الأبعاد المترتّبة على السماح بأن يكون جزء من الأراضي اللبنانية منطلقاً لعمليات تستهدف إسرائيل. كان ذلك يتمّ بواسطة منظمات فلسطينية تعمل في معظمها لمصلحة قوى خارجيّة تنظر إلى لبنان بصفة كونه “ساحة” لا أكثر، على غرار ما كان يفعل النظام السوري في الماضي القريب وما تفعله “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران حالياً .

حوار باسيل مع “أساس”

يختزل جبران باسيل في تصريحاته الأخيرة إلى “أساس”، وطريقته في الحديث عن الأمير محمد بن سلمان وليّ العهد السعودي، كلّ الأخطاء التي ارتكبها المسيحيون والمسلمون منذ توقيع اتفاق القاهرة وصولاً إلى توفير غطاء رئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة لإيران في عملية ترسيم الحدود البحريّة اللبنانية – الإسرائيلية. يندرج هذا الترسيم في سياق حسابات إيرانيّة مرتبطة بالعلاقة بين طهران وواشنطن والتجاذبات بينهما. ما لبثت طبيعة هذه العلاقة أن تبدّلت في ضوء الحرب الأوكرانيّة وتورّط “الجمهوريّة الإسلاميّة” المباشر فيها إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

لماذا يختزل جبران باسيل كلّ الأخطاء التي ارتكبها السياسيون في لبنان؟

الجواب في كلمة واحدة هي كلمة “التذاكي”. هل يظنّ جبران باسيل في أيّ لحظة أنّ هناك عربيّاً واحداً، من المحيط إلى الخليج، يمكن أن ينسى أنّه كان صوت إيران في مجلس جامعة الدول العربيّة عندما كان وزيراً للخارجيّة ولم يكن سوى بوق لها، تماماً كما كان عمّه بوقاً لـ”حزب الله” في حرب صيف عام 2006 مع إسرائيل، وهي حرب انتهت بانتصار الحزب على لبنان واللبنانيين استكمالاً لجريمة تفجير رفيق الحريري؟

يختزل باسيل في تصريحاته الأخيرة إلى “أساس”، وتملّقه بالطريقة التي تملّق بها إلى الأمير محمد بن سلمان كلّ الأخطاء التي ارتكبها المسيحيون والمسلمون منذ توقيع اتفاق القاهرة وصولاً إلى توفير غطاء رئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة لإيران في عملية ترسيم الحدود البحريّة اللبنانية – الإسرائيلية

في تاريخ لبنان الحديث، ذهب زعماء مسيحيون إلى توقيع اتفاق القاهرة وانتقلوا بعد ذلك إلى طلب السلاح من جهات غربيّة من أجل مواجهة الانتشار المسلّح الفلسطيني. عندما اشتدّ الضغط عليهم لجأوا إلى حافظ الأسد الذي كانت أجهزته تُغرق كلّ الميليشيات اللبنانيّة والمنظّمات الفلسطينية بالسلاح، وذلك لتبرير طلب أميركا، بموافقة إسرائيليّة، تدخّله العسكري لاحقاً من أجل ضبط الوجود الفلسطيني المسلّح في الأراضي اللبنانيّة.

فشلت لعبة التذاكي التي مارسها زعماء مسيحيون مع النظام السوري. يعود ذلك إلى جهلهم بطبيعة النظام الذي قام في دمشق بعد “الحركة التصحيحيّة” في 16 تشرين الثاني 1970 و”انتخاب” الأسد الأب، بشكل كاريكاتوري، كأوّل رئيس علوي للجمهورية العربيّة السوريّة في شباط 1971.

بين كمال جنبلاط وباسيل

لم يكن من مجال لممارسة لعبة التذاكي مع حافظ الأسد بعد اندلاع الحرب اللبنانيّة في عام 1975. هذا ما اكتشفه متأخّراً الزعيم الدرزي كمال جنبلاط، الذي تفصل هوّة شاسعة بين الثقافة الواسعة التي كان يتمتّع بها وثقافة جبران باسيل التي هي في غاية السطحية. ذهب كمال جنبلاط في آذار 1977 ضحيّة جهله بالموازين الإقليميّة والدولية وبالنظام السوري نفسه والشخصية الطاغية لحافظ الأسد، وبأنّ وسام لينين لا يحميه!

قبل الذهاب إلى توقيع وثيقة مار مخايل، كان مفترضاً بجبران باسيل، الذي كان همّه محصوراً بإيصال ميشال عون إلى قصر بعبدا، السعي إلى معرفة من هي تلك الجهة التي توصّل معها إلى اتفاق، بعد أقلّ من سنة على اغتيال رفيق الحريري. هل بدأ يعي في أيّامنا هذه معنى الذهاب حتى النهاية في لعب دور الأداة للواء في “الحرس الثوري” الإيراني عناصره لبنانيّة؟

إقرأ أيضاً: باسيل لـ”أساس” (2): معجب بما يقوم به محمّد بن سلمان

كثيرون من السياسيين اللبنانيين، قبل جبران باسيل، مارسوا لعبة التذاكي. بعضهم مارسها مع السوري وبعضهم الآخر مع الإسرائيلي. لكن يصعب إيجاد شخصية مثل جبران باسيل لدى ممارسة هذه اللعبة، خصوصاً في ضوء غياب الحدّ الأدنى من الفهم لمعنى اغتيال رفيق الحريري بأداة إيرانية وغطاء من النظام السوري في 14 شباط 2005.

في لعبة التذاكي، تفوّق جبران باسيل بالفعل على عمّه الذي راهن في الأعوام 1988 و1989 و1990 على صدّام حسين ليهزم حافظ الأسد الذي رفض إيصاله إلى موقع رئيس الجمهوريّة. لم يدرك في أيّ لحظة مع من يتحالف وما هو إطار هذا التحالف الذي يتجاوز حدود لبنان وصولاً إلى تهديد أمن الخليج بسلاح الغرائز المذهبيّة والمخدّرات… والمسيّرات والصواريخ الباليستية!

مواضيع ذات صلة

أسئلة إيرانيّة وجوديّة بعد الضّربة الإسرائيليّة وانتخاب ترامب

خمسة أسئلة حاسمة، فرضتها الضربة الإسرائيلية الأخيرة على إيران، لم تكن مطروحة بهذه الحدّة من قبل. وهي ليست أسئلة تتعلّق بالتكتيكات والمناورات بقدر تعلّقها بجوهر…

إيران خسرت “قاعدتها المتقدّمة”… وباتت “في المواجهة”

مهما قيل ويُقال عن الحزب باعتباره القوّة التي لا تُقهر والتنظيم الذي لا يُخترق أمنيّاً على الرغم ممّا أصابه من أهوال وصلت إلى درجة محو…

أنقرة – موسكو: الشّدّ والجذب السّوريّ؟

صدر عن القيادات السياسية التركية والروسية في الآونة الأخيرة تصريحات متناقضة حول ملفّات ثنائية وإقليمية مشتركة تعني الطرفين، الشقّ السوري فيها كانت له الأولويّة دائماً…

ترامب عن إيران ولبنان: كلام ممنوع من النّشر

قبل 72 ساعة من فتح صناديق الاقتراع في أميركا، مرّ ترامب مرور الكرام في ذلك المطعم في ديربورن، في الضاحية الجنوبية لمدينة ديترويت. وقف موزّعاً…