ثمّة ما يستأهل التوقّف عنده في البيان الذي صدر عن اللقاءات التي أجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في الرياض مع وزراء الخارجية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة. ما يستأهل التوقّف عنده هو الجزء المخصّص لسوريا في البيان الذي تضمّن نقاطاً عدّة مهمّة. لعلّ أهمّ هذه النقاط التركيز على القرار الرقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أواخر عام 2015. يعني ذلك إصراراً أميركياً على ما تضمّنه القرار في ما يخصّ الحلّ السياسي في سوريا على أساس “فترة انتقاليّة” تستمرّ 18 شهراً تتوَّج بانتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة. هاتان “الفترة الانتقاليّة” والانتخابات الشفّافة بإشراف دولي هما بمنزلة هاجس لدى النظام السوري. الأكيد أنّه لا يريد أيضاً سماع شيء من الوارد في البيان الأميركي – الخليجي. يعتمد النظام المقولة المشهورة التي صدرت في الماضي عن وزير الخارجية الراحل وليد المعلّم الذي قال ردّاً على القرار 2254 وغيره من محاولات التوصّل إلى حلّ سياسي: “سنغرقهم في التفاصيل”.
سياسة التفاوض من أجل التفاوض
تعتمد سياسة النظام السوري على التفاوض من أجل التفاوض بغية كسب الوقت ليس إلّا من دون تقديم أيّ تنازل ذي شأن في ما يخصّ التوصّل إلى حلّ سياسي في بلد يعاني من أزمة وجوديّة. يظلّ أفضل تعبير عن هذه الأزمة وجود سوريا في الوقت الحاضر تحت خمسة احتلالات من جهة والارتباط العضوي بين النظام و”الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران. لا وجود لقرار سوري مستقلّ ولا وجود لأجوبة سوريّة عن أيّ أسئلة يمكن طرحها على بشار الأسد، وأوّلها الموقف من عودة اللاجئين السوريين إلى مدنهم وقراهم وأرضهم.
يرفض النظام السوري سماع أيّ كلمة وردت في البيان الخليجي – الأميركي الذي جاء فيه الآتي: “أكّد الجانبان (الخليجي والأميركي) مجدّداً التزامهما التوصّل إلى حلّ سياسي للأزمة السورية بما يحفظ وحدة سوريا وسيادتها، ويلبّي تطلّعات شعبها، ويتوافق مع القانون الإنساني الدولي، وبما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الرقم 2254 الصادر في عام 2015”.
في هذا الصدّد، رحّب الوزراء بالجهود العربية لحلّ الأزمة بشكل خطوة في مقابل خطوة بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254، على النحو المتّفق عليه خلال اجتماع عمّان التشاوري لفريق الاتصال الوزاري العربي المعنيّ بسوريا في 1 أيّار 2023.
لم يتغيّر شيء في سنة 2023. لا تزال هناك أزمة ثقة بين دول الخليج العربي والإدارة الأميركيّة
وأكّدوا دعمهم للقوات الأميركية وقوات التحالف التي تعمل على تحقيق الهزيمة بداعش في سوريا، ودانوا جميع الأعمال التي تهدّد سلامة هذه القوّات وأمنها.
وشدّد الجانبان على ضرورة تهيئة الظروف لعودة آمنة وكريمة وطوعية للّاجئين والنازحين داخلياً بما يتّفق مع معايير المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وأهمية تقديم الدعم اللازم للّاجئين السوريين والدول التي تستضيفهم. وأكّد الجانبان مجدّداً دعوتهما لوقف إطلاق النار، ورحّبا بدعوة الأمين العامّ للأمم المتحدة لتجديد تفويض مجلس الأمن لمدّة 12 شهراً لتشغيل الآليّة العابرة للحدود، وأعربا عن دعمهما لإدراج جميع المعابر الحدودية المفتوحة حالياً (باب الهوى وباب السلام والراي) في قرار لمجلس الأمن سيصدر في تموز المقبل. وناقش الجانبان موضوع المحتجزين تعسّفياً والمفقودين، على النحو الوارد في بيان عمّان وقرار مجلس الأمن 2254، بالتنسيق مع كلّ الأطراف المعنيّة.
من الواضح أنّ البيان يكشف أنّ عودة النظام السوري إلى شغل موقع “الجمهوريّة العربيّة السوريّة” في جامعة الدول العربيّة لا تقدّم ولا تؤخّر، خصوصاً أنّ القرار السوري في طهران. لكنّ البيان يطرح سؤالين مهمّين. يتعلّق الأوّل بموقف الإدارة الأميركيّة من النظام الإيراني والآخر بالسلوك الأميركي تجاه النظام السوري نفسه.
إدارة بايدن الحائرة
على الرغم من النفي الأميركي لاحتمال صفقة جديدة مع “الجمهوريّة الإسلاميّة” في شأن برنامجها النووي، ليس في تصرّفات الإدارة الأميركيّة ما يطمئن الدول العربيّة في الخليج. يتبيّن كلّ يوم أنّ إدارة جو بايدن لا تزال إدارة حائرة لا يمكن الاعتماد عليها، وذلك منذ اليوم الذي رفعت فيه الحوثيين من لائحة الإرهاب. فعلت ذلك بُعيد دخول جو بايدن البيت الأبيض في خطوة تستهدف استرضاء إيران لا أكثر.
بالنسبة إلى النظام السوري، لا يمكن تجاهل أنّ في أساس استمرار الأزمة المواقف التي اتّخذتها إدارة باراك أوباما التي تجاهلت استخدام بشّار الأسد السلاح الكيمياويّ في حربه على شعبه. كان ذلك صيف عام 2013 بعدما اعتبر أوباما استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائيّ بمنزلة “خطّ أحمر”. ما حدث بعد لجوء بشّار الأسد إلى السلاح الكيمياويّ أنّ أوباما أزال اللون الأحمر من قاموسه. أكثر من ذلك قبِل بالمخرج الذي قدّمه له فلاديمير بوتين، وهو مخرج أنقذ النظام السوري من ورطته.
إقرأ أيضاً: أيّ أميركا نصدّق… في سوريا؟
لم يتغيّر شيء في سنة 2023. لا تزال هناك أزمة ثقة بين دول الخليج العربي والإدارة الأميركيّة. لولا أزمة الثقة هذه، لما كانت عودة النظام السوري بالطريقة التي عاد بها إلى جامعة الدول العربيّة. لما كان أيضاً دخول الصين على خطّ المصالحة السعوديّة – الإيرانية التي ليس معروفاً بعد هل لديها أفق يتجاوز العلاقات بين الرياض وطهران في ظلّ الإصرار الإيراني على الفصل بين العلاقات مع المملكة من جهة، والملفّات الحامية من جهة أخرى. لا تزال “الجمهوريّة الإسلاميّة” مصرّة على تأكيد أنّ دورها في اليمن وسوريا والعراق ولبنان هو دور القوّة المهيمنة التي تمارسها عبر ميليشياتها المذهبيّة في هذه الدول. تتحكّم هذه الميليشيات بالحياة السياسيّة في العراق وتحمي بشّار الأسد في سوريا وتسيطر على لبنان… وتكرّس وجود قسم من اليمن تحت السيطرة الإيرانيّة.
بعد زيارة بلينكن للسعوديّة، لا تزال الكرة في الملعب الأميركي. الكلام الوارد في البيان المشترك عن سوريا يظلّ كلاماً في غياب الفعل الأميركي الذي يؤكّد أنّ عنوان اللعبة في سوريا هو القرار 2254 الذي يرفض النظام، إلى إشعار آخر، كلّ كلمة واردة فيه.