بيت المال الكويتي: رجل واحد يستدين 65 مليار دولار

2023-07-19

بيت المال الكويتي: رجل واحد يستدين 65 مليار دولار


تعيش الحكومة الكويتية مرحلة “هدوء حذر” مع مجلس الأمّة (البرلمان)، وكأنّها حقبة استكشافية للمآلات المحتملة للعلاقة بين السلطتين، ولإمكان أن تستقيم بالفعل بعد سنوات طويلة من الصراعات الحادّة.

في برنامج عملها الذي سلّمته إلى مجلس الأمّة مطلع الأسبوع الحالي، أدرجت الحكومة عشرات المشاريع الطموحة، التي تهدف إلى معالجة اختلالات الاقتصاد ووضع الماليّة العامّة للدولة وتأمين رفاهية المواطنين وتحسين الأداء الحكومي. لكنّ البعض مراقبين وصفوا قسماً من هذه المشاريع بأنّه “أحلام وردية” غير قابلة للتحقّق، خلال السنوات الأربع، وهي عمر الحكومة المُفترض.

ربّما تكون أهمّ المشاريع تلك المرتبطة بالمحور الماليّ لتضمّنها إقرار برامج لـ”تطوير الإدارة المالية للدولة” و”التحكّم في المصروفات” و”زيادة وتنويع إيرادات الدولة” و”إدارة السيولة والتمويل”.

من أكثر الخطوات الحكومية إثارة للجدل التوجّه لإقرار “قانون الدين العام” الذي يسمح للحكومة بالاقتراض عبر اللجوء إلى سندات دولية. طُرح هذا المشروع، الذي يتيح الاقتراض حتى 30 مليار دينار (حوالي 65 مليار دولار) على مدى 20 عاماً، أوّلاً في 2020 عندما تراجع سعر برميل النفط بالتزامن مع الظروف المرافقة لجائحة “كورونا”، لكن سرعان ما جُوبه برفض نيابي حادّ، ثمّ خفتت الحاجة إليه مع انتهاء الجائحة وارتفاع أسعار النفط.

تعيش الحكومة الكويتية مرحلة “هدوء حذر” مع مجلس الأمّة (البرلمان)، وكأنّها حقبة استكشافية للمآلات المحتملة للعلاقة بين السلطتين، ولإمكان أن تستقيم بالفعل بعد سنوات طويلة من الصراعات الحادّة

تعكس العودة إلى طرحه الآن إدراكاً من الحكومة أنّ الوضع المالي ليس بخير كلّياً ولا ضمان لاستمرار الاستقرار القائم حالياً، في ظلّ العجز عن تنويع مصادر الدخل (الكويت تعتمد على النفط بأكثر من 90% من موازنتها).

السلطة.. في يد رجل واحد

وإذ تُدرك السلطة التنفيذية أنّ مهمّتها ليست سهلة في إقناع أعضاء السلطة التشريعية بإقرار هذا القانون، فإنّ هذه المهمة تترافق وتتوازى مع تركّز الإدارة المالية للدولة، للمرّة الأولى، بيد رجل واحد هو الدكتور سعد البراك، الذي يشغل المناصب التالية:

– نائب رئيس الوزراء.

– وزير النفط.

– وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار.

– وزير المالية بالوكالة.

– وهو المسؤول أيضاً عن تطوير المنطقة الاقتصادية الشمالية.

وبالتالي فإنّ “جناحَيْ” الكويت، النفط والاستثمار، وقاعدتهما الأساسية: المال، باتت كلّها تحت إدارته.

لقد حصل البراك على مناصبه مع تشكيل الحكومة، باستثناء منصب وزير المالية، الذي بات يشغله بالوكالة منذ الأسبوع الماضي، بعد استقالة وزير المالية السابق مناف الهاجري، وهو أحد “الأدمغة” الكويتية على المستويين الاقتصادي والمالي، بإجماع المراقبين. والسبب هو خلاف بينهما لم يصمد طويلاً وراء الجدران قبل أن يخرج إلى العلن.

في الآونة الأخيرة، تردّدت معلومات عن توجّه لإجراء تعديل حكومي في بعض الحقائب، على الرغم من أنّ الحكومة لم يمرّ شهر على تشكيلها، في ظلّ الحاجة الملحّة إلى بعض الترتيبات

إنّها إشكالية سياسية – قانونية – اقتصادية يمكن تبسيطها كالآتي:

* الهيئة العامّة للاستثمار التي تدير الصندوق السيادي الكويتي (أصوله بلغت 803 مليارات دولار بحسب آخر تحديث صادر عن المعهد الدولي للصناديق السيادية العالمية قبل أيام) أصبحت منذ عام 2021 تتبع وزارة الدولة للشؤون الاقتصادية، وهو ما يعني أنّها تحت إدارة البراك.

* قانون هيئة الاستثمار الصادر في 1982 ينصّ على أنّ رئيس مجلس إدارتها هو وزير المالية (أي مناف الهاجري قبل استقالته)، في حين أنّ المرسوم الذي صدر في 2021 نقل تبعيّتها إلى وزارة الشؤون الاقتصادية، وبالتالي فإنّ الوزير الذي يحمل هذه الحقيبة يكون رئيس مجلس الإدارة.

الإشكالية هنا أنّ المرسوم ينصّ على أنّ البراك هو رئيس مجلس الإدارة فيما يعطي القانون هذا المنصب للهاجري، علماً أنّه لا يمكن أن يكون المرسوم أقوى من القانون في حال تضاربهما.

* تنص المادّة 3 من القانون الصادر في 1982 على أنّ مجلس الإدارة يكون برئاسة وزير المالية وعضوية وزير النفط ووكيل وزارة المالية ومحافظ البنك المركزي وأعضاء آخرين. بالتالي فإنّ وزير النفط الحالي (البراك، بالوكالة) هو الرئيس وهو العضو في آن، فهل يُمكن أن يُصوّت مرّتين في الاجتماعات، التي غالباً ما يكون للصوت الواحد فيها أهميّة كبرى؟

* مع إلحاق هيئة الاستثمار بالبراك، أصبحت عملياً وزارة المالية بلا خزينة أو دور جوهري، باستثناء تسيير الأمور المالية للدولة وبين وزاراتها وهيئاتها، في حين أنّ مسألة إدارة الاستثمارات هي في صلب مهامّها الطبيعية، وهو ما دفع مناف الهاجري إلى الاستقالة، بعد 24 يوماً من تعيينه في منصبه.

* الإشكالية الكبرى، برأي المراقبين، تكمن في مرسوم التحاسب الصادر في الثمانينيات، الذي ينظّم العلاقة بين وزير النفط، بصفته المسؤول عن مؤسّسة البترول، وبين وزير المالية، الذي يراقب مصاريف وزارة النفط وكيفية استخدام الأموال وتكلفة الإنتاج.

غالباً ما تقع خلافات بين الوزارتين، ويكون الحلّ باجتماعات متلاحقة للوزيرين لتضييق الفجوة، والوصول إلى اتفاق يُفضي في نهاية المطاف إلى تحويل وزير النفط صافي أموال بيع النفط إلى وزارة المالية بعد حسم المصاريف.

اليوم وزيرا المالية والنفط هما رجل واحد، (وإن كانت المالية بالوكالة لأنّ الأمر قد يطول)، وهذا أمر نادر الحدوث ويطرح معضلة كبيرة ويثير تساؤلات عن “آليّة الرقابة” وعن مدى صحّة قرار جعل كلّ أموال الدولة واحتياطاتها ونفطها وصندوق أجيالها في يد شخص واحد، مهما كانت إمكانيّاته ومؤهّلاته، وعلى من أنّ البراك اشتُهر كرئيس تنفيذي لمجموعة “زين” للاتصالات في الكويت والسعودية.

متى التعديل الحكومي؟

في الآونة الأخيرة، تردّدت معلومات عن توجّه لإجراء تعديل حكومي في بعض الحقائب، على الرغم من أنّ الحكومة لم يمرّ شهر على تشكيلها، في ظلّ الحاجة الملحّة إلى بعض الترتيبات.

إقرأ أيضاً: كرامة السعودية من كرامة الكويت

فالوزير الذي يحمل حقيبتَيْ العدل والإسكان هو أصلاً خبير اقتصادي، ووزير الكهرباء جاء من الحقل الأكاديمي وليس من صلب الوزارة، فضلاً عن أنّ وزير الإعلام يحمل حقيبة الأوقاف التي درجت العادة على أن تُجمع مع وزارة العدل، ووزير التجارة يحمل حقيبة وزارة الدولة لشؤون الشباب التي يحملها عادة وزير الإعلام.

لكن لا يُتوقّع أن يشمل التعديل مواقع جوهرية أو حيويّة، سواء كان محدوداً أو موسّعاً. وإن كان مُرجّحاً تعيين وزير للمالية بالأصالة، لاستحالة إبقاء وزارتَي النفط والمالية بإدارة وزير واحد، فإنّ ذلك لا يُغيّر حقيقة أنّ الاستثمارات النفطية والمالية ستكون للمرّة الأولى تحت مظلّة وزير واحد، وهو أمر غير مسبوق في التاريخ الحديث للكويت.

مواضيع ذات صلة

“الطّوفان” في لبنان.. من الإسناد إلى الحربِ الشّاملة

قبل سنةٍ بالتّمام والكمال استيقظَ العالم بأسره على مشاهِد من غزّة لم يكُن من السّهل تصديقها. مُقاتلون من حركة حماس يعبرون السّياج الأمنيّ الفاصل بين…

بين نيويورك والضّاحية: الجحيم يتكلّم!

شكّل موقف نائب “كتلة الوفاء للمقاومة” حسين الحاج حسن أخيراً على قناة “الجزيرة” الموقف العلني الأوّل والأكثر وضوحاً وتمايزاً عن موقف الحزب العامّ الذي عَكَسه…

فرنسا تسابق الوقت: هل تنجح حيث فشل الأميركي؟

من المتوقع أن تشمل جولة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في الشرق الأوسط بيروت في زيارة هي الثانية له بطلب من الرئيس إيمانويل ماكرون…

هوكستين غائب عن السّمع ومجلس الأمن معطّل والكلمة للميدان

البلد متروك لقدره. بهذه المعادلة البسيطة، القاسية بتداعياتها، يمكن اختصار حال الاتّصالات الدولية مع المسؤولين اللبنانيين حيال العدوان الإسرائيلي المتمادي. لا اتّصالات دولية جدّية قادرة…