السعوديّة تجمع 30 دولة: قمة سلام أوكرانيّة – روسيّة

مدة القراءة 7 د


لم يسبق لدولة أن جمعت كلّ هذا العدد من البلدان من أجل وقف الحرب الروسية الأوكرانية. لكنّ المملكة العربية السعودية باتت تتصرّف كدولة كبرى في السياستين الخارجية والداخلية. ولهذا تستضيف اليوم وغداً (5 و6 آب الجاري) محادثات سلام دعت إليها 30 دولة، من بينها دول “مجموعة العشرين”*، واستثنت منها روسيا، وستشهد مناقشة ثلاث مبادرات سلام (أوكرانية، صينية، وإفريقية)، وستكون الأولوية لوحدة الدول. وتأكّد حضور مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان، وكبير مستشاري الرئيس رجب طيب إردوغان، عاكف شاتاي كيليتش، مع احتمالية حضورالصين *.

لم تعلن روسيا موقفاً معادياً من الاجتماع. بل قال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إنّ موسكو “ستتابع المحادثات في السعودية لفهم الأهداف التي ستبلورها”. واعتبر أنّ أيّ محاولات تساعد على التسوية “جديرة بتقويمها إيجابيّاً”، وتساءل: “هل يمكن الآن التوصّل إلى تسوية سلمية بمشاركة نظام كييف وموقفه الحالي؟ لا، هذا مستحيل. لا تتوافر الظروف لذلك”.

إنّ الهدف الأساسي من هذا اللقاء هو “قمّة سلام عالمية” يوقّع خلالها المجتمعون على “مبادىء عامّة لوقف الحرب” كمدخل لأيّ مفاوضات سلام جدّية، وستُعقد اجتماعات في جدّة على مستوى مستشاري الأمن القومي تُستكمل فيها نقاشات قمّة أوكرانيا التي كانت عُقدت في كوبنهاغن وطرحت فكرة فولوديمير زيلينسكي في حزيران 2023.

لم يسبق لدولة أن جمعت كلّ هذا العدد من البلدان من أجل وقف الحرب الروسية الأوكرانية. لكنّ المملكة العربية السعودية باتت تتصرّف كدولة كبرى في السياستين الخارجية والداخلية. ولهذا تستضيف اليوم وغداً محادثات سلام دعت إليها 30 دولة

لكن لماذا السعوديّة؟

كشفت “وول ستريت جورنال” أوّل مرّة عن الاجتماع. ونقلت عن دبلوماسيين غربيين أنّ الغرض من اختيار جدّة إقناع الصين بالمشاركة. وتحافظ السعودية على علاقات وثيقة مع كلّ من موسكو وبكين التي ساعدتها في التفاوض مع إيران وتحسين علاقاتها معها بعد أشهر من استضافة السعودية للرئيس الصيني شي جينبينغ في قمّة عربية – صينية تاريخية.

اعتبرت وكالة “بلومبرغ” أنّ السعودية تسعى إلى تعزيز جهود أوكرانيا وحلفائها لكسب دعم “الجنوب العالمي”، بالتوازي مع تعزيز موقعها كقوّة دبلوماسية على المسرح العالمي بفضل احتفاظها بهوامش مناورة دبلوماسية واسعة مع الطرفين. اعتمدت المملكة على التوازن في العلاقات، فهي صوّتت مع القرارات المندّدة بالحرب الروسية، وحافظت على العلاقة الوثيقة والشراكة الأساسية مع كلّ من روسيا في “أوبك بلاس” والحلف الاستراتيجي الأميركي. وكان وزير خارجية السعودية قد زار كييف وتعهّد بتقديم دعم إنساني على شكل مساعدات بقيمة 400 مليون دولار. واستضافت المملكة زيلينسكي في أيار الماضي كضيف شرف في القمّة العربية بجدّة، حيث ألقى خطاباً دعا فيه دول الشرق الأوسط إلى الوقوف إلى جانب بلاده ضدّ روسيا.

بحسب الصحافة الأميركية، تراهن السعودية على النجاح هذه المرّة بناءً على تجربة سابقة نجح فيها الأمير محمد بن سلمان في التوسّط في عملية تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا. ووصفت “نيويورك تايمز” الاجتماع بأنّه “مثال آخر” على جهود وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان لصناعة صورته كقائد عالمي له تأثير يتجاوز منطقته، ولترسيخ دورٍ للمملكة كوسيط سلام في المنطقة، حيث أفرجت روسيا في أيلول الماضي عن 10 أسرى من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسويد وكرواتيا والمغرب.

اعتبرت صحيفة “كوميرسانت” اليومية التي تتّخذ من موسكو مقرّاً لها أنّه لم يتمّ اختيار المملكة العربية السعودية بالصدفة، “فهي تتمتّع بعلاقات وثيقة نسبياً مع كلّ من موسكو وكييف، وشدّدت مراراً وتكراراً على موقفها المحايد في ما يتعلّق بالصراع”. وتفاءلت الصحيفة الروسية بإمكانية “توصّل عدد كبير من الدول إلى اتفاق على كيفية إنهاء الصراع وتمهيد الطريق لمفاوضات مستقبلية محتملة بين روسيا وأوكرانيا”. لكنّها تساءلت: كيف يمكن للمرء أن يناقش بجدّية تسوية سلمية من دون مشاركة روسيا؟

خطّة السلام الأوكرانيّة

تتمحور خطة أوكرانيا لوقف إطلاق النار، التي أعلنها زيلينسكي في قمّة قادة مجموعة العشرين في بالي بإندونيسيا العام الماضي، حول النقاط التالية:

1- ضمان “السلامة النووية” لأوكرانيا.

2- ضمان الأمن الغذائي لشعب أوكرانيا وشعوب العالم، بما في ذلك حماية وضمان صادرات الحبوب الأوكرانية.

3- مساعدة أوكرانيا في استعادة بنيتها التحتية للطاقة.

4- الإفراج عن جميع الأسرى والمبعدين الأوكرانيين، بمن فيهم أسرى الحرب والأطفال المبعدون إلى روسيا.

5- إعادة تأكيد روسيا على وحدة أراضي أوكرانيا وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.

تنطلق كلّ مبادرة من مبدأ احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، وهو ما ترفضه روسيا التي ترى ضرورة أن تنطلق أيّ مبادرة للسلام من الواقع الجديد الذي تمّ تكريسه بخصوص سيادة الأراضي

6- انسحاب القوات الروسية ووقف الأعمال العدائية واستعادة حدود الدولة الأوكرانية مع روسيا.

7- تحقيق العدالة للمتضرّرين من الحرب، بما في ذلك إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة جرائم الحرب الروسية.

8- حماية البيئة، مع التركيز على إزالة الألغام واستعادة مرافق معالجة المياه.

9- منع تصعيد الصراع وبناء هيكل أمني في الإطار الأوروبي الأطلسي يشمل ضمانات لأوكرانيا.

10- توقيع وثيقة من الأطراف المعنيّة يؤكّد نهاية الحرب.

رفضت روسيا هذه الصيغة، وصرّحت على لسان وزير خارجيّتها سيرغي لافروف بعدم استعداد كييف لمحادثات سلام حقيقية. وأكّد لافروف عدم موافقة بلاده على التحدّث مع أيّ طرف بصيغة زيلينسكي، “وأيّ حديث عن انسحاب روسيّ من الأراضي الأوكرانية هو وهم فقط”.

 

المبادرة الإفريقيّة: وافق بوتين.. ولكن

تتحدّث المعلومات عن احتمال أن يطرح المجتمعون في جدّة، إلى جانب الخطّة الأوكرانية، بنود خطتين إفريقيّة وصينية لاقتا بعض القبول من الجانب الروسي. حيث تضمّ الخطة الإفريقية 10 بنود رئيسية:

1- تحقيق السلام عبر المفاوضات من خلال الطرق الدبلوماسية.

2- بدء مفاوضات السلام في أسرع وقت ممكن.

3- وقف تصعيد النزاع من كلا الجانبين.

4- ضمان سيادة الدول والشعوب وفق ميثاق الأمم المتحدة.

5- توفير ضمانات أمنيّة لجميع البلدان.

6- ضمان حركة تصدير الحبوب والأسمدة من الدولتين.

7- توفير الدعم الإنساني لمن وقعوا ضحايا الحرب.

8- تسوية موضوع تبادل أسرى الحرب ودعوة إلى السماح لجميع الأطفال العالقين في هذا الصراع بالعودة من حيث أتوا.

9- إعادة الإعمار بعد الحرب ومساعدة ضحايا الحرب.

10- توفير تفاعل أوثق مع الدول الإفريقية.

 

المبادرة الصينيّة: استقرار سلاسل التوريد

قدّمت الصين في شباط 2023 مقترحاً للسلام من 12 بنداً تركّزت موادّه على الآتي:

– احترام سيادة كلّ الدول ووقف الأعمال العدائية.

– إيجاد حلّ للأزمة الإنسانية واستئناف محادثات السلام.

– حماية المدنيين وأسرى الحرب.

– الحفاظ على أمان وسلامة محطات الطاقة النووية.

– الحدّ من المخاطر الاستراتيجية للحرب.

– تسهيل تصدير الحبوب والحفاظ على استقرار سلاسل التوريد الصناعية.

– وقف العقوبات الأحاديّة الجانب وتشجيع إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب.

إقرأ أيضاً: محمد السادس «مخزن» الوضوح السياسي

تنطلق كلّ مبادرة من مبدأ احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، وهو ما ترفضه روسيا التي ترى ضرورة أن تنطلق أيّ مبادرة للسلام من الواقع الجديد الذي تمّ تكريسه بخصوص سيادة الأراضي.

*بحسب التقارير سيحضر قمّة جدّة ممثّلو 30 دولة إلى جانب مندوبي أوكرانيا. فقد وُجّهت الدعوة للحضور إلى أعضاء مجموعة العشرين، إضافة إلى حضور مندوبين من حلف الناتو ومفوضية الاتحاد الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي، ومستشارين للأمن القومي أبرزهم الأميركي جايك سوليفان، وعاكف شاتاي كيليتش، ومن المحتمل أن تشارك الصين.

*عن نيويورك تايمز، وول ستريت جورنال، وورلد كرانش، الفايننشال تايمز، الغارديان، بلومبرغ، نوفوستي وكوميرسانت الروسيّتين.

مواضيع ذات صلة

فريدريك هوف: خطوات ترسم مستقبل سوريا

حّدد الدبلوماسي والمبعوث الأميركي السابق إلى سوريا السفير فريدريك هوف عدّة خطوات تستطيع تركيا، بمساعدة واشنطن، إقناع رئيس هيئة تحرير الشام، أبي محمد الجولاني، باتّخاذها…

الرواية الإسرائيلية لتوقيت تفجير “البيجرز”

هل كان يمكن لتفجير “البيجرز” لو حدث عام 2023 انهاء الحرب في وقت أبكر؟ سؤال طرحته صحيفة “جيروزاليم بوست” التي كشفت أنّه كان يمكن لتفجير البيجرو…

فريدمان لفريق ترامب: ما حدث في سوريا لن يبقى في سوريا

تشكّل سوريا، في رأي الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان، نموذجاً مصغّراً لمنطقة الشرق الأوسط بأكمله، وحجر الزاوية فيها. وبالتالي ستكون لانهيارها تأثيرات في كلّ…

ألكسندر دوغين: إسقاط الأسد فخّ نصبه بايدن لترامب

يزعم ألكسندر دوغين الباحث السياسي وعالم الفلسفة الروسي، الموصوف بأنّه “عقل بوتين”، أنّ سوريا كانت الحلقة الأضعف في خطّة أوسع نطاقاً لتقويض روسيا، وأنّ “سقوط…