في اليمن والعراق… ميليشيات إيرانيّة صارت أنظمة

مدة القراءة 6 د


دخل المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة مرحلة جديدة. مرحلة الانتقال من بناء ميليشيات إلى بناء أنظمة حاكمة تعتمد، أساساً، على هذه الميليشيات وتتفاوض مع محيطها وتسعى إلى التأثير فيه. بل تتدخّل هذه الميليشيات خارج حدود الدولة المقيمة فيها لتنفيذ سياسة إيرانيّة في بلد آخر.
هذا ما كشفته الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد حوثيّ سُمّي “وفد صنعاء” إلى الرياض. باستثناء تمديد الهدنة المعلنة في 22 نيسان 2022، من دون تمديدها، يصعب الكلام عن تحقيق نتائج إيجابيّة في ضوء المحادثات التي أجراها الحوثيون في العاصمة السعوديّة، خصوصاً مع تمسّك هذا الوفد برفض أن تكون المملكة “وسيطاً” بين اليمنيّين.
جاء “وفد صنعاء” إلى الرياض بصفة كونه يمثّل كياناً مستقلّاً يريد التفاوض مع الجانب السعودي بهذه الصفة. استناداً إلى المعلومات التي تسرّبت عن المواقف التي اتخذها الحوثيون برئاسة محمّد عبد السلام في الرياض، لم يأتِ “وفد صنعاء” ليعبّر عن رغبة في رعاية المملكة للّقاءات بين اليمنيّين. جاء لفرض أمر واقع في حين أنّ هدف اللقاءات اليمنيّة – اليمنيّة، المأمول بها، التوصّل إلى حلّ سياسي يتوَّج بإيجاد صيغة جديدة لليمن. جاء “وفد صنعاء” إلى الرياض للبحث في مستقبل العلاقة بين السعوديّة والمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون وطبيعة هذه العلاقات مستقبلاً.
يفسّر ذلك رفض الحوثيين مساهمة السعودية في دفع رواتب الموظفين الحكوميين المقيمين في مناطق تحت سيطرة “جماعة أنصار الله” عن طريق “مكرمة” من الديوان الملكي. أصرّ “وفد صنعاء” على أن تذهب الأموال التي تستهدف التخفيف من معاناة الموظفين الحكوميين اليمنيين إلى البنك المركزي الذي تسيطر عليه “الشرعيّة” اليمنيّة. يريد الحوثيون تكريس شرعيّتهم والحصول على اعتراف بها. معنى ذلك أنّ على السعودية والأطراف المعنيّة بالأزمة اليمنية الاعتراف بأنّهم “شرعيّة” أخرى.

تكشف المباراة التي أُلغيت بين فريقين سعودي وإيراني في أصفهان حقيقة السياسة الإيرانية التي انتقلت إلى مرحلة جديدة تقوم على التحدّي

عبّر الحوثيون مع مغادرة وفدهم الرياض عن حقيقة ما يكنّونه للسعودية. فعلوا ذلك عن طريق هجوم نفّذته مسيَّرة تابعة لهم استهدفت موقعاً عسكرياً للقوات البحرينية في جنوب المملكة. قتل في الهجوم الذي استهدف “التحالف العربي” أربعة عسكريين. تبدو الرسالة واضحة كلّ الوضوح. فحوى الرسالة أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” تمتلك نظرة خاصة بها لأيّ علاقة مستقبلية بين الحوثيين والرياض. مثل هذه العلاقة هي بين النظام الجديد القائم في صنعاء منذ الـ21 من أيلول 2014 من جهة والسعودية من جهة أخرى. بكلام أوضح، هذه العلاقة ليست مع الحوثيين بصفة كونهم مكوّناً، لا يمكن تجاهله فحسب، بل هي أيضاً تعبير عن توازن جديد في شبه الجزيرة العربيّة حيث باتت “الجمهوريّة الإسلاميّة” الطرف الراعي للنظام القائم في صنعاء. رمى الحوثيون جانباً كونهم من المكوّنات اليمنية التي يُفترض أن تتحاور فيما بينها. بات الكيان الذي يتحكّمون به الركيزة الأساسية لما سيكون عليه اليمن مستقبلاً والكيانات التي سيتشكلّ منها.

تكشف المباراة التي أُلغيت بين فريقين سعودي وإيراني في أصفهان حقيقة السياسة الإيرانية التي انتقلت إلى مرحلة جديدة تقوم على التحدّي. أُلغيت المباراة بسبب وجود مجسّم لقاسم سليماني في الملعب الذي كان سيستضيف المباراة. ليس سليماني سوى قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الذي اغتيل بُعيد مغادرته مطار بغداد في الأيام الأخيرة من عهد دونالد ترامب. إنّه يرمز بين ما يرمز إليه، إلى سيطرة ميليشيات مذهبية تابعة لـ”الحرس الثوري” على دول معيّنة، بينها العراق وسوريا ولبنان واليمن.
هل في الإمكان التعايش مع طموحات “الجمهوريّة الإسلاميّة” التي يتبيّن كلّ يوم أنّها أبعد ما تكون عن روح الاتفاق الذي وقّعته مع السعوديّة برعاية صينيّة في العاشر من آذار الماضي؟
يطرح هذا السؤال نفسه في ضوء الممارسات الحوثية في اليمن، وهي ممارسات إيرانيّة أوّلاً وأخيراً، وفي ضوء الممارسات العراقيّة تجاه الكويت. هذه ممارسات إيرانيّة أيضاً وأيضا. يؤكّد ذلك أنّ القصة الحقيقية للأزمة المتجدّدة بين العراق والكويت بدأت من إعلان السعودية والكويت الاتفاق على بدء استخراج الغاز من حقل الدرّة الذي اعتبراه منطقة سعودية كويتية خالصة. احتجّت إيران وقالت إنّ لها حقوقاً في الحقل. ردّت الكويت بأنّ الترسيم الدولي لا يثبت أنّ لها حقوقاً. في ظلّ ذلك، زار وزير خارجية الكويت سالم العبدالله العراق بترتيب من نظيره فؤاد حسين الذي قال له إنّ الأجواء إيجابية في ما يتعلّق باستكمال ترسيم الحدود. حصلت فعلاً لقاءات أعلن في نهايتها وزير الخارجيّة الكويتي أنّ اتفاقاً تمّ على استكمال ترسيم الحدود في أمّ قصر.

دخل المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة مرحلة جديدة. مرحلة الانتقال من بناء ميليشيات إلى بناء أنظمة حاكمة تعتمد، أساساً، على هذه الميليشيات وتتفاوض مع محيطها وتسعى إلى التأثير فيه

في موازاة ذلك، بدأت بعض جماعات إيران في العراق تثير قضيّة أمّ قصر. ضغط بعض النواب فلم تحصل محادثات 14 آب، وفوجئ الجانب الكويتي بإعلان المحكمة الاتحادية العراقية إبطال اتفاق ترسيم الحدود في خور عبد الله، وهو اتفاق وافق عليه البرلمان العراقي قبل سنوات وصار وثيقة دولية. فوجئ الكويتيون أكثر بحيثيّات قرار المحكمة التي تحدّثت عن حقوق تاريخية للعراق في الكويت. طلب فؤاد حسين من الجانب الكويتي عدم تصعيد الأمور كي يرى ما يمكن فعله، سواء بطعن الحكومة بقرار المحكمة الاتحادية أو سواه، لكنّ شيئاً لم يحصل. خرج بيان خليجي مشترك يعترض على الخطوة العراقية. ردّت الحكومة العراقيّة بإلغاء البروتوكول الأمنيّ البحري مع الكويت في خطوة تصعيدية أخرى، وأرسلت رسائل عتاب لعدم حلّ الكويت الأمور بالقنوات الثنائية. لم يعد سرّاً أنّ إيران هي من وجّهت العراقيين لأنّ إيران أيضاً مستاءة من موضوع حقل الدرّة…
تستخدم “الجمهوريّة الإسلاميّة” الأنظمة التي تشكّلت بواسطة ميليشياتها استخداماً يصبّ في خدمة مشروعها. ليس ما يشير إلى أنّ الكلام عن التهدئة واستيعاب الأزمات الذي يصدر بين حين وآخر عن وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان سيأتي بنتائج إيجابية. الكلام يظلّ كلاماً في انتظار تغييرٍ في إيران ليس ما يشير إلى أنّه سيحصل قريباً.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…