“القرض الحسن”… “مصرف” الحزب الذي أوشك على الانهيار!

مدة القراءة 9 د

حصلت جمعية القرض الحسن ذات الطابع الإنساني والخيري، على “علم وخبر” من وزارة الداخلية في العام 1987، وبدأت بالنمو والجنوح صوب الـShadow Banking. انتشرت ضمن البيئة الشيعية الحاضنة لـ”حزب الله” وبات لها نحو 35 فرعاً في المناطق الخاضعة لسيطرته، وعددَ “زبائن” قارب الـ300 ألف، بينهم نحو 200 ألف مقترض وقرابة 100 ألف مودع، وكانت تتهيأ مؤخراً لإطلاق صرّافاتها الآلية (ATMs) ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة “حزب الله” مطلع شهر شباط المقبل.

نسبة لعدد فروعها، فإنّ جمعية “القرض الحسن” هي “مصرف بلا ترخيص”. حجمها بحجم مصرف تجاري مثل “بنك بيبلوس” أو “بنك البحر المتوسط” نسبةً لعدد الزبائن، لا تدفع ضرائب على الأرباح، لا تخضع للقوانين المالية، خصوصاً قانون النقد والتسليف، كما لا تخضع لأيّ سلطة رقابية مالية مثل مصرف لبنان أو هيئة التحقيق الخاصة أو لجنة الرقابة على المصارف التي تقف كلّها منذ تأسيس الجمعية إلى اليوم، تتفرج على انتشارها وقضمها لصلاحيات المصارف المحلية بلا حسيب ولا رقيب.

البعض يعتبر أنّ الهجمات التي تعرضت لها الجمعية قبل أيام، بمثابة “ردّ اعتبار” للقطاع المصرفي المتداعى، الذي خبا نجمه طوال السنة الفائتة نتيجة الأزمة الاقتصادية التي أفقدت المواطنين اللبنانيين ثقتهم به، على حساب ازدهار عمل الجمعية “الخيرية”.

أما البعض الآخر فيرى أنّ الهجوم ليس إلاّ Plan B حاكها “الأعداء” للنيل من “حزب الله” مالياً، ومن سمعة الجمعية بعد أن ثبُت عدم فعالية العقوبات ضدها على مدى سنوات. فالجمعية تخضع لعقوبات الخزينة الاميركية منذ تموز 2007، بوصفها “غطاءً لإدارة نشاطات حزب الله المالية”، ولأنّها “تضطلع بدور بارز في بنيته التحتية المالية وأتاحت له الوصول إلى النظام المصرفي الدولي، بعد تدمير غالبية مكاتبه المالية خلال حرب تموز 2006″، لكن برغم ذلك لم تتأثّر وحافظت على أعمالها وكبّرت عدد عملائها الذين تخطوا في حالات كثيرة البيئة الشيعية للحزب إلى طوائف أخرى بعد أن استقطبت دائنين ومودعين من سائر المناطق اللبنانية.

جمعية “القرض الحسن” هي “مصرف بلا ترخيص”. حجمها بحجم مصرف تجاري مثل “بنك بيبلوس” أو “بنك البحر المتوسط”، لا تدفع ضرائب على الأرباح، لا تخضع للقوانين المالية، خصوصاً قانون النقد والتسليف، كما لا تخضع لأيّ سلطة رقابية مالية

الهجوم نفذته مجموعة من الـ”هاكرز”، أي قراصنة الإنترنت، تطلق على نفسها اسم SpiderZ.  ولم يُعرف حتى اللحظة من يقف خلفها، لكنّ الخطة على ما يبدو قد استهدفت أمرين:

1- كشف هوية سائر المتعاملين مع الجمعية.

2- نزع ثقة المودعين بالجمعية ودفع الناس صوب التخلّي عنها.

بدا الهدفان واضحين من خلال الفيديو الذي نشرته المجموعة ويدعو المودعين، الذين تسربّت بياناتهم كاملة، إلى سحب أموالهم حتى لا يخسروها على شاكلة خسارة المودعين لأموالهم في المصارف التجارية. وإضافة إلى الفيديو، فإنّ موقع Double check online (مجهول الهوية) الذي يُعرّف عن نفسه بأنّه “يحذر الناس من الاستثمار مع الارهابيين”، نبّه المودعين من مغبّة تعرّض أموالهم وممتلكاتهم للخطر، لأنّ الجمعية “لا تعمل ضمن المعايير المتّبعة دولياً لحماية العملاء”، ولأنّ بيانات الجمعية “لم تعد سرّية” ولا يمكن استخدامها بعد اليوم “ملجأً ماليًا لإخفاء الأموال وغسلها”، خصوصاً إن كان مصدرها “جرائم الفساد وتمويل الإرهاب بعد أن أصبحت مكشوفة للسلطات اللبنانية والدولية على السواء”. ودعا المودعين إلى سحب الودائع باعتبار أنّ ذلك سيساعد في تقليص ارتباطهم بالجمعية وتقليل المخاطر التي قد يتعرضون لها. كما نشر أسماءً وصوراً وتفاصيل حول ممتلكات كبار المودعين في “القرض الحسن”، ومن بينهم أسماء لبنانية تظهر بياناتهم أنّهم مقيمون في الخارج، أو أسماء غير لبنانية توحي بأنّها إيرانية. ما يؤكد الشبهات التي تحوم حول احتمال استغلال الجمعية في تحويل الأموال بين الدول من خارج المنظومة المصرفية تلافياً للعقوبات.

وحتّى اللحظة يبدو أنّ خطة المهاجمين قد نجحت نسبياً، إذ تشير معلومات خاصة بموقع “أساس” إلى أنّ عدداً من المودعين بدأ يطالب باسترداد أمواله وبإقفال حساباته في فروع المؤسسة، وخصوصاً أصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة، وذلك خوفاً من الفضيحة ومن العقوبات المحتملة بعد نشر ملفات Exel تضم جداولَ مفصّلة بعدد الفروع وبأسماء الزبائن الثلاثية المرفق باسم الأم وبأرقام الهواتف الشخصية وبالعناوين المفصّلة، كما يُرجّح أن تتفاقم موجة السحوبات مع بداية العمل بعد عطلة الأعياد.

هذا في توصيف الهجوم، أمّا في توقيته، فجملة أسئلة: لماذا استُهدفت الجمعية اليوم وليس قبل سنة أو سنتين طالما أنّها بقيت تعمل على الرغم من العقوبات؟ ومن هي الجهة أو الجهات المستفيدة اليوم من هذا الهجوم؟

في المبدأ، المستفيدون كُثر.

داخلياً، فإنّ المصارف المحلية ومصرف لبنان لهما مصلحة في إضعاف جمعية “القرض الحسن” لكن ليس إلى حدّ التآمر على اختراق بياناتها ونشرها. أما خارجياً فالولايات المتحدة وإسرائيل لهما أيضاً مصلحة أيضاً في اقفال القرض الحسن، وليس إضعافه فحسب، ومن هنا يبرز عامل التوقيت.

قبل أسبوع أو أكثر بقليل، تعرّضت صحيفة “الأخبار” المقرّبة من “حزب الله” أيضاً لاستهداف مماثل. وقبل ذلك بنحو أسبوعين (14 كانون الأوّل)، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن تعرّض نحو 40 شركة إسرائيلية لهجوم سيبراني استهدف اختراق حواسيب الشركات وقرصنة قوائم زبائنها أيضاً. واتّهمت إيران بالوقوف خلف الهجمات. ولعل تزامن هذه الهجمات يُوضح سبب الاستهداف الذي يبدو أنّه يصبّ في إطار تبادل الهجمات بين إسرائيل وبين إيران وجماعاتها في المنطقة.

البيانات المسرّبة تغطّي نحو 23 فرعاً تنتشر في مناطق نفوذ الحزب، كما تكشف عدد الدائنين وهو 203126 شخصاً بأسمائهم وتفاصيلهم. أما عدد المودعين فهو 115440، منهم 55% يتركّزون في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، ومن بينهم “كبار المودعين”: 8 مودعين بما يفوق 500 ألف دولار، 30 بما يفوق 200 ألف دولار، و340 مودعاً بما يفوق 50 ألف دولار.

أضف إلى ذلك، أنّه ليس واضحاً إذا كانت البيانات حديثة أم لا. لكن ثمة ملفّ باسم “حركة رصيد الحسابات المحرّرة”، يظهر حسابات تعود إلى العامين 2018 و2019 وهذا يكفي لتوريط كل من كُشف عن اسمه في ملف العقوبات، طالما أنّ المعلومات بعد العام 2007، تاريخ إدراج الجمعية على لوائح العقوبات الأميركية.

يبدو أنّ خطة المهاجمين قد نجحت نسبياً، إذ تشير معلومات خاصة بموقع “أساس” إلى أنّ عدداً من المودعين بدأ يطالب باسترداد أمواله وبإقفال حساباته في فروع المؤسسة، وخصوصاً أصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة، وذلك خوفاً من الفضيحة ومن العقوبات المحتملة

إلى جانب الأفراد، ثمّة صور لإيصالات صادرة عن مصارف محلية، وثمة ملف اسمه “بنك” يخص على ما يبدو تعاملات الجمعية مع المصارف، هو الأهمّ من بين الملفّات المسرّبة كلها.

المصارف المذكورة في الملف هي: بنك بيبلوس، بنك صادرات إيران، البنك اللبناني الكندي، بنك الشرق الأوسط وأفريقيا، البنك اللبناني السويسري، جمال ترست بنك، فينيسيا بنك، سوسييتيه جينيرال، بنك الكويت والعالم العربي، بنك الاعتماد اللبناني، بنك لبنان والخليج، بنك الموارد. والملفات ليست ممهورة بتواريخ ولا حتى الإيصالات، وليس مفهوماً إن كانت الجهة المسرّبة حذفت التواريخ أو تملك المزيد من الوثائق وتحتفظ بها للمرحلة المقبلة.

أهمية ذكر المصارف في الهجمات، تكمن في تاريخ فتح هذه الحساب، فهل الحسابات ما زالت ناشطة حتى اليوم أم لا؟ وإذا كانت الحسابات قبل العام 2007 فلا قيمة لها. أمّا إن كانت حديثة أو بعد 24 تموز 2007، فالمصارف التي ظهرت أسماؤها في الملفات المسربة في ورطة كبيرة.

لكنّ معلومات خاصة بـ”أساس” تكشف أنّ المصارف المذكورة كانت تتعامل مع الجمعية ومع مؤسسات أخرى تابعة لـ”حزب الله” فعلاً، لكنّها بدأت بالتراجع وبـ”ضبضبة” شؤونها على مدى السنوات الثمان الفاصلة بين أقفال “البنك اللبناني الكندي” (2011) و”جمّال ترست بنك” (2019).

ولا تُظهر الملفات المسرّبة إن كانت الجمعية تستثمر في المصارف أو العكس، لكن يُرجّح أنّ يكون تورط بعض المصارف مع الجمعية محصوراً ببعض فروعها من خلال علاقة “مدير فرع” بأحد المودعين أو بأفراد داخل الجمعية نفسها بشكل سري، من خلال إيداعات بأسماء وهمية أو ربما أسماء مواطنين عاديين. ووسط هذا كلّه وبعد مرور نحو أسبوع على الهجمات وتداول هذه الملفات على مستوى واسع، لم يصدر عن أيّ جهة رقابية رسمية أي بيان توضيحي، خصوصاً هيئة التحقيق الخاصة التي تعذّر علينا التواصل معها بسبب عطلة الأعياد.

معلومات خاصة بـ”أساس” تكشف أنّ المصارف المذكورة كانت تتعامل مع الجمعية ومع مؤسسات أخرى تابعة لـ”حزب الله” فعلاً، لكنّها بدأت بالتراجع وبـ”ضبضبة” شؤونها على مدى السنوات الثمان الفاصلة بين بين أقفال “البنك اللبناني الكندي” (2011) و”جمّال ترست بنك” (2019)

كل ما سبق ذكره، يدعونا إلى العودة في الذاكرة أشهر قليلة، وتحديداً إلى اقتراح القانون الأميركي The Hezbollah Money Laundering Prevention Act of 2020 الذي تقدّم به النائب الأميركي جو ويلسون إلى الكونغرس، ويهدف إلى “وقف أنشطة غسيل الأموال التي يقوم بها الحزب في جميع أنحاء العالم” من خلال معاقبة المصارف المتعاملة مع “حزب الله” في مناطق جغرافية محددة في لبنان وحول العالم (كانت “أساس” الأوّل في الكشف عن تفاصيله في تاريخ 3 تشرين الأوّل 2020).

إقرأ أيضاً: قانون أميركي لمعاقبة جنوب لبنان و”مصارف صديقة” للحزب

لا شكّ أنّ اختراق السجلات، أكانت قديمة أم جديدة، قد أرسى واقعاً ما عاد سهلاً تخطيه، بل يصحّ القول إنّ التسريب كان البداية وليس الفضيحة نفسها. أما الفضائح الحقيقية فستتوالى تباعاً، وذلك بعد التمحيص في الأسماء وفي تفاصيلها ومقارنتها والتدقيق بها، على طريقة ملفات “ويكيليكس”.

من يعلم؟ ربما تظهر تباعاً أسماء مصارف ومصرفيين أو ربّما صرّافين ورجال أعمال كُثر من كافة القطاعات… وهناك ستكون الطامة الكبرى. 

 

 

مواضيع ذات صلة

الإصلاحات الماليّة الضروريّة للخروج من الخراب (1/2)

مع إقتراب لبنان من وقف إطلاق النار، تبرز الحاجة الملحّة إلى إنشاء إطار متين وفعّال للامتثال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. تواجه البلاد لحظة محورية،…

لبنان “البريكس” ليس حلاً.. (2/2)

على الرغم من الفوائد المحتملة للشراكة مع بريكس، تواجه هذه المسارات عدداً من التحدّيات التي تستوجب دراسة معمّقة. من التحديات المالية إلى القيود السياسية، يجد…

لبنان بين “وصاية” صندوق النّقد وتسهيلات “البريكس” (1/2)

أثارت الأزمة الاقتصادية المعقّدة في لبنان مناقشات حول البدائل المحتملة لصندوق النقد الدولي، حيث اقترح البعض أن تتحوّل البلاد إلى “البريكس” كمصدر لدعم التعافي. وبالنظر…

لبنان على القائمة الرمادية: إبحار المصارف في حالة عدم اليقين(2/2)

بعدما عرضت الحلقة الأولى من التقرير، تداعيات إدراج لبنان على القائمة الرمادية، تتناول الحلقة الثانية الإجراءات التفصيلية التي ستترتب على هذه الخطوة، سواء في ما…