قبل أيّامٍ من وقف إطلاق النّار بين فصائل قطاع غزّة والجيش الإسرائيلي، سُجِّلَ اتصالٌ بين الرّئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفلسطيني محمود عبّاس. حصَل “أساس” على محضره من مصادر ديبلوماسية موثوقة اطّلعت عليه.
في التّفاصيل أنّ الرّئيس الأميركي أكّد 4 نقاط في اتصاله مع “أبو مازن”:
أوّلاً: ترتيب وضع المسجد الأقصى، ومنع الاعتداءات الإسرائيليّة على المُصلّين والزّائرين، والوصول إلى نقاط مُشتركة بين العرب واليهود لتسوية وضع المسجد.
ثانياً: التّأكيد أنّه لن تُخلى مدينة القُدس من قاطنيها الفلسطينيّين، وخصوصاً حيّ الشّيخ جرّاح، الذي كانت أحداثه شرارة الصّاروخ الأوّل، الذي أُطلقَ من غزّة، لتشتعل الجبهات معها.
ثالثاً: التزام العمل على وضع حدّ للاستيطان الإسرائيلي في الضفّة الغربيّة.
رابعاً: التزام الإدارة الأميركية على العمَل لدفع عمليّة السّلام قُدُماً، بناءً على حلّ الدّولتين الذي اعتبره الرّئيس الأميركي “الأفق السّياسي للعمليّة”.
نقاط بايدن الأربع ستكون محوَر زيارة وزير خارجيّته أنتوني بلينكن إلى تل أبيب ورامَ الله خلال أيّام.
قبل أيّامٍ من وقف إطلاق النّار بين فصائل قطاع غزّة والجيش الإسرائيلي، سُجِّلَ اتصالٌ بين الرّئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفلسطيني محمود عبّاس. حصَل “أساس” على محضره من مصادر ديبلوماسية موثوقة اطّلعت عليه
وقد كشفت مصادر في الخارجيّة الأميركيّة لـ”أساس” أنّ زيارة بلينكن مرهونة بنجاح وقف إطلاق النّار “الهشّ” بين حماس وتل أبيب. ولهذا السّبب لم يُعلن موعدها أو جدول أعمالها. وفي حال تمّت الزيارة بعد تثبيت التهدئة، سيطلق بلينكن مواقف واضحة بشأن دفع عمليّة السّلام قُدُماً، بقوّة دفع من تحت رُكام آثار المواجهة التي خمدَت. وستكون المنطقة على موعد مع عودة خطاب حلّ الدّولتين، ورفض الاستيطان الإسرائيلي وخطط نتنياهو لضمّ الضفّة الغربيّة وتهجير الفلسطينيين من القدس.
كيف استطاع بايدن تدوير زوايا المعركة الإسرائيليّة – الغزِّيّة (نسبة إلى غزّة) الأولى في عهده، وصولاً إلى وقف إطلاق النّار؟
لو لم يكن الرّئيس جو بايدن في البيت الأبيض لكان واقعُ مواجهة الـ11 يوماً في قطاع غزّة مُختلفاً تماماً، ولَما وجد بنيامين نتانياهو نفسه مأزوماً أكثر ممّا هو اليوم. إذ لم يكن الوصول إلى اتّفاقٍ لوقف إطلاق النّار بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس مهمّةً صعبة ولا سهلة على سيّد البيت الأبيض الجديد، الذي يعلم أدقّ تفاصيل ملفّات الشّرق الأوسط، وخبُر كيفية تدوير زوايا الصّراعات فيه بسبب اطّلاعه منذ عقود على تفاصيل الصراعات وزواريبها.
في بداية المعركة وقَع بايدن بين مطرقة الإنجيليين في الحزبين الجمهوري والدّيموقراطي، وسندان التيّار اليساري الصّاعد بقوّة داخل حزبه. وقفُ الإنجيليّون في صفّ إسرائيل، وهذا ليس جديداً، فيما أيّد اليساريّون موازنة العلاقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين تحت سقف القانون الدّولي وحلّ الدّولتين.
اليساريّون نجحوا في تجميد صفقة قذائف ذكيّة لإسرائيل عبر الكونغرس، تبلغ قيمتها أكثر من 700 مليون دولار. رغم وقوفهم إلى جانب “حقّ إسرائيل” في الدفاع عن نفسها. هزموا الإنجيليين. ودفعوا بايدن ليضغط على نتانياهو، كي يقبل مُكرهاً بوقف إطلاق النّار. وهو تطوّر قد يتسبّب له بأزمةً جديدة في الأوساط اليمينيّة الإسرائيليّة.
في إطار تدويره للزوايا، كان بايدن يدير شبكة اتصالات واسعة ومحادثات مع الإسرائيليين والفلسطينيين. كان أوّلها إرساله لنائب مساعد وزير الخارجيّة الأميركيّة للشؤون الإسرائيليّة – الفلسطينيّة هادي عمرو إلى إسرائيل ورام الله. هذا المبعوث اللبنانيّ، الشّيعيّ من كسروان، التقى رئيس مكتب الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شبات ومسؤولين فلسطينيين، وكان مطلبه واحداً: “وقف إطلاق النّار أوّلاً، والبحث في التّفاصيل لاحقاً”.
هكذا أثبت بايدن أنّ كلمته هي العُليا في إدارة الصّراع، بغضّ النّظر عن مطالب الإسرائيليين والفلسطينيين.
كشفت مصادر في الخارجيّة الأميركيّة لـ”أساس” أنّ زيارة بلينكن مرهونة بنجاح وقف إطلاق النّار “الهشّ” بين حماس وتل أبيب. ولهذا السّبب لم يُعلن موعدها أو جدول أعمالها
من واشنطن إلى القاهرة، كان الرّئيس عبد الفتّاح السّيسي يتلقّى اتصالاً من نظيره بايدن، ليلة إعلان وقف إطلاق النّار في غزّة، بعد جولات مكّوكيّة قامت بها وفود مصريّة بين رامَ الله وتلّ أبيب، واتصالات مع حركة حماس.
وبحسب معلومات حصلَ عليها “أساس”، اتّفق الرّئيسان الأميركي والمصري على تنسيق الجهود بين البلدين لخفض التّصعيد في الأراضي الفلسطينيّة، والسعي إلى إطلاق عمليّة السّلام في أقرب فرصة. وأثنى بايدن بشدّة على الجهود التي قام بها السّيسي، معتبراً أنّ ما قام به الرّئيس المصري يُضاف إلى الدّور التّاريخيّ لمصر في حفظ الاستقرار والأمن في المنطقة.
وعلمَ “أساس” أيضاً أنّ بايدن أبلغ الرّئيس السّيسي أنّ إدارته تعتمد وتؤيّد الجهود السّياسيّة المصريّة والاتصالات التي تقوم بها الدّوائر المُتخصّصة في القاهرة للعمل على خارطة طريق للسّلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
إقرأ أيضاً: هادي عمرو: شيعي لبناني كسرواني … موفد بايدن إلى حرب غزّة
تصبّ الجهود المصريّة في محاولة إبعاد الملفّ الفلسطيني عن الاستثمارات السّياسيّة للقوى غير العربيّة، خصوصاً إيران وتركيا الرّاعيتين الإقليميّتين لحركة حماس، وإعادة ملف القضيّة الفلسطينيّة إلى الحضن العربيّ. ويؤكّد هذا التوجُّهَ تخصيصُ مصر 500 مليون دولار للفلسطينيّين لأوّل مرة في تاريخها الحديث، وهي قسمٌ من المُساعدات المصريّة لإعادة إعمار قطاع غزّة، بالإضافة إلى تخصيص القاهرة 11 مستشفى في أنحاء مصر لاستقبال المصابين الغزِّيّين بالهجمات الإسرائيليّة.
يحدث هذا كلّه تحت شبح هشاشة وقف إطلاق النّار، خصوصاً بعد إقفال إسرائيل حيّ الشيخ الجرّاح مجدّداً أمس، واقتحام جنودها جانباً من المسجد الأقصى.
هشاشة تريدها إيران خيمةً فوق طاولة المُفاوضات النّوويّة في العاصمة النّمساويّة فيينّا، تستعملها كورقة تثبيت أو تفجير للوضع الأمني في فلسطين.
فهل يصمدُ وقف إطلاق النّار؟ أم تضغط حماس والجهاد، ومِن خلفهما طهران، على الزّناد مجدّداً؟