لماذا سكت السياسيون عن ظلم المصارف!

مدة القراءة 3 د


يروي الرواة أنّ حاكم المصرف المركزي رياض سلامة أبلغ رئيس الجمهورية ميشال عون عندما استقبله أخيراً في القصر الجمهوري بأنّ الأوضاع المصرفية صعبة جداً، وتلقّى جواباً مفاده أنّ لا حلّ لهذه الأوضاع في بعبدا، ويترك له الرئيس تالياً أن يتّخذ ما يراه مناسباً من قرارات وإجراءت لمواجهة الموقف.

بتعبير آخر: إفعل ما تريد.

ويذكر الرواة أنّ وفداً من جمعية أصحاب المصارف برئاسة السيد سليم صفير زار الحاكم سلامة وسمع منه أن لا حلول لديه لأوضاع المصارف الصعبة، ويترك لها تالياً أن تتّخذ ما تراه مناسباً من إجراءات لمواجهة الموقف.

بتعبير آخر: إفعلوا ما تريدون.

الروايتان صحيحتان. وهكذا صارت إدارة كلّ مصرف مطلقة اليدين في تعاملها مع المودعين، تحجب المال بكميات عن مودعين أو تعطيهم، تقرّر السماح للمودعين بسحب مئة أو مئتين أو خمسمئة من الدولارات أسبوعياً داخل المصرف أو بآلات السحب الآلي، وتحدّد كما يناسبها أيضاً المبالغ التي يمكنهم سحبها بالليرة اللبنانية.

لماذا لا يدافع أحد من السياسيين عن حقوق الناس المظلومين هؤلاء خصوصاً، وعلى الأقل؟

فوضى وضاربة أطنابها. والأغرب أنّ “ولا صوت” طلع من نائب أو وزير أو أيّ مسؤول في الدولة – ولا حتى من وسيلة إعلامية – يندّد بعملية وضع اليد التي لا مثيل لها على ودائع اللبنانيين، الميسورين ومتوسطي الحال و”المستورين” على حدّ سواء، حين تضّج البلاد والعباد بأخبار تسهيل المصرف المركزي إخراج مليارات الدولارات لسياسيين وأثرياء كبار قبل انفجار الأزمة، عندما لجأت المصارف إلى افتعال إقفال أبوابها لأيام طويلة.

والحال أنّ حرمان أصحاب الودائع الصغيرة، التي لا تتجاوز الخمسين أو المئة ألف دولار، والموضوعة في حسابات جارية، من الوصول إلى جنى أعمارهم، والتقتير عليهم في السحوبات بشكل إذلالي من دون ذنب ارتكبوه، هو عمل أقلّ ما يقال فيه إنّه جريمة.

ولكن لماذا لا يدافع أحد من السياسيين عن حقوق الناس المظلومين هؤلاء خصوصاً، وعلى الأقل؟

الجواب سهل جداً: من لم يستفد من رياض سلامة، من المسؤولين والسياسيين، وأصحاب وسائل الإعلام والصحافيين والإعلاميين النجوم، فليرفع يده.

ورياض سلامة هو المدافع الأوّل عن مصالح البنوك. لعب لعبته في ظلّ الصراع الأميركي – الإيراني على أرض لبنان بذكاء شديد، فأعطى الأميركيين ما يطلبون وأكثر من معلومات عن حركة الأموال في البلاد، وأعطى ممثلي إيران المحليين القدرة مدى سنوات طويلة على التعامل مع نظام العقوبات الأميركي الذي تخضع له المصارف اللبنانية بسلاسة وأمان، من دون أن يستطيع التحكم باحتمالات خروج الوضع عن السيطرة كما حصل لـ “البنك اللبناني -الكندي” و”جمّال تراست بنك”. وفي مثل هذه الأحوال يكون دوره حاسماً في الحدّ من الأضرار والخسائر على أصحاب المصرف.

كان يأمل ألا يقع الانهيار قبل انتهاء عهد ميشال عون أو خلوّ مقعد الرئاسة، لتتوجه إليه كلّ الأنظار والأيدي المتوسلة بصفته “المنقذ”

كان يعرف رياض سلامة، ولا شكّ أكثر واحد كان يعرف بأنّ القطاع المصرفي مقبل على كارثة، لكنّه صرف جهداً كبيراً معززاً بأموال طائلة لجعل اسمه أيقونة. ليقول المتعلّم والأميّ، الغني والفقير: “الحمدلله أنّ عندنا رياض سلامة، ضمانة لاستقرار الليرة”.

كان يأمل ألا يقع الانهيار قبل انتهاء عهد ميشال عون أو خلوّ مقعد الرئاسة، لتتوجه إليه كلّ الأنظار والأيدي المتوسلة بصفته “المنقذ”. لكنّ الانهيار كان أسرع وعون لا يزال في منتصف عهده، ولا يزال مستعداً للمصارعة، وإن متكئاً على صهره العزيز، وارثه، في جمهورية تشهد على دمارها وجوع شعبها، في ظلّ رئاسته.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…