قبل الاستشارات النيابية الملزمة، أخرج رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري أرنباً من كمّ سترته الزرقاء، وذلك بعد بيان القوات اللبنانية بساعات، التي تمسكت بمطلب “حكومة مستقلين”، وبالتالي رفضت تسمية الحريري. هذا الأرنب اسماه “الميثاقية”، ما بدا في حينه وكأنه بدعة جديدة اختلقها الحريري نفسه ووضعها عقبة في طريق وصوله إلى السراي الحكومي، ثم صار أسيرها، فأرسى بذلك سابقة خطيرة قابلة لأن تصيب بالعطب أي تسمية لرئيس حكومة قد يأتي من بعده.
دستورياً، تُعدّ الميثاقية أمراً جوهرياً في تشكيل الحكومات، لكن لا نصّ ملزماً يتحدث عن طائفة النواب الذين يسمّون الرئيس المكلّف خلال الاستشارات النيابية، التي يجريها رئيس الجمهورية. في حين تنصّ المادة 95 من دستور الطائف على التالي: “على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بین المسلمین والمسیحیین اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقیق إلغاء الطائفیة السیاسیة وفق خطة مرحلیة وتشكیل هیئة وطنیة برئاسة رئیس الجمهوریة، تضم بالإضافة إلى رئیس مجلس النواب ورئیس مجلس الوزراء شخصیات سیاسیة وفكریة واجتماعیة. مهمة الهیئة دراسة واقتراح الطرق الكفیلة بإلغاء الطائفیة وتقدیمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفیذ الخطة المرحلیة”.
بعد أن تتحدث المادة 95 عن آلية لإلغاء الطائفية السياسية بإسهاب، تؤكد الفقرة “أ” ضمن المادة نفسها، أنّه في المرحلة الانتقالية “تُمثَّل الطوائف بصورة عادلة في تشكیل الوزارة”، فلا تشترط أن تضمّ الأصوات التي حصل عليها الأكثريات المطلقة من نواب المذاهب الكبرى. أضف إلى ذلك أنّ الفقرة المذكورة تأتي في سياق التحضير لإلغاء الطائفية السياسية وليس لتكريسها وتعميقها على الإطلاق، ما يؤكد أنّ “الميثاقية” ملزمة فقط في الشكل النهائيي للحكومة.
الاستشارات أظهرت أنّ الحريري كان سيُسمى من كتلة نواب “المردة” إضافة إلى بعض الحلفاء
لكن ما الذي دفع الحريري لاختراع هذه البدعة؟ وما الهدف منها؟
مع العلم أنّ الاستشارات الجانبية التي سبقت موعد تلك النيابية الرسمية، أظهرت أنّ الحريري كان سيُسمى من كتلة نواب “المردة” (المسيحيين) إضافة إلى بعض الحلفاء من الحزب القومي. وهذا يعني أن “الميثاقية” (إذا افترضنا أنها أمر مطلوب) كانت مؤمنة ولو بحدودها الضيقة.
الحريري اختلق “الميثاقية” كبدعة دفاعية وليس هجومية. مهمتها الدفاع عن بقائه مرشحاً أوحدَ لرئاسة الحكومة وليس بهدف لوم “القوات اللبنانية” وتحميلها مسؤولية عدم تسميته أو رغبته في تأجيل الإستشارات. خصوصاً في حال لجأ الرئيس ميشال عون (وجبران باسيل من خلفه) إلى خيار تسمية شخصية سنية أخرى، فيُشهر حينها الحريري “سلاحه الميثاقي” المستجد الذي سيسمح له بمقاطعة الاستشارات أو رفض السير بتسمية غير موافق عليها، بالتالي “يحرق” خصمه.
العصفور الآخر الذي قد يسقطه الحريري بحجر “ميثاقية” أيضاً، هو كتلة “السنّة المستقلين” التي سيسحب منها إمكانية تغطيتها ميثاقياً لأي قرار قد يلجأ إليه “حزب الله” أو “التيار الوطني الحر” للسير بتشكيل حكومة من دون “المرشح الأوحد”.
أما وقد أعلن الحريري اليوم، أنّه لن يكون “مرشحاً لتشكيل الحكومة المقبلة” وسيتوجّه غداً الخميس “للمشاركة في الاستشارات النيابية على هذا الأساس”، فهل يُشهر هذا السلاح غداً، فيكمل “ورشة حرق” المرشحين في فُرن “الميثاقية”؟