ارتسم واقع أمني على الارض بوجهتّي نظر متعارضتين، في الساعات القليلة الفاصلة عن قرار التأجيل الثاني للاستشارات النيابية، الذي أصرّ رئيس الجمهورية ميشال عون على إظهار أنه صدر بتمنٍ شخصي من الرئيس سعد الحريري، من ضمن تصفية الحسابات المستمرة بين الطرفين.
الأولى من الجانب العوني “تفتي” بأنّ الحريري حرّك الأرض بما في ذلك القوى الأمنية لخلق كباش حادّ يؤمّن الأسباب الموجبة للتأجيل المطلوب حريرياً بعدما أظهر “بوانتاج” الاستشارات أنّ الأصوات التي ستسمّيه ستوصله رئيساً مكلّفاً ضعيفاً منزوع الغطاء المسيحي، ويتولى تأليف حكومة هي الاصعب منذ دخوله الحياة السياسية.
الثانية تقول إنّ ليلتيّ السبت والأحد اللتان سبقتا الاستشارات النيابية، أعدّت غرفة عمليات التحضير لهما بغية منع تسمية الحريري مجدداً لرئاسة الحكومة، تحديداً من جانب مناوئيه السنّة الذين تؤكد تقارير أمنية من أين انطلق مناصروهم، وأين “صبّوا” (من الشمال والإقليم) وبعض الناشطين من بينهم من بات معروفاً بالاسم وبالانتماء الحزبي، على عكس ما أعلنته وزيرة الداخلية ريّا الحسن إذ أكدت أن “لا معلومات حتى الآن عن هويتهم والمكان الذي يتوافدون منه”.
مع العلم أنّ معطيات أمنية تشير إلى أنّ هذه المجموعات لاقتها باصات وفدت من منطقة الشياح ليل الأحد – الاثنين وانحصرت مهمّتها في إطار استغلال الفوضى والاشتباكات بين المتظاهرين والقوى الأمنية، بإحراق بعض الخيم في ساحة الشهداء. في وقت ضغط مسؤولون في “حركة أمل” و”حزب الله” لمنع انفلاش مجموعات خندق الغميق باتجاه ساحة الشهداء عشية الاستشارات، كما فعلت في أيام سابقة.
[START2]التقصير الأمني بمواكبة التطورات السياسية المتسارعة تنحو نحو التأزم أكثر فأكثر[END2]
فيما تسلّم مصادر أمنية رفيعة بأنّ حالة من الفوضى تعمّ على مستوى القرار الأمني على الأرض، وفي التعاطي مع المعتدين من المتظاهرين وشروط دخول شرطة مجلس النواب على الخط كعامل “مُربك” أكثر ممّا هو مسهّل للقوى الأمنية. وتؤكد هذه المصادر وجود تضارب في توجهات الأجهزة الأمنية على الأرض من مخابرات وقوى أمن وأمن دولة وأمن عام وشرطة مجلس نواب. هذا الواقع المتشابك لا يدلّل سوى على مزيد من التأزم، إن في كيفية التعاطي مع الداخلين على خط التخريب خصوصاً في بيروت، أو في التقصير الأمني بمواكبة التطورات السياسية المتسارعة التي تنحو نحو التأزم أكثر فأكثر.
يحصل ذلك في ظل سؤال تطرحه، للمفارقة، أجهزة أمنية قبل القيادات السياسية عن قطبة تحريك “جبهة” ساحة النجمة حيث مقرّ البرلمان في وقت يفترض أن تتوجّه مواكب النواب إلى القصر الجمهوري لاجراء الاستشارات النيابية لتكليف رئيس الحكومة!
لا تزال تساؤلات جدية تُطرح حول سبب عدم انعقاد المجلس الأعلى للدفاع منذ بدء الحراك الشعبي قبل شهرين، والاكتفاء باجتماعات أمنية “على القطعة” تبرز حجم غياب التنسيق بين الاجهزة الامنية والعسكرية. والمشهد السياسي لا يبدو أقل تأزماً مع تطوّر الكباش بين الرئاستين الأولى والثالثة الى مستوى غير مسبوق، وصل إلى حدّ مجاهرة قيادات قريبة من الرئيس ميشال عون بأنّ الحريري “محكوم بشروطنا وليس العكس، وبالتالي لديه مهلة 72 ساعة إما يقتنع بأنه ليس وحده قادراً على إدارة البلد، أو فليخرج من حلبة الترشّح لأنّ الوقت داهم وليس كافياً لينفّذ الحريري مهمّته بإقناع الشارع والقوى السياسية خصوصاً المسيحية به”. وتشير إلى أنّ “ضعف الحريري وصل إلى حدّ أنّ حلفاءه الذين طلب مساعدتهم في الخارج لم يوعزوا إلى إحدى أدواتهم في الداخل لتسميته في الاستشارات ما يعكس رفضاً دولياً واقليمياً له”.
[START2]ضعف الحريري وصل إلى حدّ أنّ حلفاءه الذين طلب مساعدتهم في الخارج لم يوعزوا إلى إحدى أدواتهم في الداخل لتسميته في الاستشارات[END2]
في المقلب الآخر، معطيات تتبلور تدريجاً عن وجود صعوبة حقيقية في تمكّن الحريري من تغيير “المكتوب” بين الاثنين والخميس في ظل عناد واضح في بعبدا على استبعاد رئيس الحكومة المستقيل عن أيّ حكومة مقبلة، وعدم وصول التفاوض بين “حزب الله” والوزير جبران باسيل إلى قاسم مشترك يدفعه الى التخلي عن ورقة رفض تسمية الحريري وعدم المشاركة في الحكومة المقبلة، إضافة الى اصطدام الحزب وبرّي حتى الآن بشروط الحريري حول التأليف.
وفي ظلّ تأكيد رئاسي أنّ نهار الاستشارات الخميس ثابت مهما كانت نتيجته، فإنّ مطّلعين يشيرون إلى أنّ تأجيلاً ثالثاً قد يحصل في حالة واحدة فقط هي إصدار الحريري بيان اعتذار عن عدم قبول تسميته فاسحاً المجال أمام مرشح سنّي آخر.