الانتفاضة و1920: إنتصار لبنان الكبير

مدة القراءة 3 د


شهد لبنان، ومعه العالم، إنتفاضة شعبيّة لبنانيّة في مرحلة دقيقة يستعدّ فيها وطن الأرز للاحتفال على مدى سنة كاملة، بالذكرى المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير في الأول من أيلول عام 1920. هذا الاعلان وصفه رجل القضية اللبنانية ميشال شيحا، بأنه “أهم حدث في تاريخ لبنان”. أما المؤرخ كمال الصليبي، فقد اعتبره إعلاناً لانتصار المشروع الماروني حول لبنان الكيان والدولة. السؤال الذي طرح نفسه على كل معنيّ بتاريخ لبنان، هو التالي: هل من علاقة بين إعلان لبنان الكبير والثورة اللبنانيّة الحاليّة… وما هي؟

الجواب: نعم، توجد علاقة جوهرية كيانيّة بين طبيعة الإعلان وطبيعة الإنتفاضة، ذلك لأنّهما يتعلّقان ويدوران حول لبنان الوجود ككيان سياسي دولاتيّ مستقل، ولبنان المجتمع والإنسان المقيم داخل هذا الكيان.

تعاطى اللبنانيون مع يوم إعلان لبنان الكبير ضمن اعتبارات ثلاثة: الأول هو اعتبار المؤمن به والساعي إليه والمؤمن بشرعيته ونهائيّته. الثاني هو اعتبار من يقبل به كأمر واقع ينبغي التعاطي معه بمرونة وحكمة لأنه مؤقت. الثالث هو اعتبار من يرفضه كياناً ووجوداً وشرعيّة، كونه “مشروعاً استعمارياً”. وبالتالي مواجهته أيديولوجياً وسياسياً وحتى عسكرياً لمنعه من اثبات وجوده.

[START2]قيام لبنان الكيان والدولة هو نقض لفكرة سوريا الكبرى واسرائيل الكبرى[END2]

وإذا كان لبنان قد عانى الكثير منذ إعلان 1920، فما ذلك إلاّ نتيجة للاعتبارين الثاني، وبخاصة الثالث. وبالتالي كان المطلوب ولا يزال دعم النظرة الأولى إلى لبنان، وكأنّه حقيقة جغرافيّة وتاريخيّة وليس مجرّد خطأ جغرافيّ وتاريخيّ.

صحيح أن القوى والجهات والمؤسسات الوطنية اللبنانية قد عملت وناضلت من أجل لبنان السيّد الحرّ المستقلّ، ولكن هذه القوى لم تستطع اقناع جماعات من طوائف لبنان بما تؤمن هي به. لذا لم يتحوّل لبنان الكيان والدولة إلى معطى للعقل والقلب والضمير لدى هذه الجماعات التي ظلّت مستعدّة للالتحاق بأمم وأيديولوجيّات أخرى.

تقول المسؤولة الفرنسية لشؤون الشرق الأوسط، إليزابيت بيكار، إن قيام لبنان الكيان والدولة هو نقض لفكرة سوريا الكبرى واسرائيل الكبرى. ومن هنا إصرار دعاة هاتين الجهتين على التركيز على أنّ لبنان هو “خطأ تاريخيّ ويجب تصحيحه”. تصحيحه عملياً يكون بإضعافه وإثبات أنّه غير قابل للحياة، وبالتالي يجب الغاؤه.

الانتفاضة اللبنانية، الرّافعة للعلم اللبناني، بكلّ ما يرمز إليه على مستوى الديمغرافيا والجغرافيا في آن، هي أهمّ رافعة تاريخية للبنان الكبير الكيان السيد الحرّ المستقلّ. إنها العلامة الدامغة لامتدادات الفكرة، بل العقيدة اللبنانيّة، إلى الطوائف والأجيال والمناطق كلّها، بحيث تشكّل، ولو بعد حين، معطىً للعقل والقلب والضمير لدى مختلف الطوائف، لكي تعلن بالفم الملآن إيمانها بلبنان حقيقةً جغرافيّةً وتاريخيّةً مؤكدةً وثابتةً ونهائيّةً.

 

 

مواضيع ذات صلة

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…

كنّا نخاف منه وصرنا نخاف عليه

قبل عام 1969 كان العالم العربي والإسلامي يتدافع نحو أخذ صورة مع جمال عبدالناصر، ثمّ بعد العام نفسه صار العرب والمسلمون ومعهم عبدالناصر يتدافعون للوقوف…

دعاية “الحزب” الرّديئة: قصور على الرّمال

لا تكفي الحجج التي يسوقها “الحزب” عن الفارق بين جنوب الليطاني وشماله للتخفيف من آثار انتشار سلاحه على لبنان. سيل الحجج المتدفّق عبر تصريحات نوّاب…

معايير أميركا: ملاك في أوكرانيا.. شيطان في غزّة

تدور حرب ساخنة في كلّ من أوروبا (أوكرانيا)، والشرق الأوسط (غزة – لبنان). “بطل” الحرب الأولى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، و”بطل” الحرب الثانية رئيس الوزراء…