عكست الضجة التي رافقت “ترتيب” الكتل النيابية التي ستشارك الإثنين المقبل في الاستشارات النيابية الملزمة التي دعا إليها رئيس الجمهورية لتسمية رئيس الحكومة، جزءاً من مأزق ولادة حكومة “مواجهة الانهيار”
ولم تكن هذه الضجة أقل إثارة من السؤال الذي طُرح في الأروقة السياسية عن سبب التباعد الزمني بين تاريخ الدعوة وبين توجّه النواب والكتل إلى القصر الجمهوري لتحديد هوية رئيس الحكومة المقبل.
بروتوكولياً، درجت العادة أن يتصدّر رئيس مجلس النواب نبيه بري، منذ انتخابه، قائمة الرؤساء الذين يلتقيهم رؤساء الجمهورية لسماع اسم الرئيس المكلف، على أن يلتقي مجدداً الرئيس على رأس كتلته النيابية التي تشارك في التسمية. بقي هذا الواقع قائماً حتى آخر حكومة في عهد ميشال سليمان. لكن مع انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية جرى ما يشبه التنسيق بين بروتوكول مجلس النواب ودوائر القصر الجمهوري على أن يترأس نبيه بري كتلته النيابية ويلتقوا رئيس الجمهورية مع “حذف” اللقاء البروتوكولي الذي يجمع عون مع بري.
درجت العادة أن يتصدّر رئيس مجلس النواب قائمة الرؤساء الذين يلتقيهم رؤساء الجمهورية لسماع اسم الرئيس المكلف
حصل هذا الأمر في استشارات عام 2016 ثم 2018 لتسمية رئيس الحكومة سعد الحريري ثم في جدول الاستشارات التي دعا إليها الرئيس عون يوم الاربعاء.
لكن بخلاف الحكومة السابقة التي سبقتها استشارات، أتى ترتيب كتلة “التنمية والتحرير” في آخرها، فإن استشارات يوم الاثنين المقبل ستختتم بكتلة “لبنان القوي” المحسوبة على رئيس الجمهورية والوزير جبران باسيل مباشرة بعد كتلة التحرير والتنمية، فيما تصدّرت كتلة “تيار المستقبل” الجدول وبعض النواب المستقلين آخره.
تفاصيل هامشية تحوّلت الى “مصيرية” في عزّ استشارات خالفت أعراف الاستشارات السابقة لناحية صعوبة حسم اسم الرئيس المكلف قبل بدئها كما جرت العادة، فيما تضمّن الجدول “تفريخ” نواب مستقلين عن كتلهم ستكون لهم “كلمة” متمايزة عن سياق الكتل التي كانوا جزءاً منها، وهو المعطى الذي سيزيد نتيجة الاستشارات غموضاً، وفي ظل علامات استفهام جدية توضع حول مدى التزام جميع نواب كتلة “المستقبل” بالتصويت للخطيب في حال حسم الحريري خياره لصالحه، ومع تسريب معطيات حول توجّه بعض النواب لوضع الاسم بعهدة رئيس الجمهورية، ما يعيد إلى الذاكرة سيناريو رفض الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 1998 قبول التكليف في الحكومة الأولى للرئيس أميل لحود، بعد تفويض 31 نائباً الأخير في اختيار من يشاء لرئاسة الحكومة.
الذهاب نحو تسمية المهندس سمير الخطيب لرئاسة الحكومة والمضي في عملية التأليف الصعبة يبدو سيناريو غير محسوم النهاية بعد، ولا يشبه أي سيناريو تكليف آخر في ظل المشهد الآتي: مهندس آتٍ من عالمِ المقاولات يريد أن يُنصّب رئيسَ حكومة حتى ولو مع سلّة من التنازلات، وسط ممانعة صامتة لرئيس مجلس النواب لخيار قد يزيد الوضع تعقيداً ولا يفتح باب الحلول الانقاذية مع تسجيل ملاحظات قاسية في شأن الاخراج الذي رافق التسويق للاسم، انفصام حريري واضح مع منح البركة “الشخصية” والحزبية للخطيب من دون الغطاء السني، فيما أعدّ محيطه لائحة طويلة بـ “مساوئ” وصول الخطيب إلى السرايا “غير الملمّ ببديهيات العمل السياسي وزواريب إدارة الشأن العام”… وشارع ينتظر يوم التكليف على الكوع ليقول رأيه بـ “استشاري تعهدات الجمهورية” على وقع التداول اليومي ببورصة السيرة المهنية وحتى الشخصية للمرشح المحتمل لرئاسة الحكومة وصولاً إلى نبش اعترافات صريحة للوزير جبران باسيل يتهم فيها مدير عام “شركة خطيب وعلمي” بنهب المال العام.