الاتّفاق النّوويّ لا يزال بعيداً: إقصاء الإصلاحيّين أوّلاً

مدة القراءة 9 د

إيران ليست مستعجلة. خيطان سجّادة فيينا لم تنشف بعد. ومُلخّص الجولات الـ5 من المحادثات بين الإيرانيين والمجموعة الدّوليّة 4+1، ومعها الولايات المُتّحدة، تحسم بلا جدال، أنّ العاصمة النّمساويّة شهدت تبادل حسن النوايا  بين الإيرانيّين والأميركيّين، والكثير من تبادل الابتسامات، إلّا أنّ محترفي السّجّاد العجمي لا يزالون يحبكون المتر الأوّل من سجّادة تنتظر أن ينقشَ الرّئيس المُقبِل للجمهوريّة الإسلاميّة توقيعه عليها.

فإلى أين وصلت مفاوضات فيينا؟ وهل اقترَبت عودة الحياة إلى الاتفاق النّوويّ بعد 5 سنوات من انسحاب الرّئيس الأميركي السابق دونالد ترامب منه؟

في العودة إلى تمّوز 2019، غرّد ترامب عبر حسابه على منصّة تويتر: “خسرَ الإيرانيّون العديد من الحروب، لكنّهم لم يخسَروا يوماً في المفاوضات”. لم تكن واحدة من تعليقات ترامب الممتلئة بالدّعابات، بل كانَت من أكثرها جديّة وواقعيّة.

بعيد انسحابه من الاتفاق النّوويّ، أغدقَ ترامب على إيران بسلسلة عقوبات غير مسبوقة شملَت كلّ القطاعات الإيرانيّة، المُتوقّع منها وغير المتوقّع، في محاولة لجمع أكبر عددٍ ممكن من “أوراق القوّة”، ظنّاً منه أنّه سيُفاوض الرّئيس الإيراني حسن روحاني على اتفاقٍ جديد بعد أن يفوزَ ترامب بولاية ثانيةٍ، إلّا أنّه اصطدم بعدوّ خفيّ هو فيروس كورونا والدّولة العميقة في الولايات المُتحدة. عدوّان طرداه من المكتب البيضاويّ نحو مقرّ إقامته في مُنتجع “مارالاغو” على شاطئ فلوريدا.

أوصلت عقوبات ترامب، التي حملت عنوان “سياسة الضّغط الأقصى”، النّظام الإيراني إلى أسوأ أيّامه منذ نجاح ثورة الخميني سنة 1979. إذ حرمته من مليارات الدّولارات التي وفّرتها له الاستثمارات الأجنبيّة، عدا عن مليارات أخرى، عنوانها “صادرات النّفط الإيراني”، انخفضت قرابة 85% خلال عامين.

في العودة إلى تمّوز 2019، غرّد ترامب عبر حسابه على منصّة تويتر: “خسرَ الإيرانيّون العديد من الحروب، لكنّهم لم يخسَروا يوماً في المفاوضات”. لم تكن واحدة من تعليقات ترامب الممتلئة بالدّعابات، بل كانَت من أكثرها جديّة وواقعيّة

قدّرَ الرّئيس حسن روحاني خسائر العقوبات بأكثر من 200 مليار دولار، وسجّلت البلاد نموّاً سلبياً لـ3 سنوات متتالية، بالإضافة إلى انخفاض احتياط المصرف المركزي الإيراني من العملات الأجنبيّة من 112 مليار إلى 4 مليارات دولار فقط.

لم تكُن العقوبات هي الضّربة الوحيدة التي وجّهها ترامب للنّظام الإيراني. إذ كانت ضربة اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، الذي لم تستطع طهران تعويضه بشكلٍ جدّيّ، محطّة فارقة في علاقة إيران بميليشياتها المُنتشرة على طول خريطة الشّرق الأوسط. وشهِدَ عهده “لكمات نوويّة”، كلّها حملت بصمات الموساد الإسرائيلي. كانت أولاها استيلاء الموساد على أرشيف البرنامج النّووي الإيراني سنة 2018، وثانيتها العمليّة التي طالت مفاعل نطنز النّووي في تمّوز سنة 2020، ومرّة أخرى في نيسان 2021، وثالثتها اغتيال العالم النّوويّ الأبرز في إيران مُحسن فخري زاده في عمليّة تحمل بصمات الموساد أيضاً…

لكن ما الجديد؟

الموقِف الإسرائيلي بدأ يزداد تعنّتاً مع سير المفاوضات في فيينا. إذ ينبغي التّوقّف عند ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تفضيله الحفاظ على “وجود إسرائيل” على حساب العلاقة مع واشنطن، وذلك في معرض حديثه عن التّصرّف الإسرائيلي حيال البرنامج النّوويّ الإيرانيّ.

“بي بي” المأزوم داخلياً وخارجياً بعد 11 يوماً من الفشل العسكريّ مع وُكلاء إيران في قطاع غزّة، قد يضطرّ هذه المرّة إلى مواجهة “الأصيل” على أراضيه، على الرّغم من الرّفض الأميركي لخطوة كهذه قد تُفجّر المنطقة برمّتها.

كما نتنياهو، كذلك وزير الدّفاع، والذي على الرّغم من استنكاره كلام شريكه اللدود نتنياهو عن العلاقة مع أميركا، توجّه فوراً إلى واشنطن في زيارة طارئة للقاء نظيره أوستن لويد. وجدير بالذّكر أنّ الهجوم الثّاني على منشأة نطنز النّوويّة كان متزامناً مع وصول وزير الدّفاع الأميركي إلى تل أبيب في نيسان الماضي.

مع انسحاب ترامب من الاتفاق النّوويّ، شهدَت علاقة الولايات المُتحدة بحلفائها تحسّناً لافتاً. وذلك بعد أزمة الثّقة التي حكمت علاقة واشنطن بحلفائها في الشّرق الأوسط بسبب توقيع إدارة باراك أوباما اتفاق 2015 مع طهران، من دون الأخذ بعين الاعتبار مصادر قلق تل أبيب.و إذ كان هذا التحسّن واضحاً مع توقيع دولة الإمارات ومملكة البحرين ما عُرِفَ بـ”الاتفاق الإبراهيمي” مع إسرائيل.

تَركَ الرّئيس السابق لخلفهِ جو بايدن “أمانة ثقيلة” تتمثّل في عقوباته على النّظام الإيراني، والضربات التي تلقّاها هذا النظام، إن من وكالة الاستخبارات المركزيّة (CIA) أو من جهاز الموساد الإسرائيلي، والتي رافقَ “ثقلها” مبعوث الرّئيس الجديد إلى إيران روبرت مالي، الذي ذَهبَ إلى فيينا في مهمّةٍ مُعقّدة مع “أصدقائه” الإيرانيين، بدأت في شهر نيسان الماضي.

قدّرَ الرّئيس حسن روحاني خسائر العقوبات بأكثر من 200 مليار دولار، وسجّلت البلاد نموّاً سلبياً لـ3 سنوات متتالية، بالإضافة إلى انخفاض احتياط المصرف المركزي الإيراني من العملات الأجنبيّة من 112 مليار إلى 4 مليارات دولار فقط

اليوم، بعد 5 جلساتٍ من المحادثات، يُصرّ الإيرانيّون على مطلبهم: “رفع جميع العقوبات، والعودة إلى الاتفاق النّووي”، وذلك دون شروط مسبقة. وتقفُ إدارة الرّئيس بايدن مُحرجة أمام المطلب الإيرانيّ على الرّغم من رغبة الرّئيس الجديد في العودة السّريعة إلى الاتفاق النّوويّ.

تختلف ظروف المُحادثات بين واشنطن وطهران عن تلك التي رافقت اتفاق إدارة أوباما في 2015. إذ يواجه بايدن أصواتاً في الدّاخل الأميركي، عنوانها الحزب الجمهوريّ وبعض الأعضاء الإنجيليين من حزبه الدّيموقراطي وحلفاء بلاده من الدّول العربيّة وإسرائيل، تُطالبه بعقد اتفاقٍ جديد مع إيران يشمل برنامج صواريخها الباليستيّة وأذرعها في المنطقة وسلوكها تجاه دول الجوار. وهذا لم يعُد خفيّاً على أحد.

في الدّاخل الأميركي، يرى المُعارضون للاتفاق أنّ العودة إليه ستُغدق على النّظام الإيراني المُفلس والمنهَك عشرات مليارات الدّولارات، ومعه، بطبيعة الحال، الميليشيات التي تُهدّد أمن حلفاء واشنطن في الخليج العربيّ وإسرائيل، وبالتّالي تهدِّد مصالح الولايات المُتحدة والأمن القومي الأميركي.

وفي هذا الإطار، سأل مسؤول أميركي سابق من إدارة ترامب عبر “أساس”: “هل يظنّ الرّئيس بايدن أنّ النّظام الذي رفَع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 20%، ويتابع رفعه إلى 60%، لا يريد إنتاج قنبلة نوويّة؟ وهل فعلاً يُصدّق “فتوى خامنئي بتحريم إنتاج واستخدام السّلاح النّووي”؟ إذا كان يُصدّق بايدن ذلك، فلينظر كم قتلت ميليشيات خامنئي في الشّرق الأوسط من المُسلمين السّنّة على الرّغم من “فتاويه” بحرمة قتلهم”. وأكّد المصدر أنّ “الإشارة الوحيدة التي قد تدلّ على تقدّمٍ في المفاوضات، وقُرب حسم الاتفاق، هي أن يزور مدير وكالة الاستخبارات المركزيّة ويليام بيرنز إسرائيل، وكلّ ما سوى ذلك لا قيمة له”.

من عاصمة القرار إلى عاصمة المُحادثات فيينا، حيث خاضَ المبعوث الأميركي روبرت مالي صولاتٍ وجولاتٍ قدّمَ خلالها مغريات عديدة لإيران. مُغريات مالية لم يتلقّفها شريكاه في الدّاخل الإيراني الرّئيس حسن روحاني ووزير خارجيّته محمّد جواد ظريف، المغادران بعد أيّام، والمُكبّلان بتشدّد المُرشِد علي خامنئي باشتراطه رفع العقوبات الكاملة والعودة إلى الاتفاق النّوويّ.

في الدّاخل الأميركي، يرى المُعارضون للاتفاق أنّ العودة إليه ستُغدق على النّظام الإيراني المُفلس والمنهَك عشرات مليارات الدّولارات، ومعه، بطبيعة الحال، الميليشيات التي تُهدّد أمن حلفاء واشنطن في الخليج العربيّ وإسرائيل، وبالتّالي تهدِّد مصالح الولايات المُتحدة والأمن القومي الأميركي

وعَلِمَ “أساس” من مصَادر معنية بأجواء الفريق الإيراني المُفاوض أنّه سأل الأميركيين عن جدوى العودة إلى الاتفاق أساسًا، إذ إنّ إيران وصَلت إلى مراحل مُتقدّمة في برنامجها النّوويّ خصوصاً لجهة رفع التّخصيب، وهي ليست بوارد التّضحية بهذه الخطوة دون مُقابل لم يُفصِح المَصدَر عنه.

كما قال الإيرانيّون للأميركيين إنّهم لن يعودوا إلى أيّ اتفاق قبل الحصول على ضمانات تتعلّق بتمريره في الكونغرس الأميركي وتنفيذه فوراً دون أن يخضع للتّأجيل بعد توقيعه من قِبَل البيت الأبيض.

لم تتوقّف المُطالبات الإيرانيّة عند هذا الحدّ، بل اشترط وفدُ طهران على وفدِ واشنطن ضمانات تمنَع انسحاب أيّ رئيسٍ مُقبل من الاتفاق على غرار ما حَصَل مع الرّئيس الأسبق دونالد ترامب.

إقرأ أيضاً: لماذا تحدّث “السيّد” عن شهرين؟ الحكومة رهينة “الاتفاق النووي”

نجحَت إيران، في الأسابيع الماضية، في إقناع إدارة بايدن بفصل الملفّ النّوويّ عن غيره من الملفّات. وهذه هي الإيجابيّة التي طالما تحدّث عنها المُتحدّث باسم الخارجيّة الإيرانيّة سعيد خطيب زاده. إلّا أنّه صارَ واضحاً أنّ شيئاً لن يحصل قبل تعيين المُتشدّد السّيّد إبراهيم رئيسي رئيساً للبلاد، كما هو مُتوقّع خلال الانتخابات الرّئاسيّة الشّهر الحالي. وكي لا نُطيل الحديث في هذه النّقطة، تبقى السّياسة الخارجيّة لإيران في يد مُرشِد الثّورة عليّ خامنئي حصراً، مهما كانت هويّة الرّئيس. إلّا أنّ حسابات إيرانيّة داخليّة، عنوانها “إقصاء التّيّار الإصلاحي من السّلطة”، كانت السّبب الرّئيس في تشدّد المرشد تجاه حسم المفاوضات في عهد الثّنائي روحاني – ظريف.

تترنّح جلسات فيينا حالياً، ومعها الليالي التي لم يشمل أُنْسُها سوى روبرت مالي وصديقه محمّد جواد ظريف، على وقع صناديق الاقتراع الإيرانيّة وأصوات الدّاخل الأميركي ومطالب الحلفاء.

وإلى حين إدلاء أنصار التّيّار المُتشدّد بأصواتهم لإبراهيم رئيسي، وإقصاء الإصلاحيين من السّلطة، لا يبدو أنّ تقدّماً إيجابياً سيطرأ على المحادثات النّوويّة… وفي انتظار الانتخابات والاتّفاق، تبقى العين على العراق ولبنان، “صندوقي البريد” الأحبّ إلى قلب الحرس الثّوري، الذي سيدقّ الجرس من أحدهما أو من كليهما، إيذاناً ببدء المحادثات الجدّيّة بُعيْد الانتخابات المُقبلة…

فمتى يقرع اللواء حسين سلامي جرسَ الحديث الجدّيّ؟ أو تكون طائرات الـF-35 الإسرائيليّة أسرع من جرس سلامي؟

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…