الإعلام الأميركي يوظّف الثورة ضد إيران

مدة القراءة 4 د


  تضمّت الصحف الأميركية بأغلبها على مدى الأسابيع الماضية، مقالات تستعجل استثمار الثورتين اللبنانية والعراقية في صراع الإدارة الأميركية مع إيران، متخطية ظروف وتفاصيل ثورة في الأولى، محاولة وضعها بمواجهة إيران و”حزب الله” بشكل متسرّع.

[PHOTO]

وفي هذا الصدد، قال دانيال ماركينغ بمقال في موقع “فوربس” أن الثورة في لبنان والعراق لم تكن تتعلق بالفساد السياسي والمحسوبية فقط وإنما أيضاً بالنفوذ الايراني أكان من خلال “حزب الله” في لبنان أو من خلال سيطرة الميليشيات الشيعية على الاقتصاد في العراق، وأن في كلا البلدين ظلّ طهران كان خلف الحكومتين المستقيلتين، فهزّتا الملالي في طهران. في العراق، استهدف المحتجون إيران مباشرة وأحرقوا الأعلام الإيرانية وهتفوا: أخرجوا خارج العراق!. وأضاف ماركينغ في “فوربس” أن إيران بالقلق الشديد لدرجة أن الجنرال في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني سافر إلى بغداد للاشراف على قمع الاحتجاجات، وأن “الأمر نفسه حدث في لبنان (!!) فبعد أن أيد حزب الله في البداية بعض المطالب التي نادى بها الثوار، بدأت مناصروه بالتضييق على المتظاهرين”.

 

أما ديفيد غاردنر فذكر في “فايننشل تايمز” بمقاله يوم الثلاثاء الفائت أن موقف إيران “ليس آمناً”، معتبراً أن انتشار سلطتها في جميع أنحاء المنطقة تسبب بإحداث هزات كبيرة تقع مراكزها في بغداد وبيروت. وأضاف أنّ الشعب، في العراق حيث الاغلبية الشيعية ولبنان حيث يمثّل الشيعة التجمع الاكبر في البلاد أيضاً “يثور ضد الطبقات السياسية الفاسدة وكذلك ضد الميليشيات التي تقف خلف هذه الطبقة وتدعمها عبر إيران. في الأيام الماضية، تحدى آلاف المواطنين العراقيين في ميدان التحرير ببغداد واللبنانيين بساحة شهداء ببيروت، الوضع الراهن المدعوم من طهران هناك”.

 

مقال تحليليّ آخر في صحيفة “واشنطن بوست” للكاتب إيشان ثارور رأى، يوم الاثنين الماضي، أن أجندة سليماني تواجه “تهديدًا خطيرًا” ليس من خلال المواجهة الأميركية وإنما من خلال الاضطرابات الشعبية. واعتبر أن الاحتجاجات في لبنان والعراق أسفرت عن غضب عارم ضد سلطة فاسدة وعقيمة، كما شهدت الانتفاضتين رفضاً علنياً لليد الإيرانية التي تمتد الى السياسة في بلادهم حيث الديمقراطيات المبنية على تقاسم السلطة داخل مجتمعات متنوعة ومتعددة طائفياً. (مع العلم أن من بين الشخصيات التي تتعرض غالبا للنقد الشديد هي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المدعوم مباشرة من واشنطن!).

 

حتى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لخّص موقف واشنطن بتغريدة على صفحته في موقع “تويتر” يوم الأربعاء، قال فيها: “إن الشعبين العراقي واللبناني يريدان استعادة بلديهما بعد أن اكتشفا أن صادرات النظام الإيراني لم تكن إلا الفساد، إيران تتنكّر لثورتهما وهما يستحقان أن يتحرّرا من سطوة خامنئي”. لقد قفز بومبيو من فوق الخصوصيات والتفاصيل بعد أن دمج ثورة اللبنانيين بثورة العراقيين. ربما المشهد من الجانب الاميركي يختلف عما نراه نحن من هنا، فالإدارة الأميركية تبدو عاجزة عن فهم خصوصية الثورة في لبنان او تستعجل توظيفها في أجندتها الخاصة ولا تبذل جهداً لرؤيتها منفصلة عن تلك الثورة في العراق، لأسباب تتعلق بصراعهم مع إيران. 

 

عانى لبنان ومازال يعاني من سطوة “حزب الله” على الحياة السياسية بواسطة السلاح، لكن أن يعتبر الإعلام الأميركي، والإدارة من بعده، ثورة اللبنانيين انطلقت من هنا، أمر مبالغ فيه. هتف العراقيون ضد طهران وهاجموا قنصليتها، لكن هذه المظاهر لم يشهدها الشارع في لبنان. ولا يبدو أن الثورة سائرة في هذا المنحى، أقله حتى اللحظة. يعلم الثوار في لبنان جيداً أن كل من يحاول ربط الثورة بتدخل خارجي أو بسلاح “حزب الله”، إنما يحاول توريطها بما لا تحتمله في هذا التوقيت الدقيق. ولهذا كان الثوار دوماً يقفون بالمرصاد لكل من سوّلت له نفسه استعجال الحديث في الميادين أو على مواقع التواصل الاجتماعي عن “حزب الله”. لأنّ هذه المقاربة تصيب الثورة في مقتل وتعريها من مضامينها الحقيقية وتجعلها رهينة صراعات غير محلية، لأن نجاح الثورة وسلامتها بغنى عنها الآن، ولو أن التفكير المنطقي سيقود في نهاية المطاف الى حيث سلاح الحزب والدويلة، لكن حتى اللحظة من المبالغ فيه وضع تفاصيل الثورتين اللبنانية والعراقية، في سلّة واحدة مثلما يفعل الإعلام في واشنطن! 

مواضيع ذات صلة

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتفاق وقف لإطلاق النار في…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…