فتّش عن إسرائيل، وأنتَ تحاول قراءة محاولات التطبيع العربية مع نظام بشار الأسد في سوريا. هذا ما خلص إليه الكاتب في صحيفة “فايننشال تايمز” ديفيد غاردنر، الذي قدّم قراءة في التطبيع، أو محاولة إحياء العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد أخيراً، والتي تُوّجت باتصال هاتفي بين الأسد والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني. والأخير فتح نافذة جديدة للنظام السوري إلى الحضن العربيّ، عنوانها الاقتصاد مع إعادة فتح الحدود الأردنية السورية، أو ما يُعرف بمركز حدود جابر، وإطلاق المحادثات المتّصلة بتزويد الأردن لبنان بجزء من احتياجاته من الطاقة الكهربائية، إضافةً إلى افتتاح جناح لسوريا في “إكسبو دبي”، وصولاً إلى زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان لدمشق.
فماذا تُخبّئ هذه الخطوات التطبيعيّة مع النظام السوري؟
يتحدّث الكاتب عن “عودة الأسد إلى عالم الدبلوماسية” في المنطقة، ولو بخطوات بطيئة، ومحافظته على علاقاته بالصين وإيران وروسيا، فيما لم تستعِد سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية.
يمارس الاتحاد الأوروبي ضغطاً من أجل التوصّل إلى حلّ سياسي في سوريا عبر دستور جديد شامل، وتؤيّد موسكو هذا الأمر، وتُعقَد عليها آمالٌ في الضغط على الأسد والوجود الإيراني في سوريا
ويذكّر غاردنر بما حدث قبل عشر سنوات من هذا الانفتاح العربي، حين دعا ملك الأردن الأسد إلى التنحّي، فيما هو الآن يتحدّث إليه هاتفياً. وعلى الرغم من عدم وضوح المواقف الأميركية والأوروبية وفرملة التطبيع في الوقت الراهن، يشير إلى أنّ الأردن والإمارات هما دولتان مقرّبتان ليس من واشنطن فحسب، بل من إسرائيل أيضاً، التي لطالما فضّلت حكوماتها وجود عائلة الأسد في السلطة، إذ بالكاد أُطلقت رصاصة واحدة منذ الهدنة عام 1973، حتى اندلاع الحرب في سوريا عام 2011. ولم يتغيّر هذا الوضع، حتى مع شنّ المقاتلات الإسرائيلية حرب ظلّ داخل سوريا والعراق، إلى جانب الهجمات السيبرانية التي تستهدف إيران ووكلاءها، بحسب غاردنر.
ويعتبر الكاتب أنّ التمسّك العربي، أو الانفتاح الأخير على الأسد، هو بمنزلة ردّ على ما يُسمّى “الهلال الشيعي” الذي حذّر منه ملك الأردن سابقاً، في ظلّ الحديث عن تشكيل إيران شبكة عبر الشرق الأوسط بعدما ساهم الغزو الأميركي للعراق في تعزيز السيطرة الإيرانية على بغداد. وينظر الخليجيون إلى ممرّ طهران نحو البحر المتوسط، حيث يفتقدون خطوات تُذكر من الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية إزاء هذا التمدّد الإيراني، إضافةً الى الوجود الإيراني في اليمن. واللافت أنّ إيران برزت على أنّها الجهة الأكثر استفادةً في الجغرافيا السياسية الإقليمية، منذ غزو العراق في عهد الرئيس جورج دبليو بوش وصولاً إلى حملة “الضغط الأقصى” على إيران التي طبّقها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، حتّى خسرت الولايات المتحدة صدقيّتها في المنطقة، وتحديداً في سوريا. وقد اتّضح هذا التراخي الأميركي من عدم الردّ على هجوم “آرامكو”، واكتساب تركيا مناطق حدودية في سوريا، وهو ما دفع القوات الكردية الحليفة للولايات المتحدة إلى التوجّه نحو مصالحة الأسد.
وبينما يزيد الخناق على لبنان، فتح السعوديون خطوطاً مع مسؤولين عراقيين، مثل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ورجل الدين مقتدى الصدر الذي تصدّر نتائج الانتخابات التي أُجريت أخيراً. أمّا الإمارات فستستخدم قوّتها في الجذب، بصفتها سوقاً متقدّماً ومزدهراً في الخليج، ومواردها وشركات البناء للمساعدة في إعادة إعمار سوريا.
إقرأ أيضاً: كيف بنى الأسد امبراطوريّته في أوروبا؟
ومن جهته، يمارس الاتحاد الأوروبي ضغطاً من أجل التوصّل إلى حلّ سياسي في سوريا عبر دستور جديد شامل، وتؤيّد موسكو هذا الأمر، وتُعقَد عليها آمالٌ في الضغط على الأسد والوجود الإيراني في سوريا. ولكن على الرغم من كثرة التحليلات حول العلاقة الإيرانية بالنظام السوري، يرى الكاتب أنّ التحالف لن يتغيّر بعد إزاحة الجنرال الإيراني جواد الغفاري من سوريا، مذكّراً بدعم البلدين أحدهما للآخر في أكثر من محطّة. ومع ذلك، لن يجلس القادة العرب في موقع المتفرّج.
أخيراً يلفت الكاتب إلى أنّ الإمارات والسعودية تصبّان رهاناتهما على محادثات موازية تجري مع إيران للتهدئة وخفض التصعيد.