“ما نشهده اليوم من تأخير لعملية وصول اللقاح إلى لبنان هو مأساة كبيرة تصل إلى حدّ الإجرام”، بهذه الكلمات يبدأ وزير الصحة الأسبق البروفيسور كرم كرم حواره مع “أساس”.
البروفيسور كرم يبدي استغرابه ويسأل: “لماذا يكون لبنان من آخر الدول في الحصول على اللقاح؟ لبنان الذي كان مستشفى وجامعة الشرق يتحوّل إلى بلد مهترئ ودولة فاشلة، بسبب الطبقة الحاكمة غير المسؤولة”.
وأضاف: “دول العالم بدأت بالتطعيم وكذلك الدول المجاورة لنا. أبسط مثال الأردن الذي هو يعتبر من الدول العربية الفقيرة، الأسبوع الفائت استعملوا اللقاح الصيني، والأسبوع المقبل سيُحضرون لقاح “فايزر”، سعياً منهم إلى بناء مناعة مجتمعية ضدّ الفيروس. كذلك الأمر في قطر، البحرين، المغرب، والإمارات. وبلغ عدد الذين تلقوا لقاح “فايزر” حول العالم 92 مليون شخص تقريباً”.
وعن الجدل الحاصل حول “قانون اللقاحات الطبية” الذي تطلبه الشركات المنتجة للقاح وتأخير وصوله إلى لبنان قال: “هذا التأخير غير مبرر، أيّ أدوية، ومن ضمنها اللقاح، لا يمكن استخدامه في دول العالم الأوّل قبل حصوله على موافقة استخدام من قبل مؤسسات مختصّة بدراسة الجودة والفعالية مثل الـ FDA في الولايات المتّحدة الأميركية. وفي الحالات العادية تخضع الأدوية لثلاثة مراحل من التجارب، آخرها السريريّة التي تستغرق في الحالات العادية أشهراً وسنوات ما يسمح بالتثبّت من سلامتها، بالتالي تكون الشركة المنتجة مسؤولة في حال حصول أيّ أعراض جانبية. في المقابل، الطريقة الأخرى للسماح باستخدام الأدوية في الحالات الطارئة مثل جائحة “كورونا”، تتمثّل بتقصير المرحلة الثالثة، مع العلم أنّ كلّ الدراسات تكون وافية، لذا لا تتحمّل الشركات عبء أيّ أعراض جانبية محتملة، لأنّ الدعاوى قد تلحق أضراراً مادية فادحة بها، بالتالي الدولة تكون هي المسؤولة عن الأعراض المحتملة مقابل تزويدها باللقاح. أما القانون القديم في لبنان حول استيراد الدواء، فيُحمّل المسؤولية للشركة المسموح لها بإدخال منتجاتها إلى السوق المحلي”.
دول العالم بدأت بالتطعيم وكذلك الدول المجاورة لنا. أبسط مثال الأردن الذي هو يعتبر من الدول العربية الفقيرة، الأسبوع الفائت استعملوا اللقاح الصيني، والأسبوع المقبل سيُحضرون لقاح “فايزر”
ولفت كرم الى أنّ “هذه النقطة كانت معروفة عالمياً منذ ظهور الفيروس والحديث عن إصدار لقاحات ضدّه، أي منذ سنة. لذا كان من واجب المسؤولين طوال هذه الفترة تعديل القانون أو إضافة بند عليه، لكنهم تأخّروا حتىّ هذه اللحظة، حين بدأ الازدياد الجنوني للإصابات ولبنان بالنسبة إلى عدد سكانه من أوائل الدول من حيث نسب الانتشار والوفيات. وفي آخر الاحصاءات لبنان تقدّم على الولايات المتحدة بالنسبة لعدد سكانه”.
وتابع: “لا نعرف بعد متى يصل اللقاح، وقيل إنّه سيصل في 12 شباط المقبل أو في نهايته، ومن اليوم حتّى وصوله سيموت المئات، بسبب الإهمال والتقاعس وعدم الشعور بالمسؤولية والاستهتار بحياة الناس. الموضوع شديد الجدّية ويثير العجب والاشمئزاز والنقمة”.
وحول الاعتماد على مصدر واحد للقاح وعدم فتح المجال أمام الشركات الخاصة للاستيراد، رأى كرم أنّ “أكثر الدول تعتمد على أكثر من شركة، لكنّ القطاع الخاص غير قادر على الدخول في عمليات شراء لقاحات لأنّه مثل شركات الأدوية غير قادر على تحمّل أعباء الدعاوى في حال حصول أعراض جانبية”.
أما الإقفال التام الذي أعلن عنه المجلس الأعلى للدفاع فـ”ضروريّ وأفضل من عدمه، وكان يجب أن يحصل في وقت سابق، ونسمع دائماً أنّ السبب هو المواطن. لكنّ الحقّ ليس على الشعب اللبناني، فهو لديه ما يكفي من الوعي، وفي كل نكبة يعود ويقف على رجليه مجدداً. أكبر مثال على ذلك جريمة انفجار المرفأ في 4 آب ومشاهد تكاتف الشعب اللبناني الذي هو من قام بإعادة إعمار وتنظيف بيروت من الدمار فيما كانت السلطة تتفرّج. والخوف اليوم من التفلّت الذي حصل في الأعياد وعدم الجدية في اتخاذ القرارات بل التأخّر في اتّخاذها وعدم الالتزام بحماية حياة المواطنين، وغير مقبول التعاطي مع المريض بالطريقة التافهة الخالية من المسؤولية”.
أكثر الدول تعتمد على أكثر من شركة، لكنّ القطاع الخاص غير قادر على الدخول في عمليات شراء لقاحات لأنّه مثل شركات الأدوية غير قادر على تحمّل أعباء الدعاوى في حال حصول أعراض جانبية
وتابع: “في الصين مدينة ووهان أصبحت خالية من الإصابات لأنهم اتّخذوا الإجراءات اللازمة والقرارات التي تحتاج إلى جديّة وصرامة ومبنية على حقائق علمية. وفي الوقت نفسه هناك ثقة بين المواطنين وبين المسؤولين، وهي معدومة في لبنان. أنا لا ألوم الشعب لأنه بالتجارب تبيّن أنّ السلطة ليست موضع ثقة”.
إقرأ أيضاً: كورونا يرعب غير المصابين: هجوم لشراء أجهزة تنفّس “احتياطاً”
وعن المستشفيات الميدانية التي جرى الحديث عنها قال: “رغم وصول التجهيزات والمساعدات إلا أنّ هذه التجيزات والمعدات “منقوعة”، وهم الآن يختلفون على الأرض ومكان إنشاء المستشفيات الميدانية، ولا يهمهم سوى مصالحهم الخاصة والمحاصصات”.
وختم البروفيسور كرم كلامه موجهاً رسالة إلى المسؤولين اللبنانيين: “يكفي محاصصات، لقد أفقرتم الشعب وسلبتم أموالهم ومدخرات حياتهم واليوم تتاجرون بالموت”.
ما يحصل اليوم هو “تجارة الموت” إذاً. ويبدو للأسف أنّ لبنان سيكون واحدا من الدول التي يشملها برنامج COVAXفي الأمم المتّحدة، وهو تابع لمنظمة الصحة العالمية. وفيه يُجمع المال المقدّم من الدول الغنية لشراء اللقاحات للدول الفاسدة والفقيرة.