يُشكّل النائب المُستقيل، رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل، علامةً فارقةً في السّياسة اللبنانية. ليس أوّل مزاياه أنّه يحمل “أمانة” حزب الكتائب الذي بلغ من العُمرِ 84 عامًا قبل أشهر قليلة، وليس آخرها أنّه عارض “الطبقة السّياسيّة” بشراسةٍ، وخرج عليها ومنها، منذ ما قبل ثورة 17 تشرين الأوّل 2019، ليتوّج مُعارضته باستقالته وكتلة الكتائب وبعض النّوّاب المُستقلّين، من المجلس النّيابي، بعد كارثة 4 آب وتفجير مرفأ بيروت.
هكذا هو، يأتي من زمنٍ سابق على استقلال لبنان، ومن حزب وعائلةٍ سبقتا “الوطن” الذي نعرفه، هو “حزب: الله، الوطن، والعائلة”… ومضى بهذا الحزب، بعد اغتيال شقيقه النائب والوزير بيار، وبعد “تقاعد” والده الرئيس السابق أمين، مضى به إلى “المستقبل”، متجاوزًا الأحزاب، ومجاورًا الثوّار، حتّى بات هو الوحيد المقبول في الشارع، الغاضب من “كلّن يعني كلّن”.
من هذه النقطة المعقّدة كان لقاء أسرة “أساس” معه. ولئن شكّل فيروس كورونا حاجزًا معنويًّا حَجبَ اللقاء المُباشِر، إلّا أنّ اللقاء عبر تطبيق Zoom لم يمنع عفويّة “الشّيخ سامي” وصراحته من إزالة “الحجاب الافتراضي” من اللقاء، الذي دخلته ابنته “جويس” فجأة لتغافله، ملوّحةً بيدها لفريق التحرير، فرأينا ضحكته “المختلفة” في حضرة الفتاة، التي ربما نراها يومًا ما، رئيس حزب الكتائب.
تشعّب الحوار مع “صهر طرابلس”، الذي احتضنته الشوارع التي جاءت منها زوجته، تلك الشوارع الغاضبة والعاصية منذ تشرين 2019. تشعّب من اغتيال لُقمان سليم، مرورًا باستقالة الكتائب وصولًا إلى سلاح حزب الله والثّورة، وعلاقته بعاصمة الشّمال وغيرها من الملفّات.
حوار افتراضيّ امتدّ على مدى ساعةٍ ونصف الساعة من الزّمن، أجراه: مدير التحرير محمد بركات، والزملاء نسرين مرعب، وأحمد الأيّوبي وإيلي القصيفي، وعماد الشّدياق وإبراهيم ريحان.
– نبدأ بالموضوع الأبرز، اغتيال لقمان سليم. الاتهام السياسيّ دائمًا ينصبّ باتجاه حزب الله. هل تظنّ أنّ الاغتيال هو ضمن مُسلسل اغتيالات قد يستمرّ في لبنان أم هو مجرد اغتيال ظرفي لشخصية مثل لقمان سليم؟
الاحتمالان قائمان. لقمان التقط خيطًا ووصلَ إلى معلومات دفع ثمنها، منها ما تحدّث عنه بموضوع انفجار المرفأ والتحقيقات. وهناك احتمال أن يكون ضحية هذا الموقف وهذه المعلومات في محاولة لإخفاء معالم كارثة المرفأ. إذ حصلت اغتيالات عدة لشخصيّات مرتبطة بالملف. رأينا ما حصل مع جو بجاني قبل أسابيع، وبالتالي يمكن أن يكون الاغتيال على علاقة بهذا الموضوع.
كما يمكن أن يكون مزيجًا من موضوع المرفأ وموقفه السّياسي الصريح. لا يُعرف إذا كنّا سنشهد مسلسل اغتيالات من بعده، لا أحد يستطيع أن يعرف، لكنّ الخطر الأمنيّ على المُعارضين في لبنان قائمٌ منذ 15 سنة وحتّى اليوم، ولقمان هو الرقم 16 أو 17 بالاغتيالات أو محاولات الاغتيال السياسي التي تمت منذ 2005 حتى اليوم.
– هل وصلتك تحذيرات شخصية تتعلق بأمنك أم إنك لا ترغب بالحديث عن الموضوع؟
نعم وصلتني تحذيرات من جهات أمنية.
– من جهات داخل لبنان أو خارجه؟
لا أريد أن أكشِف عن مصدر هذه التحذيرات.
– هناك من يعتبر أنّ التوقيت الدولي ساهم باتخاذ قرار اغتيال لقمان سليم، بمعنى أنّ الاغتيال جاء بعد خروج الرئيس دونالد ترامب من البيت الأبيض ومجيء إدارة بايدن والطراوة التي تتعاطى فيها. أي أنّ من اغتال لقمان سليم يستطيع ارتكاب هذه الجريمة من دون تداعيات وأثمان كبيرة على المستوى الدولي، أو بردّات فعل محلية أو خارجية محدودة؟
لا أحد يستطيع أن يؤكّد أو ينفي هذه النّقطة إلّا الذي يمارس القتل، وبالتالي أنا لا أستطيع أن أجيب عما إذا كانوا يشعرون براحة أكثر. ولكن أعتقد أنّ القاتل عندما يريد الإقدام على أيّ عمل، لن يُعلِمَ أحدًا بذلك أو يقيم اعتبارًا يمنعه من ذلك. كما نتذكّر اغتيالات عام 2005، كان وقتها جورج بوش في سدة الرئاسة وكان من الصقور في المواجهة. هذا لم يمنع الاغتيالات ولا أعرف إذا كانت هذه مرتبطة بتلك.
هناك احتمال أن يكون ضحية هذا الموقف وهذه المعلومات في محاولة لإخفاء معالم كارثة المرفأ. إذ حصلت اغتيالات عدة لشخصيّات مرتبطة بالملف. رأينا ما حصل مع جو بجاني قبل أسابيع، وبالتالي يمكن أن يكون الاغتيال على علاقة بهذا الموضوع
- ما رأيك بالموقف العربي وموقف الدول الغربية خصوصًا أميركا وفرنسا، إذ لاحظنا تدرّجًا في الموقف الأميركي من السفيرة إلى وزير الخارجية. الوحيد الذي أدلى بموقف جديّ، كان زعيم الأغلبية الديمقراطية وهو خارج السلطة التنفيذية. ما رأيك في الموقف الأميركي والموقف الفرنسي. والسؤال الثاني عن الموقف العربي من الاغتيال؟
برأيي كل المواقف الدوليّة والإقليميّة والعربيّة ليست على مستوى الحدث. بالنسبة إليّ لقمان سليم هو ضحية رأيه السياسي، هذا إنسان اغتيل بسبب فكره، وبالتالي حريّة التعبير هي التي استُشهدت معه، وهذا أمر يتعلق بحقوق الإنسان ويتعلق بشرعتها. لُقمان لا يرأس قوة سياسية معيّنة، وهو ليس داخل الصراع. هو مفكّر، والقاتل اختار هدفًا سهلًا لا يمتلك فريق حماية، وقتلوه بطريقة جبانة.
- لماذا الموقف الدولي الذي كان حازمًا في سنوات الاغتيال القاسية من مروان حمادة حتى محمد شطح، تراخى هذه المرّة إلى درجة وكأنه يعطي “كارت أبيض” للقاتل ليستمر في عمله؟
كل الدول الغربيّة أو العربيّة كانت تعيد حساباتها بعد تولّي الإدارة الجديدة الحُكم في أميركا، والجميع يعرف طريقة التعاطي في المرحلة المقبلة. اليوم لم ينشأ مسار واضح للتعاطي مع الشرق الاوسط، الكل يترقّب بلورة السياسة كي يحسم تموضعه. وبالتّالي، لا أحد يريد التّسرّع لاتخاذ موقف متقدم في أيّ ملف، قبل أن يرى في أيّ اتجاه تذهب الإدارة الأميركية.
– أين الثورة من هذا الاغتيال وأنت جزء أساسيّ من محاولة تمّت مؤخرًا مع جميع قياداتها لإنشاء إطار تنظيمي؟
الثّورة لم تفشل أبدًا. كان هنالك موقف قويّ جدًّا في ساحة سمير قصير. لكن في موضوع الاغتيال لا أعرف ما إذا كانت مواجهته تتم كمواجهة الملفات الاقتصادية والاجتماعية، وأعتقد أنّ هذين الأمرين مختلفان عن بعضهما البعض. لا يمكن أن نتعاطي مع حدث أمنيّ كما نتعاطى مع الملف الاجتماعي والاقتصادي. برأيي ينبغي مواجهة هذا الموضوع بكثير من الوعي وباستراتيجية واضحة. وبالنسبة إلينا، اليوم طريقة المواجهة تكون عبر تكوين معارضة وطنية منفصلة تمامًا عن المنظومة السياسيّة، بأهداف واضحة واستراتيجية واضحة، وهذا ما نحاول أن نساهم بإنشائه وبنائه.
يعني نحن دخلنا على هذا الخط منذ زمنٍ ليس ببعيد. نحن نعتبر أنّ المسار الذي نسلكه مسار جيد، ونحن ننظر بإيجابيّة إلى النتائج التي يمكن أن تخرج من هذه الحركة التي تهدف إلى مواجهة السلطة بالملف السياسي أولًا، وبالملفين الاقتصادي والاجتماعي. نريد نمثيل جزء كبير من الناس التي تؤمن بالتغيير وتؤمن بسيادة الدولة، لنخوض معركة على المدى الطويل. وهذا مسار ينبغي أن يواكب الاستحقاقات المقبلة، وهو بالنسبة إلينا السبيل للوصول إلى تغيير بنيوي في الحياة السياسية في لبنان. وهذا يتطلب تنظيمًا وصبرًا وتواصلًا.
– ماذا عن موضوع استقالة الكتائب من مجلس النواب؟ إذ تعتبر المنظومة السياسية الاستقالة غير مؤثرة، كون كتلة الكتائب كانت تضم 3 نواب… كما يقال إنّ الولايات المتحدة لم تكن مشجعة لخطوة الاستقالة. هل هذا الكلام صحيح؟
أولًا نحن لا نسأل عن رأي أحد عندما نتخذ موقفًا. وبالتالي نحن لم نسأل ولم نستشر أحدًا، اتخذنا موقفًا أخلاقيًّا ولم نستشر سوى ضميرنا. الموقف ذو بعدين، الأّول أخلاقيّ يتعلّق بكارثة تفجير المرفأ. وكان لا بدّ من القول إنّ النّاس بحاجة إلى محاسبة هذه المنظومة. وما يمكّن الناس من المحاسبة هي الانتخابات. البُعد الثاني الذي ساهم في اتخاذ قرار الاستقالة، هو قناعاتنا بناءً على تجربتنا من داخل المجلس، باستحالة أن تستطيع المعارضة بالحجم الذي كنّا فيه، إحداث أيّ خرق في المنظومة. ليس فقط الكتائب بل نحن والزملاء الذين استقالوا معنا في هذه المرحلة، لأنه للتذكير الكتائب لم تستقل بمفردها بل كنا 8 نواب تقريبًا.
نحن على قناعة أنّ وجودنا داخل المجلس تحوّل غطاءً للمنظمومة الحاكمة. حاولنا أن نشكل لجان تحقيق نيابية لم يتم التصويت عليها، وحاولنا تقديم طعون في المجلس الدستوري، وشعرنا بأننا شهود زور داخل المجلس.
– الدعوة للمواجهة التي تحدثتَ عنها تأخذنا للتفكير مباشرة بدور عربي ما، بتجميع المستقبل والاشتراكي والقوات في هذه الجبهة. برأيك ألا يتناقض تشكيل جبهة مواجهة وطنية جديدة عريضة، مع شعار “كلن يعني كلن” ومع عقل وروح الثورة، التي أنتم جزءٌ مهمّ منها، أو ربما الحزب الوحيد المقبول في الشارع منها؟
دعنا أولًا نحدّد من نواجه، فإذا اتفقنا على هذه النّقطة، تصير الأمور أسهل. بالنسبة إلينا المنظومة لا يمكن فصلها عن عرّابها. نعتبر أنّ العرّاب لم يكن باستطاعته السّيطرة على المؤسسات من دون التعاون مع المنظومة والتلازم بينه وبين هذه المنظومة، إذا أردت أن أكون دقيقًا وعمليًّا في كلامي.
الثّورة لم تفشل أبدًا. كان هنالك موقف قويّ جدًّا في ساحة سمير قصير. لكن في موضوع الاغتيال لا أعرف ما إذا كانت مواجهته تتم كمواجهة الملفات الاقتصادية والاجتماعية
– تعني المافيا والميليشيا ؟
بالتأكيد. أنا اعتبر “المافيا والميليشيا” متلازمَيْن ولا يُمكن فصلهما. ولذا فإنّ هدف المواجهة هو أوّلًا إيجاد بديل سيّاسي في لبنان.
لا نستطيع العودة إلى الأشخاص أنفسهم، والمنطق نفسه وأن نتوقع نتيجة مختلفة. كم مرة سنعطي فرصًا ليعمل المسؤولون بطريقة مختلفة عن سابقاتها؟ هم لا يعرفون كيف يعملون بطريقة أخرى لأنّ هذا الـSoftware موجود في عقولهم. هدفنا هو أن نقدّم إلى اللبنانيين بديلًا سياسيًّا مختلفًا، أمّا طريقتهم فتقوم على أن يقوّي كلّ واحدٍ منهم نفسه في شارعه ليسيطر على قبيلته، ثم يجلسون على الطاولة ونرى كيف نُدير الـbusiness… حان الوقت أن يقدّم أحد ما إلى اللبنانيين خيارًا وطنيًّا لبنانيًّا يعبر الطوائف، هدفه الدفع باتجاه دولة القانون دولة الإنسان دولة المواطن الذي يحترم التعددية، والدولة التي تحترم تنوّع مجتمعها، مع التأكيد على أنّها في الوقت نفسه دولة قوية مع سلطة سياسية سيدة بقرارها، وهي تعمل من أجل الإنسان والمواطن اللبناني.
أوّل ضحية في طريقة عمل المنظومة (المافيا والميليشيا) كان المُجتمع المسيحي. فكم ضحكوا عليه بشعارات “وحدة الشارع المسيحي” و”الرئيس القوي”؟ وماذا كانت النتيجة؟ أكثر من يهاجر اليوم هم المسيحيون في زمن “الرئيس القوي”. في الوقت الذي استحدثوا “ثنائية مسيحية” استولوا خلالها على نصف الحكومة وأكثرية مقاعد المسيحيين في مجلس النّواب. لم يُشهَد في تاريخ لبنان هجرة للمسيحيين بالحجم الذي نراه اليوم، وهذا ينطبق على الشيعة والسنّة والدروز.
- الشيعة ممنوعة عليهم الهجرة. أكثريّة الدّول لا تمنحهم التأشيرات؟
بصراحة لو تمكّنوا من ذلك لن يتأخّروا عن الهجرة.
نحن لسنا مُستجدّين على السياسة. نحن حزب عمره 85 عامًا، وأنا أُناضل منذ 25 سنة ونفهم المجتمع اللبناني جيّدًا ومررنا بمراحل صعبة، أنا اليوم أتحدث إليك كشاب لبناني عندي ولدان، متزوّج وأعيش في هذا البلد.
أنا على قناعة أنّه إذا أردنا نتيجة مختلفة علينا تغيير الـSoftware، وإذا لم نفعل ستكون النتيجة نفسها. مشكلة هذا الـSoftware أنّه عقل مريض. هؤلاء جماعة مرضى، منذ 40 سنة يسيطرون على لبنان بالطريقة نفسها التي تضرب البلاد اقتصاديًّا وتهجّر خيرة شبابه. وبهذه الطريقة لن يبقى شيء من البلد. نحن نعيش في هذا المجتمع بين الناس ونرى حجم معاناتهم.
أوّل ضحية في طريقة عمل المنظومة (المافيا والميليشيا) كان المُجتمع المسيحي. فكم ضحكوا عليه بشعارات “وحدة الشارع المسيحي” و”الرئيس القوي”؟ وماذا كانت النتيجة؟
– ما هو العنوان الأساسي: انتخابات مبكّرة؟ استقالة الرئيس؟
تفصلنا سنة تقريبًا عن الانتخابات النيابية في 2022. كان لا بدّ من الانتخابات النيابيّة المُبكّرة عندما طرحناها قبل سنة ونصف السنة.
– ستخوضون هذه الانتخابات إن أقيمت على القانون القائم؟ إذ إنّ الوقت قد لا يسمح بإقرار قانون جديد؟
كنّا نتمنّى أن نخوضها وفق قانون جديد، نحن صوّتنا ضدّ القانون القائم ونتمنى تغييره، ولكن علينا أن نكون واقعيين: من الذي يعدّ قانون الانتخابات هل أنا أو أنت؟ وهل يعتقد أحد أنّ “المجلس الكارثي” سيقرّ قانونًا جديدًا؟
– يُحكى اليوم عن انتخابات فرعية قريبة، حيث إنّ هناك حوالى 11 مقعدًا شاغرًا بوفاة النائبين جان عبيد وميشال المُرّ؟ هل ستخوضونها في حال تمّت الدّعوة إليها؟
أنا أريد أن أسأل لماذا لم تتم الدعوة إلى انتخابات فرعية عندما استقلنا؟ ولماذا تتم الدعوة اليوم؟ هل هناك نواب درجة أولى ونواب درجة ثانية؟
بالنسبة إلينا الأولوية للانتخابات العامة. إذا أرادوا إجراء انتخابات فرعية فسنجتمع ونقرر ماذا نفعل.
– رغمَ مُطالبتكم الدّائمة بانتخابات مبكّرة، ما الذي يمنع أن تكرر انتخابات 2022 إنتاج الطبقة السياسية نفسها؟ إذ إنّ مجموعات الثورة لم تستطع أن تتوحّد حتى السّاعة.
-لا تُنال الأمور بهذه السّهولة. نحن نعمل على جمع قوى الثّورة الناضجة سياسيًّا، وعندها السيادة أولوية، وكذلك الإصلاح والمحاسبة. لن نستطيع جمع 100% من الناس، ولكن هذا لا يمنع من أنّ جبهة معارضة ستمثّل جزءًا كبيرًا من هؤلاء.
أنا أريد أن أسأل لماذا لم تتم الدعوة إلى انتخابات فرعية عندما استقلنا؟ ولماذا تتم الدعوة اليوم؟ هل هناك نواب درجة أولى ونواب درجة ثانية؟
المنظومة قد تحاول “تطيير” الانتخابات المقبلة وهذا تحدٍّ جديد. سنواجه بالتأكيد في الداخل والخارج عبر تشكيل “لوبي” يعمل لتكوين موقف دوليّ يمنع أيّ تأجيل للانتخابات، لأنّ هذا مسّ بحق الشعب اللبناني بتقرير مصيره، هذا مسّ بالحياة الديمقراطية في لبنان ومسّ بالدستور اللبناني، ومسّ بحق الشعب اللبناني بالقدرة على الانتقال إلى مكان آخر.
– العائق الأكبر أمام بناء الدولة هو وجود الدويلة والسلاح المهيمن على القرار. كيف سيتم التعاطي مع هذا السلاح؟ نزعه أو بقاؤه مرتبط بقرار دوليّ وليس بقرار محلي فكيف سيواجه حزب الكتائب والقوى الحليفة له موضوع هذا السلاح؟
نواجه من خلال مسارين: مسار خارجيّ ومسار داخليّ. سنستمر بالعمل انطلاقًا من لبنان أو باللوبي اللبناني في الخارج لتطبيق القرارات الدوليّة والدفع باتجاه موقف أمميّ من الوضع اللبناني الرهين بيد سلاح حزب الله. علينا أن نبقى صامدين في لبنان. في زمن 14 آذار لو لم يلتقِ السعي الداخلي مع السعي الخارجي، لما كان بقي أحد في لبنان. لا يمكن الاتكال فقط على الخارج، ولا يمكن الاتّكال فقط على الداخل.
– هل ترى لبنان خاليًا من السلاح؟ مُستقبلًا؟ وهل هذا مطلب واقعي؟
لو سألتني عام 2004 إذا كانت سوريا ستخرج من لبنان، لأجبتك: “ربّما أولادي يشهدون هذا اليوم”. لكن بغمضة عين وخلال شهرين كان السوري ينسحب من لبنان. علينا أن نتعلم من التجارب السابقة لنرى بوضوح المرحلة التي نمر فيها حاليًّا.
حان الوقت لإعادة النظر بطريقة إدارتنا للبنان، وهذا يتطلب مؤتمرًا وطنيًّا، والأولوية اليوم أن لا يعود هناك سلاح حتّى نستطيع التحاور مع بعضنا البعض بتساوٍ. ويجب أن نفكر كيف نبني البلد بطريقة جديدة، وهذا يتطلب أن يكون في المجلس النيابي شخصيّات تفكر بهذه الطريقة.
– هناك قوى جديدة منبثقة من الثّورة، إضافةً الى حزب الكتائب وغيره من قوى المعارضة، برأيك هل هناك أفق للتطوير بين مجموعات المعارضة؟ الى أين يمكن أن تصل وما هي حظوظه؟
أنا أتأمل أن نصل إلى إطار شراكة حقيقية ونمط مختلف. والشباب الذين نتعاون معهم يشبهوننا. هناك كوادر كثيرة تُفكّر بطريقة صحيحة. أنا آمل أن نقدّم للبنانيين نموذجًا مختلفًا عمّا عايشوه سابقًا، أولًا يكون عابرًا للطوائف، إطارًا واضحًا عنده فكر تغييري حقيقي، وفي الوقت عينه نريد فكرًا سياديّا لا يقبل المساومة، نموذجًا جديدًا في الحياة الوطنية يعطي الناس فرصتها.
هناك دورٌ مهمّ للإعلام لحماية هذه التجربة. لأنّ القوى السياسية التقليدية تكره هذه التجربة لخطرها عليها، ولهذا السبب علينا توقّع تشويه صورتها في الإعلام، وتوقّع هجمات علينا كالتي نواجهها منذ بداية تحرّكنا بهذا الاتجاه.
علينا أن نفتح باب الحلّ، عبر خرق هذا الجدار. على الذي يشكك فينا أن يعطينا فرصة، وإذا أخطأنا فليحاسبوننا. على الأقل حزب الكتائب لديه رئيس جديد انتخب عام 2015. ليُحاسبوني على قرار اتخذته كرئيس للحزب.
– هل عندكم تصوّر لنظام سياسيّ جديد؟ وهل ترى أنّ الشيعة مغبونون باتفاق الطائف؟ وهل أنت كسامي الجميل رئيس حزب الكتائب تقبل بمبدأ المداورة في الرئاسات؟
نحن عندنا تصوّر متكامل من الألف إلى الياء، وعندما يحين وقته نتحدث عنه. تصوّر مختلف تمامًا عمّا هو موجود، ولكن أنا لست مع فتح هذا النقاش في ظل وجود هذه المنظومة. لا أريد أن تكون هذه المنظومة هي التي تأخذ القرار نيابة عن اللبنانيين لـ30 سنة أخرى. هناك أمور في النظام السياسي اللبنانيّ بحاجة الى إعادة النظر ولا شكّ في هذا الموضوع. هناك أمور أساسية مثل اللامركزية إذا كنّا نبحث عن إنماء متوازن حقيقي. اللامركزية عليها أن تأخذ مكان الأحزاب والزعماء الطائفيين، وتصبح الدولة هي من تذهب عند المواطن وليس الأحزاب. وهذا لن يتم من دون اللامركزية. نحن بحاجة الى تطوير نظامنا السياسي ولكن هذا لا ينبغي أن يكون بيد المنظومة الحاكمة اليوم.
أمّا عن الشّق الثّاني من السّؤال، فلا أريد الآن فتح هذا النقاش قبل الوصول إلى طاولة نبحث فيها نظامنا ككلّ ولا أريد فتح سجالات، فالوقت غير مناسب لهكذا نقاش. اليوم عندنا أولويتان: الأولى مواجهة منظمومة المافيا والميليشيا “ميم- ميم” عبر الانتخابات، لأنّ الناس لديها القدرة على التغيير السّلمي. وثانيًا مناقشة موضوع السلاح. فمن غير المعقول أن تجلس كل النهار في مجلس النواب والحكومة مع من يضع المسدس على الطاولة. لا تستطيع بهذا المنطق أن تبني لبنان.
هناك دورٌ مهمّ للإعلام لحماية هذه التجربة. لأنّ القوى السياسية التقليدية تكره هذه التجربة لخطرها عليها، ولهذا السبب علينا توقّع تشويه صورتها في الإعلام، وتوقّع هجمات علينا كالتي نواجهها منذ بداية تحرّكنا بهذا الاتجاه
“التركيبة كلّها مش ظابطة”. لا التمثيل الشيعي صحيح ولا المسيحي كذلك، ولا السني. كلّ ذلك بحاجة الى إعادة نظر من منطلق المواطنة أولًا وأولويّة الإنسان، والثانية حماية التعددية. لكنّ الأولوية الأولى هي الإنسان اللبناني وبناء بلد قابل للحياة غير معطّل كل الوقت. السّوريّون أدخلوا على اتفاق الطائف بنودًا جعلت من النظام السياسي بحاجة دائمة إلى “حَكَم” يحسم بعض المسائل الغامضة وجعلت تعارض الصلاحيات بين المواقع الدستورية سببًا لكي يبقى دائمًا بحاجة إلى الحكم السوري.
– كيف ترى ما حصل في طرابلس من موضوع إحراق المحكمة الشرعية ومبنى البلدية من شقّين: الشق الأول عودة الحديث عن دخول داعش الى لبنان كما قال اللواء عباس ابراهيم من خلال أحداث طرابلس؟ وكيف ترى عدم تدخل الجيش والقوى الأمنية لمنع إحراق مبانٍ للدولة؟ وكيف هي علاقة الكتائب بطرابلس خصوصًا أنّك صهر المدينة وهناك حضور تاريخي للكتائب فيها؟
معيب جدًّا الكلام عن أنّ الطرابلسيين “داعشيون”، هذا انتهاك لكرامة أيّ مواطن لبناني. أحداث طرابلس هي نتيجة الفقر والحرمان. لا أستغرب أن يكون من حرق البلدية والسراي من الأجهزة الأمنية كي يقولوا بأنّ داعش موجودة في طرابلس. طرابلس هي عروس الثورة وتظاهرت على مدى عامٍ كامل، ولم نرَ أيّ شيء خارج المألوف، بالعكس كانت حضارية إلى أقصى الحدود، وأنا بصراحة تربطني علاقة عاطفية مع أهل طرابلس وهم يعرفون محبتي لهم وأنا أعرف محبتهم.
أما عن علاقتنا بالمدينة فنحن منذ عامٍ ونصف العام زاد نشاطنا بشكلٍ لافت في المدينة، صار عندنا مجموعة كبيرة من الانتسابات الجديدة وصلت إلى 220 طلبًا في آخر 8 أشهر، ونحاول بشكلٍ جدّي تطبيق تجربة جديدة في المدينة.
إقرأ أيضاً: أمين الجميّل (1/2): تاريخنا سيرة احتلالات.. من عبد الناصر إلى أبو عمّار وحافظ الأسد والخامنئي
– دائمًا هناك فترات من التراشق الكلامي بين الكتائب والقوات، هل هناك استحالة للتلاقي بينهما؟
نحن ماضون في مسارنا المختلف عن مسار الآخرين. هذا الأمر الذي لا يتقبله الكثيرون، فما هو ذنبي إذا كانوا لا يتقبلونه؟ “فمالنا ومالهم”… هم مقتنعون بخياراتهم ونحن مقتنعون بخياراتنا. الخيارات مختلفة عن بعضها.
– نحن مُقبلون على استحقاقات ليس فقط الانتخابات النيابية، بل هناك انتخابات رئاسية بعد أقل من سنتين. أنت وجه شاب ورئيس حزب تاريخي في الوسط المسيحي. فهل يمكن اعتبارك مرشحًا طبيعيًّا لرئاسة الجمهورية المقبلة؟
الأولوية عندنا اليوم هي لإيجاد مجلس نيابي بخيارات سياسية مختلفة عن الموجودة اليوم. نمشي خطوة خطوة، وبعدها لكل حادث حديث. لننتهي من الخطوة الأولى ولكي ننجح فيها التحدي كبير جدًّا: و”لمّا توصل عليها منصلي عليها”.
– هناك رأي في البلد بوجوب الحوار حتى أنّ البطريرك بالدعوة الى مؤتمر دولي وصف بأنّه شكل من أشكال الحوار برعاية دولية، برأيك نحن في زمن حوار مطلوب أو في زمن مواجهة؟
حوار حول ماذا؟ نحن اليوم رهينة، وهل رأيت رهينة تتحاور مع خاطفها؟ علينا أن نواجه، لأنّ الحوار سيحصل بين الدول لكنّ الحديث عن حوار داخلي جرّبناه كثيرًا، وشاركت في كل طاولات الحوار، ولكن للأسف الأمور ليست جديّة. “الشباب” يعملون بمنطق الاستقواء وليس بمنطق إيجاد حلولٍ لمشاكلنا. ويعملون وفق منطق السيطرة وليسوا في أجواء نقاش لإيجاد حلّ لمستقبل الشباب في هذا البلد.
المشكلة أنّنا نتعاطى مع طبقة سياسية لا تشعر مع الناس بل مصالحها هي الأساس. يبيعونك ويشترونك 700 مرة ويكذبون عليك ويخدعونك، والمهم مصلحتهم، لذلك نحن بحاجة إلى نوعية مختلفة من المسؤولين في لبنان. هؤلاء لا يمتلكون إحساسًا، والشعب اللبناني عليه أن يقرر في النتيجة هل يبقى رهينة هؤلاء الناس؟ أم عليه إعطاء فرصة لأمرٍ جديد مختلف على جميع المستويات؟
إقرأ أيضاً: سامي الجميّل: “عنيد” يحلم بمواجهة الجميع