ليست الأحداث المقبلة في الأشهر الأولى من العام الجديد أقلّ وطأة بأهمّيتها وخطورتها عن أحداث العام الماضي. لا بل يمكن القول إنّها قد تتخطّاها أهمية مع زخم الضغط الدولي والعربي تجاه لبنان على مستويين، أمني وسياسي.
– في الأمن تحذيرات جديّة جداً من تصعيد إسرائيلي يصل إلى العمق اللبناني تمهيداً لتسوية مع الحزب وإيران لتطبيق القرار الدولي 1701.
– وفي السياسة رئاسة تسبق أيّ اتّفاق أمني حول الحدود.
وفي الحالتين، اسم جوزف عون حاضر بقوّة. في الأمن عبر قيادة الجيش، وفي السياسة عبر الكلام عن أنّ الاستحقاق الرئاسي يفترض أن يسبق أيّ اتفاق أمنيّ. والكلام الجدّي اليوم الذي تحدّث به علناً رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، حول أنّ الإجماع أو التقاطع المحلّي والدولي على التمديد لقائد الجيش يمكن أن يتكرّر في الرئاسة.
فماذا ستحمل لنا الأشهر الأولى من هذا العام الجديد؟
الأيام المقبلة على لبنان ستكون حافلة بالأحداث وبزيارات دولية وعربية وزخم دبلوماسي لم تشهده بيروت منذ زمن، وبمفاوضات قاسية تُخاض تحت النار
بداية العام: ضغط أمنيّ وسياسيّ
يصل في الجزء الثاني من الشهر الأول من العام الجديد موفدان:
– موفد أمنيّ هو الأميركي آموس هوكستين الذي سيعرض الحلّ الأمنيّ الذي يفرض على لبنان تطبيق القرار الأمنيّ 1701 ضمن إطار إنشاء منطقة عازلة وتثبيت الحدود وانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلّة، أي كفرشوبا والغجر، ووضع مزارع شبعا تحت وصاية دولية. بالإضافة إلى بنود أخرى تتعلّق بحلّ الجمعيات التابعة للحزب والموجودة على الحدود تحت مسمّيات بيئية واجتماعية كـ”الأخضر بلا حدود”، وبمعالجة ظاهرة “دفاع الأهالي عن قراهم بوجه قوات اليونيفيل في حال قرّرت أيّ دورية أن تسلك طريقاً داخلياً”. وذلك يرتبط بشكل مباشر بآليّة عمل قوات اليونيفيل، وإنهاء المظاهر المسلّحة للحزب مقابل انتشار مكثّف للجيش واليونيفيل وتشكيل منطقة عازلة تشكّل ضمانة لإسرائيل بعدم حصول أيّ عملية أمنيّة مفاجئة عند حدودها الشمالية وضمان أمن مستوطناتها القريبة من الحدود.
– يصل أيضاً إلى بيروت موفد سياسي هو الفرنسي جان إيف لودريان الذي سيقدّم، ممثّلاً الأميركي والسعودي، طرحاً رئاسياً يهدف إلى انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت ممكن على أن يتمتّع الرئيس المقبل بمواصفات بيان نيويورك منذ أيلول عام 2022.
في الملفّ اللبناني مستجدّان أساسيّان:
– الأوّل أنّ مسار الحلّ في لبنان لم يعد مرتبطاً بمسار الحلّ في غزة لأنّ إنهاء الحرب في القطاع ليس قريباً مع الحديث عن استمرارها لأشهر عدّة، ولأنّ الحلّ السياسي ما بعد الحرب ليس ناضجاً بعد.
– الثاني أنّ المسارين اللبنانيَّين، السياسي والأمنيّ، سيكونان متلازمين في العمل، لكن ليس في النتائج، إذ تتحدّث مصادر دبلوماسية عن مسعى غربي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي قبل نضوج أيّ حلّ أمنيّ في الجنوب، وذلك ليكون رئيس الجمهورية المنتخب ممثّلاً للبنان في أيّ مفاوضات جدّية مقبلة وأيّ اتفاق أمنيّ مقبل على البلد من بوّابة حدوده الجنوبية. الكلام عن أولوية انتخاب رئيس قبل إجراء الاتفاق الأمنيّ مع لبنان والحزب بشكل خاصّ، لا يعني بحسب المصادر الدبلوماسية المتابعة أن تخضع الرئاسة لأيّ مقايضة سياسية مقابل الحلّ الأمنيّ المقبل. بل إنّ كلّ القوى الأساسية المعنيّة حقيقة بمستقبل لبنان تدرك أن لا رئيس جمهورية مقبلاً في قصر بعبدا إلا رئيس يمثّل توافقاً سياسياً شبه عامّ ويمثّل تقاطعاً محلّياً دولياً لإدارة المرحلة المقبلة بكلّ ما هي مقبلة عليه من قضايا حسّاسة ومفصلية وإصلاحية في آن معاً.
ليست الأحداث المقبلة في الأشهر الأولى من العام الجديد أقلّ وطأة بأهمّيتها وخطورتها عن أحداث العام الماضي. لا بل يمكن القول إنّها قد تتخطّاها أهمية مع زخم الضغط الدولي والعربي تجاه لبنان على مستويين، أمني وسياسي
جوزف عون: عنوان أمنيّ وسياسيّ
أمّا الحزب، بحسب مصادر مطّلعة على موقفه، فلا يزال متمسّكاً بمرشّحه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية حتى هذه الساعة، لكنّه في الوقت نفسه منفتح على النقاش في أسماء أخرى. لم يعد خطابه في الرئاسة جامداً كما كان في السابق. وهو أيضاً بحسب المصادر نفسها اكتشف أنّ كلّ ما تحدّث به عن رئيس يحمي ظهر المقاومة لا مجال لتطبيقه، لأنّ من يحمي المقاومة هي المقاومة، بالإضافة إلى دور الجيش اللبناني على الأرض في الجنوب أيضاً. لا يعني كلّ ذلك أنّ تخلّيه عن ترشيح فرنجية سيكون سهلاً. فهو سيبقى داعماً له إلى أن يقرّر فرنجية نفسه التنحّي عن الترشّح بنصيحة من أيّ طرف معنيّ بشكل مباشر بالاستحقاق، سواء من الرئيس بري الذي سيلعب دوراً مهمّاً في المرحلة المقبلة، أو من الموفد الفرنسي نفسه الذي سيعود حاملاً طرحاً أكثر وضوحاً هذه المرّة .
أمّا الشقّ الأمني فتقول مصادر مطّلعة على موقف الحزب إنّ تطبيقه مسؤولية إسرائيلية أوّلاً قبل أن تكون مسؤولية لبنانية: “فلتوقف إسرائيل خروقاتها ولتنسحب من الأراضي المحتلّة وعندها يصبح التطبيق ممكناً”. حينها فإنّ الانسحاب من جنوب الليطاني يمكن أن يعيد واقع الحال إلى ما قبل السابع من أكتوبر (تشرين الاول). وأمّا عناصر الحزب فهم أهل الأرض وبيئة الجنوب ولا يمكن اقتلاع العائلات من أرضها. و”العمل المقاوم” بوظيفته المبدئية موجود ومنصوص عليه في كلّ البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة، وهو أمر لا رجوع عنه.
الأيام المقبلة على لبنان ستكون حافلة بالأحداث وبزيارات دولية وعربية وزخم دبلوماسي لم تشهده بيروت منذ زمن، وبمفاوضات قاسية تُخاض تحت النار.
رئاسياً، وبالعودة أسابيع فقط إلى الخلف، لا بدّ أن نتذكّر الارتباك الذي كان قائماً حول حصول التمديد من عدمه والكلام عن استعادة تجربة .المدير العام السابق للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، الذي سقط التمديد له في اللحظات الأخيرة. ولا بدّ من استعادة الكلام حول حصول التمديد في مجلس الوزراء لفتح باب الطعن فيه وإسقاطه لاحقاً، ثمّ انتقاله في اللحظات الأخيرة إلى مجلس النواب حيث أصبح قانوناً وسقطت كلّ السيناريوهات السابقة.
إقرأ أيضاً: عام جديد مفتوح على المبادرات.. فهل تُنتج رئيساً؟
كان ذلك للبعض مشهداً غامضاً، لكن للبعض الآخر كانت نتيجته واضحة مسبقاً، وذلك لوجود إرادة محلية دولية لحصول تمديد دستوري غير قابل للطعن، تزامناً مع توجّه داخلي لقائد الجيش بالانفتاح على القوى المختلفة، وهو ما برز في دعوته رئيس تيار المردة سليمان فرنجية إلى العشاء، وزيارته وزير الدفاع موريس سليم لطيّ صفحة الخلافات والتأسيس لمرحلة جديدة.
وعليه، كلام رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الأخير كان خير معبّر عن مدى أهمية التمديد الذي تُرك فيه باسيل وحيداً. هذه المرّة قرّر رئيس التيار أن يذهب بعيداً في حربه مع جوزف عون أولاً، وفي اتّهامه الحزب بالرضوخ للخارج ثانياً. ولهذا الكلام صلة لما سيكون له من تداعيات على الساحة السياسية في المستقبل غير البعيد.