عام 2024 هو عام بدء استحقاقات حالة السيولة وعدم التيقّن والارتباك في العالم المأزوم الذي يصارع على المنافسة على إدارة شؤون العالم وفق موازين جديدة للقوى.
نتيجة ذلك بدأت مجموعة من الصراعات العسكرية والعقوبات والمواجهات الاقتصادية والحملات الدعائية بالتمهيد لـ3 أمور:
1- تحديد أحجام القوى العالمية والترتيب الجديد لها.
2- تحديد قواعد اللعبة.
3- سعي كلّ طرف إلى الوصول إلى أفضل مركز يمكّنه من الحصول على أكبر قدر من عملية تقسيم النفوذ.
وسط ذلك يبحث العالم العربي والشرق الأوسط عن مكان مؤثر في هذه العناصر مخافة أن يدفع وحده الثمن الباهظ لمسألة تقاسم النفوذ الدولي على المصالح والثروات والمواقع الاستراتيجية لدول المنطقة.
متى يظهر هذا المخطّط إلى العلن؟
أخطر ما يمكن أن يتطوّر في العام المقبل هو انكشاف الجانب المصلحي الاقتصادي التجاري لعمليات الصراع التي تبدو للوهلة الأولى محلية إقليمية ذات دوافع قومية أو طائفية أو إرهابية.
ذلك الغطاء سوف يكشف حينما يظهر أنّ مشروع تفريغ غزة من سكّانها ما هو إلا تمهيد لتأمين مشروع الممرّ الاقتصادي للتجارة وتمهيد لبدء استكشاف آمن لكميّات الغاز التريليونية التي تكشف عنها صور الأقمار الصناعية في بحر غزة.
وسوف نكتشف ذلك مع بدء عمليات الاستكشاف التركية مقابل السواحل الليبية.
وسوف نتأكّد من هذا المخطّط بعد أن تفرض إيران أتاوات سياسية على حقّ المرور في البحر الأحمر وبحر عدن وباب المندب.
رسميّاً يمكن توقّع إحجام الكثير من القيادات العربية، ذات العلاقات التاريخية مع واشنطن، عن بناء الثقة بأيّ وعود أميركية أو مشروعات أو تحالفات استراتيجية
وسوف يصير ذلك أكثر وضوحاً حينما تبدأ الشركات الأميركية العاملة في سوريا بحراسة قوات أميركية خاصة بزيادة عمليات استكشاف النفط.
وسوف نكتشف ذلك حينما نشهد إعلان اتفاق أميركي – إيراني، يضمن بواسطته حلفاء طهران في لبنان تأمين عمليات استكشاف حقول الغاز اللبنانية.
الروزنامة الدوليّة – الحربيّة
كلّ ذلك سوف يتبلور شكليّاً وتتطوّر إجراءاته الاقتصادية التنفيذية تدريجياً، لكن مع ارتباطه بالجدول الزمني لمجموعة أحداث تطبّقها “روزنامة محدّدة سلفاً”، وهي التالية:
1- قرار محكمة النقض الأميركية يوم 9 كانون الثاني المقبل بتأييد حكم محكمة محلّية يمنع قيام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بإعادة ترشيح نفسه، ونزع الحصانة عن قراراته السابقة، على أساس مادّة صريحة بأنّ أيّ موقف رسمي تنفيذي يشارك في أيّ عمل فيه تمرّد على أنظمة أو مؤسّسات الدولة يُمنع القائم به من ممارسة أيّ دور سياسي بعده.
2- تطوّر مسارات الانتخابات الرئاسية الأميركية وخضوع كلّ من ترامب والرئيس الحالي جو بايدن لضغوط قد تؤدّي إلى استبعادهما معاً من سباق الانتخابات.
يُستبعد ترامب في حال أيّدت محكمة النقض الأميركية ودعمتها المحكمة الدستورية العليا منعه من إعادة ترشيح نفسه ودخول السباق.
يُستبعد بايدن في حال أدانته بأنّ له دوراً في تغطية فساد ابنه هنتر، بالتزامن مع انخفاض شعبيّته بشكل غير مسبوق، بالنسبة إلى رئيس حاكم ولدقّة حالته الصحّية والشكوك في رجاحة قدراته العقلية بسبب الشيخوخة.
3- الموعد الثالث هو دخول نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلّه في حالة اختبار دقيق على أبواب الانتخابات الرئاسية الجديدة، وظهور آثار مدى الرضا أو الرفض لسياسته الداخلية ولنتائج وكلفة حربه مع أوكرانيا.
4- 7 تواريخ أساسيّة:
بالطبع هناك روزنامة اجتماعات جوهرية مثل:
– اجتماع مجموعة العشرين.
– اجتماع الدول الصناعية الـ7.
– اجتماع قمّة الأطلسي.
– احتمال لقاء قمّة بين الرئيسين الصيني والأميركي.
– اجتماع قمّة البريكس بعد تشكيلها الجديد.
– الاجتماع السنوي لمجموعة أوبك بلاس.
– القمّة العربية والقمّة الإفريقية وقمّة دول الباسيفيكي.
كلّ ذلك يفرض نفسه إجبارياً على رؤية أيّ صانع قرار في منطقتنا. وهو ما يطرح السؤال الأهمّ: ماذا يفعل اللاعب العربي أمام قواعد اللعبة المرتبكة التي تعيش مرحلة التشكيل؟
لكنّ من هم اللاعبون؟
مثل هذه اللعبة تحتاج إلى 3 عوامل:
1- اللاعب القديم سوف يدفع الثمن بالخروج من اللعبة إن لم يفهم جيّداً حقيقة واقع حال اللعبة الذي يعيش مرحلة طور التشكّل.
2- من الأفضل أن تساهم في صناعة القواعد حتى لا يقوم الكبار بإلزامك بدفع الثمن الباهظ بسبب غياب دورك.
3- هناك لاعبون انتهت بالضرورة صلاحيّتهم السياسية، وفات زمنهم الافتراضي، ولذلك لا بدّ من استبدالهم. وعام 2024 هو عام إنهاء دور بعض اللاعبين وتجهيز النظم والشخصيات البديلة لهم.
بناء عليه سوف نتوقّع أن نرى الآتي:
1- في إسرائيل: ذهاب رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتانياهو وتحالفه.
2- في فلسطين: ذهاب السلطة ورئيسها محمود عباس.
3- في غزّة: نزع سلاح حماس وتهجير قادة القسّام إن لم يتمّ نفيهم أو اعتقالهم.
4- البحث عن بديل شيعي للقيادة الشيعية التي يمكن أن تتعامل مع واشنطن وطهران في آن واحد.
5- في لبنان: مخاطر تسليم الملفّ وفق صفقة أميركية إيرانية، للثنائي الشيعي.
6- في الجزائر: محاولات تليين موقف القيادة من بعض الصراعات في المنطقة.
7- في ليبيا: التمهيد للتخلّص من حفتر في الشرق والدبيبة في الغرب.
8- في اليمن: الإصرار الأميركي على الاستمرار في العمل مع الحوثيين، لكن بقيادة أكثر اعتدالاً من أجل ضمان 4 ملفّات:
– مسارات التجارة في باب المندب.
– سلامة الحركة في البحر الأحمر.
– ضمان عدم الاعتداء على الأهداف والقطع البحرية الإسرائيلية والأميركية.
– استخدامهم كورقة “لملاعبة الرياض”.
عودة “العنف الثوريّ” ضدّ أميركا
كلّ هذه الملفّات بدأت إرهاصاتها تظهر بخجل في العقد الأخير وأخذت تتطوّر حتى بدأ انكشاف الغطاء عنها.
وربّما أسوأ وأخطر انكشاف هو ما نتابعه يومياً من طبيعة الدور الأميركي في أزمة غزة.
وما يمكن قوله، دون تعسّف ضدّ واشنطن، هو أنّ سلوك إدارة بايدن في الدعم غير المشروط والتدليل السياسي المفتوح لجرائم نتانياهو ورغبات جيش إسرائيل الوحشية، قد ظهر في عدّة مواقف منذ يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول). لكنّ أكثر هذه المواقف ضرراً لسمعة واشنطن السياسية هي الإصرار الأميركي على التصدّي لمبدأ الإيقاف الفوري لإطلاق النار، ومحاولة شراء الوقت الدموي لمصلحة استمرار إسرائيل بالقتل والتشريد والتجويع.
إقرأ أيضاً: نتانياهو “الولاية الخاسرة” في معركة بايدن!
هذا السلوك الأميركي سوف يؤدّي في العام المقبل والمستقبل القريب إلى بداية مرحلة سوداء من “المشاعر المعادية لأميركا بين العرب والمسلمين”، ويتوقّع أن تظهر قوى تمارس “العنف الثوري” أو “العنف الديني” ضدّ أهداف ومصالح أميركية كردّة فعل اتجاه السلوك الأميركي في غزة.
ورسميّاً يمكن توقّع إحجام الكثير من القيادات العربية، ذات العلاقات التاريخية مع واشنطن، عن بناء الثقة بأيّ وعود أميركية أو مشروعات أو تحالفات استراتيجية.
خير دليل على ذلك إحجام كلّ من مصر والسعودية والإمارات عن المشاركة والانضمام إلى التحالف البحري الأميركي في البحر الأحمر، على الرغم من الأولوية الاستراتيجية لهذا المشروع بالنسبة لهذه الدول.
عام 2024 هو عام نضوج الجراح السياسية وارتهان المواقف، بانتظار معرفة من هو الرئيس المقبل في واشنطن وما هو مستقبل بوتين وما هي حالة المرشد الأعلى الإيراني.
إنّه عام نضوج تفاصيل ونهايات الصراعات.
ذلك كلّه يرشّح 2024 أن يصبح بالفعل، عام “وجع الوجع”!
لمتابعة الكاتب على تويتر: Adeeb_Emad@