“الفجوة الماليّة” تُجوِّف الحكومة

مدة القراءة 5 د

بعد نحو عام من انقضاء العام الأوّل للعهد الذي دُشّن بانتخاب قائد الجيش جوزف عون رئيساً للجمهوريّة في 9 كانون الثاني، ثمّ إعلان مراسيم حكومة نوّاف سلام في 8 شباط، لا يمكن الحديث بالطبع عن انطلاقة مريحة، أو سليمة، توحي بأنّ الحلول الموعودة على المستويات الأمنيّة والعسكريّة والماليّة والاقتصاديّة هي مسألة وقت فقط. والضربة الكبرى أتت من الحكومة نفسها.

 

 

أُصيبت حكومة سلام بـ”عمى” التضامن الوزاريّ حين خرج من “بيئتها الحاضنة” مَن اعتبر أنّ مصائر مال اللبنانيّين “صار اسمها فجوة ماليّة”، ونعني به نائب “الكتائب” الياس حنكش الممثَّل حزبه في الحكومة بوزيرين.

لم يكن موقف “القوّات اللبنانيّة” الذي صوّت ضدّ مشروع الحكومة أفضل حالاً. إذ وسّع نائب “القوّات” فادي كرم البيكار ليسأل نائب رئيس الحكومة طارق متري: “مع اعتبار متري أنّ أسباب المعترضين على مشروع الفجوة الماليّة سياسيّة، ومع قوله إنّ مسألة السلاح تُحلّ بالتراضي، نتساءل: لماذا أقدم، هو ومن يشاركه الرأي، إلى مواقع المسؤوليّة ما داموا غير مستعدّين لتحمّل مسؤوليّة إعادة بناء الدولة وتحريرها من الدويلة ومن الفاسدين؟”.

بتأكيد كثيرين كان نائب “القوّات” يصيب بحجره قصر بعبدا أيضاً، بعدما كان رئيس الجمهوريّة قد أكّد قبل أيّام، خلال مشاركته في قدّاس بكركي الميلاديّ، أنّ “قرار حصر السلاح اتُّخذ والتنفيذ وفقاً للظروف”. أعلن “القوّات” حربه على مشروع الحكومة لإنقاذ الودائع حين ارتأى كشف جزء من المداولات السرّيّة لمجلس الوزراء بتأكيده اعتراض وزراء “القوّات” الأربعة وتقديمهم “مقاربة بديلة تقوم على تحديد المسؤوليّات وتأكيد آليّة المحاسبة، والتعاطي مع الودائع كملكيّة خاصّة محميّة دستوريّاً، ومنح الأولويّة للحالات الأكثر تأثّراً، لكنّ الاستعجال كان سيّد الموقف”.

أُصيبت حكومة سلام بـ”عمى” التضامن الوزاريّ حين خرج من “بيئتها الحاضنة” مَن اعتبر أنّ سرقة مال اللبنانيّين “صار اسمها فجوة ماليّة”

مع ذلك، لم يتجاوز أحدٌ موقف رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي في توصيف مشروع الحكومة باعتباره “إعداماً للودائع المقدّسة”. هو المشروع نفسه الذي يرأس التوقيع عليه وتبنّيه وزير المال ياسين جابر، “الوزير الأوّل” للرئيس برّي المُعتَمَد في الحكومة. وتفيد المعلومات بأنّ زيارة رئيس الحكومة للرئيس برّي في عين التينة أمس، تضمّنت في جزءٍ كبيرٍ منها تقديم سلام لبرّي إحاطة كاملة للمشروع، وتوضيح نقاط الالتباس بعدما فوجئ بموقف رئيس المجلس السلبيّ منه.

تتوقّع مصادر سياسيّة “مصيراً بائساً للمشروع في مجلس النوّاب، بعد خروجه من “مطحنة اللجان”. مع العلم أنّ مدّة العقد الاستثنائيّ لشهرين لن تكون كافية لإحالته إلى الهيئة العامّة ومناقشته وإقراره”، مشيرة إلى أنّ “التضامن الوزاريّ بشكل عامّ مصاب بعطب جوهريّ يفضحه العديد من مداولات جلسات الحكومة، والتمايز بين ما يُقال في الداخل وما يُصرَّح به في الخارج”.

لكنّ مصير “الصوت الموحّد والمتضامن” للحكومة حيال ملفّ حصريّة السلاح أكثر بأساً بالتأكيد. ويأتي العطب من موقعين أساسيَّين:

– الغضب “القوّاتيّ” المستمرّ على الإدارة الرئاسيّة والحكوميّة المتمنّعة حتّى الآن، بتأكيد رئيس الحزب سمير جعجع، عن إعلان حظر “الحزب المسلّح”، وفرض نزعه للسلاح فوراً. أزعج موقف وزير الخارجيّة يوسف رجّي أخيراً، وفق المعلومات، عون وسلام بشكل كبير، “إذ تحوّل بموجبه وزير الخارجيّة إلى “ناشط سياسيّ” يروّج لما يخدم أجندة حزبه عبر قوله إنّ “هناك خيبة أمل في واشنطن حيال ما نقوم به، فيرى البعض في واشنطن أنّنا لا نتحرّك بالسرعة الكافية ولا نقوم بما يكفي. قد يكونون على حقّ، ولن أعلّق”.

– الحزب الذي يُجاوِر “القوّات” في الحكومة أعلن، بلسان أمينه العامّ الشيخ نعيم قاسم، العصيان الكامل على التزام المرحلة الثانية من خطّة الجيش شمال الليطاني، وكلّ المراحل الأخرى، ما لم تنسحب إسرائيل وتوقف اعتداءاتها، ويتمّ تحرير الأسرى، والبدء بإعادة الإعمار.

الحزب الذي يُجاوِر “القوّات” في الحكومة أعلن، بلسان أمينه العامّ الشيخ نعيم قاسم، العصيان الكامل على التزام المرحلة الثانية من خطّة الجيش شمال الليطاني

لذلك تُطرح علامات استفهام كبيرة عن نقطتين جوهريّتَين:

* المقاربة التي ستعتمدها الحكومة في إعلان جنوب الليطاني منطقة “نظيفة” من السلاح وإنجاز مهمّة الجيش فيها، بعد تقديم تقريره النهائيّ في أوّل جلسة لمجلس الوزراء مطلع العام المقبل، وذلك وسط حالة احتلال إسرائيليّة للجنوب وللبنان برمّته عبر الاغتيالات والمسيّرات. تؤكّد المعلومات أنّ الحكومة قد لا تسلم من خضّة إعلان انتقالها إلى المرحلة الثانية شمال الليطاني، في ظلّ حالة الاحتلال للمواقع الحدوديّة الخمسة، وتثبيت المنطقة العازلة.

* ما هي تداعيات رفض “الحزب” “التعاون وتسليم السلاح والأنفاق” في شمال الليطاني كما حصل في جنوبه، وهل يمكن أن يشكّل ذلك مُحفِّزاً لتوسيع العدوّ الإسرائيليّ شريط عمليّاته العسكريّة نحو العمق الجنوبيّ؟ وفق المعلومات ثمّة قرار مشترك لدى الجيش و”الحزب” بعدم التصادم، وحتّى عدم بروز “الحزب” في الواجهة الميدانيّة على الأرض في حال قرّرت الحكومة المضيّ في نزع السلاح شمال الليطاني، من دون إقدام إسرائيل على أيّ خطوة مقابلة، كالانسحاب مثلاً من موقع أو اثنين على الحدود، أو وقف اعتداءاتها.

إقرأ أيضاً: ثلاث معارك ومصير الانتخابات مجهول

 

لمتابعة الكاتب على X:

@MalakAkil

مواضيع ذات صلة

أرض الصّومال وإسرائيل: تهجير الفلسطينيّين إلى القرن الإفريقيّ؟

في وقتٍ ينشغل فيه العالم بتداعيات الحرب على غزّة، تتكشّف بهدوء مسارات سياسيّة وجيوسياسيّة تعيد إلى الواجهة عنوان التهجير القسريّ للفلسطينيّين، لكن هذه المرّة نحو…

من يُدخل “ضبّاط” الأسد إلى لبنان؟

دقّ اغتيال قائد مجموعة “الطّراميح” غسّان السّخني جرسَ إنذارٍ جدّيّ في لبنان يرتبطُ بنقطتيْن: – مسألة وجود القيادات العسكريّة والميدانيّة والأمنيّة لنظام بشّار الأسد في…

ثلاث معارك ومصير الانتخابات مجهول

ما هو مصير قانون الانتخابات على بُعد أربعة أشهر ونصف فقط من الموعد المفترَض لإجراء الانتخابات النيابيّة؟ هل تقود خطوة رئيس الجمهوريّة جوزف عون بتوقيع…

قانون الفجوة: قدر لا مفرّ منه..

بعد تأخير ستّ سنوات، أقرّت حكومة نوّاف سلام، بالتصويت، مشروع قانون الانتظام الماليّ واستعادة الودائع، وسجّل تسعة وزراء اعتراضهم (تمارا الزين، راكان ناصر الدين، محمّد…