من زنزانته، رفض السياسيّ الإصلاحيّ الإيرانيّ نائب وزير الداخليّة الإيراني الأسبق مصطفى تاج زاده فكرة انتظار وفاة المرشد الأعلى لإحداث التغيير، معتبراً أنّ تحوّلات كبرى يمكن أن تحدث في حياته، وأنّ هذا المسار أقلّ كلفة واضطرابات. ودعا إلى إنهاء حكم رجال الدين بوسائل سلميّة وديمقراطيّة.
أجرت مجلّة “لو بوان” الفرنسيّة مقابلة مطوّلة مع تاج زاده الذي يعدّ أحد أبرز وجوه التيّار الإصلاحيّ منذ بداية التسعينيّات. أرسلت الأسئلة إلى داخل سجن “إيفين” في طهران، حيث أمضى تاج زاده البالغ من العمر 69 عاماً نحو 16 عاماً مع فترات إفراج مؤقّت بسبب مواقفه المؤيّدة للجناح الإصلاحيّ في الجمهوريّة الإسلاميّة قبل أن ينفصل عن النظام.
شغل تاج زاده مناصب حكوميّة لافتة، من بينها: نائب وزير الداخليّة للشؤون السياسيّة في حكومة الرئيس الأسبق محمّد خاتمي من عام 1997 إلى 2005، ثمّ القائم بأعمال وزير الداخليّة بعد استجواب وزيرها عبدالله نوري. تعرّض مثل قيادات إصلاحيّة أخرى لمحاكمات بعد الانتخابات الرئاسيّة عام 2009، فسُجن حتّى عام 2016 بتهمة “التجمّع والتآمر ضدّ الأمن القوميّ” و”الدعاية ضدّ النظام” لتأييده الحركة الخضراء عام 2009 التي عارضت إعادة انتخاب الرئيس المحافظ المتشدّد محمود أحمدي نجاد.
سياسة محكومة بالفشل
عام 2021 أعلن تاج زاده عزمه الترشّح في الانتخابات الرئاسيّة، في خطوة حملت رسائل رمزيّة أكثر ممّا كانت محاولة للوصول إلى السلطة، لكنّ مجلس صيانة الدستور رفض ترشيحه كما حدث مع رموز إصلاحيّين آخرين. وأُعيد اعتقاله في تمّوز 2022، وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة “التآمر ضدّ أمن الدولة”.
أكّد تاج زاده في إجابات أُرسلت إلى المجلّة الفرنسيّة من زنزانته أنّ السجن جعل صوته مسموعاً أكثر. وقال إنّه لا يحمل “أيّ ضغينة تجاه محقّقي الحرس الثوريّ، أو القضاة الذين حكموا عليه ظلماً، أو غيرهم من عناصر النظام القمعيّ”، معتبراً أنّ الحقد يُحوِّل الإنسان إلى سجين داخليّ حتّى بعد الإفراج عنه.
رفض تاج زاده فكرة انتظار وفاة المرشد الأعلى لإحداث التغيير، وفضّل أن تحدث تحوّلات عميقة وشاملة في حياة آية الله خامنئي
تمنّى تاج زاده أن تُدرك السلطات الإيرانيّة أنّ المداهمات والاعتقالات ليست رادعاً، وأنّ الإفراج الفوريّ عن المعتقلين سيُلحق ضرراً أقلّ بكثير بالنظام السياسيّ من إبقائهم في السجن. وقال إنّ “السجن أصبح حصناً لمقاومة الاستبداد وشوكة في خاصرة الطغاة. في ظلّ الجمهوريّة الإسلاميّة، أصبح السجن أقلّ فعّالية من أيّ وقت مضى، وفقد تأثيره الرادع السابق. تتضاءل قدرة سلطات السجون على تعذيب نزلائها. ويُغيّر تراكم المشاكل وتلاشي الخوف لدى العديد من المواطنين موازين القوى. تخشى اليوم السلطات الشعب أكثر ممّا يخشى الشعب السلطات”.
في ما يتّصل بحرب الأيّام الاثني عشر بين إيران وإسرائيل في حزيران 2025، اعتبر تاج زاده أنّ “كلا الطرفين فشل في تحقيق أهدافه. فإسرائيل لم تنجح في شلّ القدرات العسكريّة الإيرانيّة، بينما لم ينهض الشعب الإيرانيّ لدعم النظام أو اعتبار القصف “تحريراً”. حتّى السجناء السياسيّون، كما قال، لم يروا في قصف سجن إيفين فرصة للفرار. وأمل أن تكون هذه الحرب قد بدّدت أوهام التصعيد لدى الجانبين.
أمّا تشديد القمع بعد الحرب ففسّره تاج زاده باعتقاد النظام أنّ خطر المواجهة الخارجيّة تراجع مؤقّتاً، وهو ما أتاح له العودة إلى سياسة “الحكم بالخوف”. لكنّه رأى أنّ هذه السياسة محكومة بالفشل لأنّ المجتمع الإيرانيّ يرزح تحت أزمات متراكمة اقتصاديّة وبيئيّة واجتماعيّة بدءاً بالتضخّم والفقر والفساد وانتهاء بالجفاف والتلوّث. واعتبر أنّ هذه التراكمات أضعفت النظام إلى حدّ لم يعد قادراً معه على إخضاع المجتمع بالكامل.
شرح تاج زاده تحوُّله من إصلاحيّ يسعى إلى التغيير من داخل النظام إلى داعٍ إلى تغييره جذريّاً، موضحاً أنّ محاولات الإصلاح اصطدمت بجدار المرشد الأعلى الذي قرّر تركيز السلطة بالكامل بيده، وهو ما أدّى إلى إقصاء الإصلاحيّين وتعطيل مؤسّسات الدولة. لكنّه رفض في الوقت ذاته أيّ تغيير عنيف، مؤكّداً أنّ “العصيان المدنيّ والمقاومة السلميّة قادران على إجبار رجال الدين على التخلّي عن امتيازاتهم، كما حدث في قضيّة الحجاب”.
انتقد تاج زاده السياسة الإقليميّة الإيرانيّة التي ركّزت على “محور المقاومة” على حساب رفاه الإيرانيّين
تغيير السّياسات الإقليميّة
من هذا المنطلق، دعا تاج زاده إلى تغيير دستوريّ شامل عبر انتخاب جمعيّة تأسيسيّة وإلغاء مبدأ “ولاية الفقيه”. وأشار إلى أنّ جذور الأزمة الإيرانيّة تكمن في بنية السلطة الدينيّة المتقادمة وتدخّل المرشد في كلّ مفاصل الدولة وإقصاء الكُفاة من أجل الولاء. وعلى الرغم من اعترافه بأنّ هذا الطرح يبدو صعب التحقيق، رآه الحلّ الأكثر أماناً وسلميّةً عند وقوع أيّ أزمة كبرى.
رفض تاج زاده فكرة انتظار وفاة المرشد الأعلى لإحداث التغيير، وفضّل أن تحدث تحوّلات عميقة وشاملة في حياة آية الله خامنئي لأنّ هذا المسار سيُقلّل من التوتّر داخل الحكومة، وربّما في المجتمع، مقارنةً بانتظار وفاته أو استقالته أو عزله. وشبّه الوضع الإيرانيّ الحاليّ بالاتّحاد السوفيتي في أواخر عهده، محذّراً من أنّ أزمة الخلافة تمثّل تحدّياً وجوديّاً للنظام لا يمكن تأجيله دون ثمن باهظ. وأكّد أنّ إخفاقات النظام أضعفت معنويّات أجهزته القمعيّة، وأنّ الاحتجاجات المقبلة ستكون ذات طابع اقتصاديّ ولن يمكن قمعها بالقوّة.
جذور الأزمة الإيرانيّة تكمن في بنية السلطة الدينيّة المتقادمة وتدخّل المرشد في كلّ مفاصل الدولة
في الشأن الدولي، انتقد العقوبات الاقتصاديّة، معتبراً أنّها تضرّ بالمجتمع أكثر ممّا تضرّ بالسلطة، وتمنح النظام ذرائع لتشديد القمع. وعارض امتلاك إيران للسلاح النوويّ، ودعا إلى اتّفاق نوويّ جديد وتفاهم شامل مع الغرب. إلى ذلك عارض بشدّة أيّ تدخّل عسكريّ خارجيّ لإسقاط النظام، محذّراً من أنّه سيؤدّي إمّا إلى كارثة إنسانيّة أو إلى قيام حكم عسكريّ أكثر قسوة. وقال إنّ الحفاظ على استقلالنا الوطنيّ وسلامة أراضينا لا يتطلّب مواجهة مع الولايات المتّحدة. على العكس، تعتمد تنمية إيران على إقامة علاقات كاملة ومتوازنة مع أميركا وأوروبا. المبدأ الأساس هو ألّا يتدخّل أيّ بلد أجنبيّ في الشؤون الداخليّة لإيران. أمّا تدمير إسرائيل أو طرد الولايات المتّحدة من الشرق الأوسط فليس مهمّتنا ولا في مقدورنا.
انتقد تاج زاده السياسة الإقليميّة الإيرانيّة التي ركّزت على “محور المقاومة” على حساب رفاه الإيرانيّين، داعياً إلى علاقات متوازنة مع الولايات المتّحدة وأوروبا دون التخلّي عن الاستقلال الوطنيّ. وقال: “كان ينبغي للجمهوريّة الإسلاميّة تغيير سياستها الإقليميّة قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل، وذلك لسببين: من جهة أعطت الأولويّة لتقوية “محور المقاومة” متجاهلةً تنمية إيران ورفاهية الإيرانيّين، ومن جهة أخرى كانت البلاد آنذاك في وضع أفضل بكثير كان سيُمكّنها من الحصول على مزيد من التنازلات في المفاوضات مع الولايات المتّحدة.
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا
