ثمّة خلاصة أساسيّة لزيارة الموفد الرئاسيّ الفرنسيّ جان- إيف لودريان، والموفدين الدوليّين الذين زاروا لبنان أخيراً، مفادها: “استاتيكو الضغط العسكريّ – السياسيّ مستمرّ على لبنان. والتفاوض المدنيّ لن تبدأ ثماره بإنجاز الانسحاب الإسرائيليّ النهائيّ قبل حصد “محصول” سلاح “الحزب” أوّلاً”. ثمّة قناعة مقابلة تعكسها إحدى المرجعيّات الرئاسيّة بوضوح: “لن تكون هناك ضربة إسرائيليّة كبرى للبنان، وإن حصلت الضربة فستوجَّه لإيران”. كما برز حديث السفير الاميركي ميشال عيسى عن “احتواء السلاح شمال الليطاني إذا تعذّر نزعه”، ما يطرح تساؤلات حول الآلية التي ستحكم حصر السلاح ما بعد جنوب الليطاني. (هذا الحديث نقل عن عيس خلال عشاء أقامه النائب فؤاد المخزومي، وتمّ نفيه لاحقاً بعد لقاء الدكتور سمير جعجع).
تقول أوساط سياسية بارزة لـ”أساس” إنّه مقابل “التسلسل الزمنيّ لِما أعلنه الرئيس نبيه برّي بشأن مفاوضات الناقورة، من ضرورة البدء بالانسحاب الإسرائيليّ وانتشار الجيش اللبنانيّ وحصر السلاح بيد الدولة”، تتصرّف إسرائيل، بدعم أميركيّ، بخلافه تماماً وفق الأولويّات الآتية: “نزع السلاح جنوب الليطاني، وشماله بالتزامن مع انتشار الجيش اللبنانيّ، تمهيداً لانسحاب إسرائيليّ شرطه المنطقة العازلة بـ”مواصفات” إسرائيليّة”.
بالتزامن مع عرض قيادة الجيش تقريرها الرابع بداية العام، المُفترض أن يُكلّل المرحلة الأولى من خطّة الجيش جنوب الليطاني، تُرجِم استاتيكو الضغط الإسرائيليّ المُكثّف أمس بمزيد من الغارات الإسرائيليّة العنيفة شمال الليطاني وتحليق المسيّرات فوق البقاع، التي ادّعى العدوّ أنّها لمهاجمة مجمّعات عسكريّة وتدريبيّة لقوّة “الرضوان”، وهو ما يأذَن ببدء “الشغل الإسرائيليّ” المُركّز شمال النهر.
تفيد معلومات “أساس” أنّ المدير العامّ للأمن العامّ اللواء حسن شقير وضع المعنيّين بصورة لقاءاته التي أجراها في العراق أخيراً
هذا ما سيُشكّل لاحقاً ورقة ضغط على الجيش نفسه للتعامل مع شمال الليطاني بموجب الآليّة نفسها التي حَكَمت عمله جنوب النهر، بالتنسيق مع “الميكانيزم”. ثمّة من يؤكّد في هذا السياق أنّ “الحزب لن يكون بوارد الاصطدام بالجيش، لا شمال الليطاني ولا في البقاع أو الضاحية، لكنّ له مقاربته الخاصّة التي لن تسمح للإسرائيليّ بـ”قطع رأسه”. هنا تفيد معلومات “أساس” حول التوجّه لتمديد العمل بخطة الجيش جنوب الليطاني إلى ما بعد نهاية العام بسبب تعذّر إتمام كامل الانتشار العسكري ربطاً باستمرار الاحتلال الإسرائيلي، ولأن بعض العمليات العسكرية تحتاج إلى وقت أطول لإنجازها.
“الحزب” وشمال النّهر
هنا تماماً تكمن العقدة الكبرى في كيفيّة تعاطي “الحزب” مع الجيش، في ظلّ مواقف قادة “الحزب” الرافضة تماماً لاعتبار شمال نهر الليطاني والبقاع والضاحية الجنوبيّة لبيروت جزءاً من اتّفاق وقف الأعمال العدائيّة.
لا يوازي غموض موقف “الحزب” سوى التسريبات الأميركيّة المتناقضة حيال عناوين المرحلة.
جنبلاط: من يتحدّث باسم واشنطن؟
اللافت في هذا السياق أنّ النائب وليد جنبلاط، في مقابلته التلفزيونيّة على قناة MTV، اختصر بوضوح إحدى إشكاليّات تعاطي السلطة في لبنان مع موفدي الإدارة الأميركيّة في عهد دونالد ترامب، إذ أكّد أنّ وفد “مجموعة العمل الأميركيّة من أجل لبنان” برئاسة أد غبريال، وعضويّة السفيرة الأميركيّة السابقة في بيروت إليزابيت ريتشارد، “كان متعدّد الآراء ويعكس تعارض الاتّجاهات في قلب العاصمة الأميركيّة. نحن فعلاً نريد أن نعرف من السفير الأميركي ميشال عيسى من يتحدّث اليوم باسم واشنطن في لبنان “لنعرف حالنا وين رايحين”. السفير عيسى قريب من ترامب، وعليه أن يَحسم الموضوع. وما عاد فينا نسمع عدّة آراء من الـthink tank”.
ثمّة من يؤكّد أنّ الحزب لن يكون بوارد الاصطدام بالجيش، لا شمال الليطاني ولا في البقاع أو الضاحية
ذهب جنبلاط، الذي يتحضّر وفق معلومات “أساس” لاستقبال السفير الأميركيّ الجديد قريباً، أبعد من ذلك عبر اعتراضه على كلام عيسى القائم على واقع “بدكم تفاوضوا، يعني بدكم تتحمّلوا ضرب”. واعترض على كلام مورغان أورتاغوس “بالقفز فوق كلّ شيء، والحديث عن منطقة عازلة جنوباً ستكرّس الحزام الأمنيّ الاقتصاديّ”.
تلقى مواقف جنبلاط تأييداً من رئيسَي الجمهوريّة ومجلس النوّاب، الذي كرّر في الأيّام الماضية استياءه الشديد من تصريحات توم بارّاك، وخصوصاً تلك التي دعت إلى ضمّ لبنان إلى سوريا. كما قال رئيس الجمهورية: “لا تضيّعوا وقتكم بهذا الكلام، وهو مرفوض من كافة اللبنانيين”.

إلى ذلك، تفيد معلومات “أساس” أنّ المدير العامّ للأمن العامّ اللواء حسن شقير وضع المعنيّين بصورة لقاءاته التي أجراها في العراق أخيراً، من ضمنها لقاؤه مع رئيس الوزراء العراقيّ محمّد شيّاع السوداني، ورئيس جهاز الاستخبارات العراقية حميد الشطري، وزبدتها الأساسيّة نفي ما نُقل عن لسان توم بارّاك “بتحذيره العراق من دعم “الحزب”، في حال حصلت ضربة عسكرية إسرائيلية للبنان تحت طائلة ضرب الفصائل العراقيّة الداعمة له في بغداد”.
أمس أعاد وزير الخارجيّة يوسف رجّي التأكيد أنّ “تحذيرات وصلتنا من جهات عربيّة ودوليّة من أنّ إسرائيل تحضّر لعمليّة عسكريّة واسعة ضدّ لبنان”.
المنطقة الاقتصاديّة
فيما سمع موفدون دوليّون من مرجعيّات في لبنان أنّ “المنطقة الاقتصاديّة هي خارج التفاوض ما دامت هناك اعتداءات واحتلال إسرائيليّ وأسرى لبنانيّون”، تؤكّد معلومات أنّ جزءاً من هؤلاء ذكّر المسؤولين اللبنانيّين بالبند الـ13 من نصّ قرار وقف الأعمال العدائيّة الذي أشار إلى “طلب إسرائيل ولبنان، بشكل مشترك من الولايات المتّحدة، بالشراكة مع الأمم المتّحدة، تسهيل مفاوضات غير مباشرة بين الجانبين بهدف حلّ النقاط المتنازَع عليها على طول الخطّ الأزرق، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 1701”.
بالتزامن مع عرض قيادة الجيش تقريرها الرابع بداية العام، المُفترض أن يُكلّل المرحلة الأولى من خطّة الجيش جنوب الليطاني
أضاف القرار: “تُدرك الولايات المتّحدة وفرنسا أنّ هذه الالتزامات ستقبل بها إسرائيل ولبنان بالتزامن مع هذا الإعلان. وتهدف هذه الالتزامات إلى تمكين المدنيّين على جانبَي الخطّ الأزرق من العودة بأمان إلى أراضيهم ومنازلهم. وتعتزم الولايات المتّحدة وفرنسا قيادة جهود دوليّة لدعم بناء القدرات والتنمية الاقتصاديّة في جميع أنحاء لبنان، بهدف تعزيز الاستقرار والازدهار في هذه المنطقة”.
مغزى هذا الإعلان أنّه حَصر التفاوض غير المباشر بمسألة حلّ النقاط المتنازَع عليها، مع الإشارة إلى المعطى الاقتصاديّ جنوباً، وفي كلّ أنحاء لبنان. وذلك بعدما يكون الطرفان قد قاما بالمطلوب منهما: “الحزب” ينزع سلاحه جنوب الليطاني، وشماله حتّى نهر الأوّلي وفق التصوّر الإسرائيليّ، وإسرائيل تنسحب من المواقع المحتلّة وتوقف اعتداءاتها وتسلّم الأسرى.
لكنّ واقع الحال أنّ إسرائيل “فظّعت” بالاتّفاق وخطّت مساراً تدميريّاً ضمن سياق مشروعها لنزع السلاح جنوب الليطاني وشماله وبقاعاً وفي الضاحية الجنوبيّة. وثمّة من يؤكّد أنّ إسرائيل، كما وصّفها حرفيّاً السفير عيسى، تخوض مشروعها على مستويَين منفصلَين تماماً:
– استكمال ضرب “الحزب” بأيّ مكان قد يضعه ضمن الأهداف المشبوهة، وتتوسّع تدريجاً بذلك، مع توقّع تكثيف ضرباتها بقاعاً وفي الضاحية.
– خوض التفاوض السياسيّ في الناقورة على قاعدة تكريس المنطقة العازلة ببروفايلها الاقتصاديّ، ولا انسحاب إسرائيليّاً أو وقف للاعتداءات أو تسليم أسرى قبل إتمام هذه العمليّة. ولاحقاً، إعادة التفاوض على النقاط البرّيّة المتنازَع عليها.
إقرأ أيضاً: ما بعد “اليونيفيل”: “شهود” على الحدود
عون: الأسرى أولويّة
في السياق نفسه، كان لافتاً أمس استقبال رئيس الجمهوريّة جوزف عون للمرّة الأولى “وفد الجمعيّة اللبنانيّة للأسرى والمحرّرين”، الذي أكّد أمامه أنّ “عودة المعتقلين في إسرائيل أولويّة في المفاوضات، والاتّصالات مستمرّة لإطلاقهم”، آملاً “التوصّل إلى نتائج إيجابيّة قريباً”.
لمتابعة الكاتب على X:
