سورية منشغلة بالذكرى السنويّة الأولى لانطلاق عمليّة “ردع العدوان” التي انتهت بإسقاط نظام بشّار الأسد، بعد حرب أهليّة دامت قرابة أربع عشرة سنة.
يختصر الخطاب الذي ألقاه الرئيس أحمد الشرع للمناسبة في قلعة حلب المشهد السوريّ الراهن، ويبيّن أنّ همّ سورية في الوقت الحاضر يراوح بين معالجة التحدّيات الأمنيّة والاستفادة من الفرص الاقتصاديّة والوفاء بمتطلّبات إعادة الإعمار.
تطوّران اقتصاديّان مهمّان
يُضعف استمرار العدوان الإسرائيليّ وتوسّعه، معطوفاً على الحالات الانفصاليّة في البلاد، الآثار الإيجابيّة المتوقّعة لتطوّرين مهمّين برزا أخيراً يتعلّقان بالاقتصاد السوريّ:
1- ارتفاع احتمال قبول الكونغرس الأميركيّ بإلغاء قانون قيصر الذي يكبّل الاقتصاد السوريّ ويلحق به أفدح الأضرار. قانون قيصر، الذي تمّ إقراره في كانون الأوّل 2019، كان له تأثير عميق على الاقتصاد السوريّ، إذ أدّى إلى انخفاض النموّ الاقتصاديّ وارتفاع معدّلات الفقر وانخفاض سعر صرف الليرة السوريّة وارتفاع كبير في أسعار السلع وتراجع الاستثمارات والتجارة الخارجيّة وتدهور الخدمات الأساسيّة مثل الصحّة والتعليم.
أيّدت الإدارة الأميركيّة إلغاء القانون، في غمرة التحسّن الذي شهدته العلاقات الأميركيّة السوريّة، إلّا أنّ الكونغرس بقي متعنّتاً حيال هذا الموضوع. رئيس لجنة العلاقات الخارجيّة في مجلس النوّاب الأميركيّ، النائب الجمهوريّ برايان ماست، المحارب السابق الذي فقد ساقيه أثناء حرب أفغانستان، أبدى تصلّباً حيال إلغاء قانون قيصر حتّى بعد سقوط بشّار الأسد بسبب الطابع الإسلاميّ للحكومة السوريّة الجديدة حسب رأيه. بعد لقائه بالرئيس الشرع في واشنطن، أعلن ماست أنّه سيدعم رفع العقوبات الواسعة المفروضة على سوريا، ربّما بتأثير من صديقه الرئيس دونالد ترامب.
تبقى كلّ هذه التوتّرات ضعيفة الأثر على الاقتصاد السوريّ مقارنةً باستمرار الحالة الانفصاليّة في المناطق الواقعة شمال شرقي البلاد
2- قيام بعثة من صندوق النقد الدوليّ بزيارة دمشق في الشهر الماضي، والزيارة هي الأولى من نوعها منذ ستّ عشرة سنة. تضمّن بيان الصندوق عن الزيارة إشارات إيجابيّة لافتة توحي باتّجاه صندوق النقد إلى تطوير علاقته بالسلطات السوريّة، فأشار إلى أنّ الاقتصاد السوريّ يُظهر علامات على التعافي وتحسّن الآفاق. أكّدت البعثة “التزام الصندوق دعم السلطات السوريّة في جهودها لإعادة تأهيل الاقتصاد السوريّ والمؤسّسات الاقتصاديّة الرئيسة”.
لكنّ السياسة تؤثّر على الاقتصاد. إمّا أن ترفعه إلى أعالي السماء أو تهبط به إلى الحضيض. في غمرة البوادر الاقتصاديّة المشجّعة، وبالتزامن مع إحياء الذكرى السنويّة الأولى لقيام النظام الجديد، شهدت الساحة السوريّة أحداثاً مُقلقة، تبدو في ظاهرها غير مترابطة، لكنّها بالنتيجة تلتقي لتنسج، متّحدة، مخاطر تهدّد وحدة التراب السوريّ وسيادة البلاد.

نقلت إسرائيل معاركها العسكريّة إلى موقع متقدّم في محافظة ريف دمشق، يبعد أقلّ من 40 كيلومتراً عن العاصمة السوريّة. ترجمةً للقواعد الجديدة التي بدأت إسرائيل بفرضها على المنطقة، اعتبرت وجود مقاومة شعبيّة في قرية قريبة من العاصمة اعتداءً عليها وعلى قوّاتها (!!!) يبرّر استعمال القوّة المفرطة وقتل السكّان المدنيّين.
مفترق طرق مفصليّ؟
في الوقت نفسه، تقريباً، عاد التوتّر إلى منطقة السويداء بعد هدوء استمرّ بضعة أسابيع، فوقعت اشتباكات مفاجئة بين الأمن السوريّ وفصائل من قلب المحافظة. وتحرّك الساحل بعد هدوء طويل، فانطلقت منه تظاهرات وصلت إلى حمص، حيث سُجّل وقوع جرائم قتل استجرّت أعمالاً ثأريّة من قبل العشائر.
تبقى كلّ هذه التوتّرات ضعيفة الأثر على الاقتصاد السوريّ مقارنةً باستمرار الحالة الانفصاليّة في المناطق الواقعة شمال شرقي البلاد، الخاضعة لسيطرة “قوّات سورية الديمقراطيّة – قسد”.
السياسة تؤثّر على الاقتصاد إمّا أن ترفعه إلى أعالي السماء أو تهبط به إلى الحضيض
تعتمد المناطق التي تسيطر عليها “قسد” بشكل أساسيّ على إنتاج النفط والغاز، بالإضافة إلى الزراعة، خاصّةً القمح والقطن. تقع معظم آبار النفط والغاز السوريّة في هذه المناطق، التي تُعرف بـ”سلّة غذاء سوريا” نظراً لأهميّتها الزراعيّة. تعوّل الحكومة السوريّة كثيراً على تطبيق الاتّفاق الذي عقده الرئيس الشرع مع زعيم “قسد” اللواء مظلوم عبدي.
يعتبر خبراء اقتصاديّون أنّ إحكام سيطرة دمشق على حقول النفط والغاز في مناطق “قسد” سيشكّل انتعاشاً للاقتصاد السوريّ وينعكس إيجاباً عليه، “وهو ما سيتيح لشركات الاستثمار العمل بأمان ويرفع مستويات التصدير ويحوّل البلاد من بلد مستورد للطاقة إلى دولة منتجة ومصدّرة كما في السابق قبل الحرب”.
إقرأ أيضاً: الشّرع بعد عام.. هدنة الدّاخل وحسابات الخارج
تقف سورية اليوم على مفترق طرق تاريخيّ ومفصليّ، بين مستقبل واعد توحي به بشائر الاقتصاد، وبين نهاية بلد عربيّ مهمّ، بسبب تلازم العدوان الإسرائيليّ مع التعصّب الطائفيّ وطموحات الانفصاليّين في الداخل.
