سوريا الجديدة: بشارة حمزة وحكمة سمير

مدة القراءة 4 د

هي بشارة طفل اسمه حمزة وحكمة كاتب كبير يدعى سمير.

هذه قصة سوريا الجديدة، حينما كتب طفل من درعا يدعى حمزة الخطيب على جدار مدرسته “إجاك الدور يا دكتور”. اعتُقل هو ورفاقه ليصرخ أحد الصبية تحت التعذيب “سأذهب إلى ربّي لأخبره كلّ شيء عن ظلمكم وقهركم، وسيرة رجل حقير”. كما فعل حمزة كتب كاتب لبنانيّ فلسطينيّ الأصل اسمه سمير قصير: “حرّية سوريا من استقلال لبنان ..”، فاغتالته زبانية الأسد بعبوة تحت مقعد سيّارته، فكانت دماؤه كصافرة للنفير، ثمّ اختُتمت الحكاية فجر الثامن من كانون الأوّل 2024 حين نادى المنادي من على مئذنة مسجد “لالا باشا” قرب ساحة بغداد في وسط دمشق: “سقط الأسد.. سقط الأسد”، فخرج من بعده المذيع السوريّ في قناة “العربيّة” حسين الشيخ معلنا فرحاً: “الساعة الآن السادسة وثماني عشرة دقيقة بتوقيت دمشق، سوريا من دون الأسد”.

 

مرّت سنة على فرحتنا سوريّين ولبنانيّين وعرباً ومسلمين بسقوط نظام القتل والاستبداد والمعتقلات التي تفنّن المستبدّ بتسميتها من تدمر إلى صيدنايا وبينهما سجن فلسطين.

مرّت سنة على فرحتنا وما نزال نحتفل كلّ يوم. لمَ الاستغراب فقد كان الجرح والظلم كبيرين كبيرين.

من حقّنا كلّنا أن نهلّل لهذا السقوط ونوزّع الحلوى عند المفارق. إنّه عرسنا الكبير.

من حقّنا أن نحتفل في كلّ الساحات في سوريا ولبنان وعمّان، في صيدا وبيروت ودمشق وطرابلس وحماة المدينة التي في كلّ بيت من بيوتاتها شهيد.

من حقّنا أن نرفع الرايات على السيّارات، أن نجول في شوارع بيروت، حيث يختلط الدمع بالفرح في هذا اليوم الجميل.

من حقّنا أن نفرح بسوريا الجديدة العربيّة، التي لا تنتسب إلى رجل أو عائلة أو إلى حزب ومحور مقيت، سوريا التي ليست فيها صور للأشخاص، فالساحات فقط للرايات الخضر، راية الوطن الذي لا يُباد.

من حقّنا أن نحتفل في كلّ الساحات في سوريا ولبنان وعمّان، في صيدا وبيروت ودمشق وطرابلس وحماة

الحجّ إلى دمشق

من حقّنا نحن اللبنانيّين أن نحجّ إلى دمشق الحبيبة، ليس طلباً لفائض قوّة نقهر عبرها إخواننا في هذا الوطن الجميل، ولا طلباً لمعونة نستقوي بها على الآخرين. كلّ ما نريده من دمشق ألّا تُطعن ظهورنا بسكّين. كلّ ما نتمنّى من دمشق أن تمزّق كلّ الإضبارات التي تصنّفنا مطلوبين. هما الأمان والاطمئنان مطلبنا ولا شيء سوى ذلك. مطلبنا أن لا نسير على خطى من ابتلعهم التاريخ.

“دمشق لنا إلى يوم القيامة” شعار ليس حلماً ولا مادّة تسويقيّة. بل شعار أُطلق كي يُكتب التاريخ ويُضاء المستقبل لتعود الحياة إلى طريق الحرير.

سوريا

من حقّنا أن نفرح بسقوط هُبل وكلّ إخوته الأصنام من حياتنا ويوميّاتنا وكوابيسنا. لقد أُتخمنا قهراً وقمعاً ومعتقلات باتت أكبر من مساحة الوطن الرحيب.

من حقّنا أن نصرخ: خذوني إلى دمشق معكم ليس لأنّ اليوم، كما تقول قصيدة نزار قبّاني بلحن محمّد عبدالوهاب وصوت أمّ كلثوم، “أصبح لديّ بندقية”، بل لأنّني أعشق ياسمينها ورائحة النارنج في أزقّتها القديمة، وأجراس كنائسها في باب توما وتكبيرات المسجد الأمويّ عند كلّ عيد.

خذوني معكم

خذوني إلى دمشق معكم لأنّ سنة كاملة لم تكن كافية كي نحتفل بأجمل عيد.

خذوني إلى دمشق معكم لأنّنا نبحث منذ 50 عاماً عن أرض وعن هويّة وعن بيوتاتنا هناك، وعن وطن محاط بالأسلاك. نبحث عن رفاق حارتنا وكتبنا وصورنا.

8 كانون الأوّل 2024 لم يكن فقط يوم سقوط نظام بشّار الأسد بتوقيت دمشق، بل في ذلك اليوم استيقظ العالم وقضى وقته منذ ذلك الحين حتّى اليوم على توقيت دمشق مدينة الياسمين.

إقرأ أيضاً: حين أعلنت الرّياض “نهائيّة” سقوط الأسد

قال نزار قباني قبل سنوات طويلة عن دمشق في إحدى قصائده: “أنت النساء جميعاً.. ما من امرأة أحببت بعدكِ.. إلا خلتها كذبا”. لو عاد نزار إلى الحياة اليوم ماذا كان سيقول عن دمشق؟

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ziaditani23

مواضيع ذات صلة

سوريا: سنة أولى حرية

عام انطوى على دولة وشعب وأمة استعادوا فيه الحياة، وعلى طاغية فارٍ يعيش بين الثلوج ولا يتكلم بل يكتفي فقط بالنحيب. عام على عودة دمشق…

سورية الشّرع: صعوبات استقبال الجديد

من سوء حظّ بشّار الأسد في منفاه أنّهم عندما كانوا ينشرون حديثاً طويلاً له في سيّارته مع مساعدته السابقة لونا الشبل فيه الكثير ممّا يدلّ…

الشّرع في عامه الأوّل: 80% من السّوريّين يثقون به

يريد السوريّون الكثير والكثير في الاقتصاد والأمن والديمقراطيّة، لكنّهم يثقون بشكل كبير وغير مسبوق برئيسهم أحمد الشرع لدرجة ستجعل كثراً من قادة العالم يحسدونه على…

سوريا الجديدة: عام على هزيمة إيران

لم تخسر إيران سوريا فجأة مع دخول قوّات هيئة تحرير الشام بقيادة أبي محمّد الجولاني إلى مدينة حلب مطلع كانون الأوّل 2024، ولا مع الانهيار…