التركي والسعودي في طهران: جس نبض خيارات إيران؟

مدة القراءة 6 د

لافت، طبعاً، توقيت زيارة وزير الخارجيّة التركيّ هاكان فيدان لإيران خلال وجود وكيل وزير الخارجيّة السعوديّ للشؤون السياسّية، سعود بن محمد الساطي، في طهران.

لم يُعلَن أيّ لقاء ثلاثيّ، ولا تُعرف بدقّة الفواصل الزمنيّة بين مغادرة الساطي ووصول فيدان، لكنّ تزامن وجودهما في العاصمة الإيرانية يكفي وحده للإيحاء بأنّ ما يجري يتجاوز الزيارات البروتوكوليّة، وأنّ شيئاً ما استدعى هذا التحرّك التركيّ–السعوديّ العاجل.

 

هو حراك أبعد ما يكون تقليداً أو محاولة لتوثيق علاقات ثنائيّة، فهو انعكاس لضغوط إقليميّة متشابكة وملفّات صعبة تنتظر الحلول. تتشبّث إيران بمواقفها على الرغم من الخسائر الباهظة والضربات المكلفة التي تلقّتها داخل أراضيها، وفي منطقتَي نفوذ تغيّر لون “ورقة التورنيسول” فيهما: لبنان وسوريا.

التوقيت والظرف الإقليميّ، إلى جانب المشهد اللبنانيّ–السوريّ المعقّد، جعلا من الزيارة حدثاً يثير العديد من التساؤلات: ما الأسباب التي تدفع تركيا والسعوديّة للتحرّك نحو طهران الآن؟ ولماذا ظهر هذا التحرّك بشكل متزامن؟ وما الأوراق التي تمتلكها إيران لتكون محطّة في هذا “الاستنفار السياسيّ”؟ وماذا يمكن أن تقدّمه قبل أسابيع من انتهاء المهلة الأميركيّة لنزع سلاح “الحزب”؟

هذه أسئلة مشروعة، وخصوصاً مع ما آلت إليه العلاقات التركيّة–الإيرانيّة التي تشهد أصعب مراحلها منذ عام.

ليست زيارة فيدان والساطي لطهران حدثاً دبلوماسيّاً عابراً، بل جزء من محاولة استباق انفجار محتمل أو فتح نافذة تفاهمات على الجبهة اللبنانيّة

الرّياح عصفت بإيران

بدأ تراجع التواصل بين أنقرة وطهران فعليّاً منذ كانون الأوّل الماضي، عندما أعلن علي أصغر خاجي، كبير مستشاري وزير الخارجيّة الإيرانيّ، “وجود تحرّكات لفصائل مسلّحة تهدف إلى تغيير التوازن في سوريا”، وأنّ محور المقاومة لن يسمح بتحقيق الأهداف الشرّيرة هناك. وصرّح علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيرانيّ، بأنّ “تركيا وقعت في فخّ أميركا وإسرائيل في سوريا”.

تحقّقت هذه الأهداف “الشرّيرة” وسقط نظام الأسد، الحليف الأهمّ لإيران وورقتها الأقوى في الإقليم. فما الذي يدفع فيدان إلى العاصمة الإيرانيّة الآن؟ وهل نسي ولايتي تهديداته السابقة عندما أكّد أنّ إيران، إلى جانب روسيا، و”الحزب” اللبناني، والحشد الشعبي العراقي، والحوثيين في اليمن، والفلسطينيين متّحدون لدعم وحدة أراضي سوريا وحكومتها الحاليّة؟

رياح المنطقة هي التي عصفت بالسفينة الإيرانيّة وأبقتها وسط الأمواج، فأنزلت كلّ هذه التطوّرات ضربة موجعة بالعمود الفقريّ لامتداد إيران الإقليميّ بين دمشق وبيروت، وأضعفت قدرتها على إدارة وضعها في العراق واليمن، وحرمتها من مواصلة التلويح بآلتها العسكريّة وهي تخاطب واشنطن وتل أبيب.

من الممكن القول إنّ من بين أهداف وجود فيدان في طهران:

  • التحضير لزيارة إردوغان المرتقبة لإيران.
  • الإعداد لدورة المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجيّ بين البلدين.
  • التشديد على أنّ “التوسّع الإسرائيليّ هو التهديد الأكبر للأمن الإقليميّ”.
  • تأكيد تركيا دعم رفع العقوبات عن إيران ضمن إطار تكامل إقليميّ.

بدأ تراجع التواصل بين أنقرة وطهران فعليّاً منذ كانون الأوّل الماضي، عندما أعلن علي أصغر خاجي، كبير مستشاري وزير الخارجيّة الإيرانيّ، وجود تحرّكات لفصائل مسلّحة تهدف إلى تغيير التوازن في سوريا

لكنّ التوقيت والظروف يذهبان باتّجاه آخر لا علاقة له بحديث إيران عن “منظومة أمنيّة مشتركة” في المنطقة. ستتقدّم حتماً رسالة وزير الخارجيّة الإيرانيّ عراقجي التي قال فيها: “مستعدّون للتفاوض دوماً ولم نغادر أبداً الساحة الدبلوماسيّة، لكنّ للمفاوضات قواعدها الخاّصة”، على تصريحه الذي قال فيه إنّ الجانبين الإيرانيّ والتركيّ ناقشا موضوع الأجواء الأمنيّة الإقليميّة في ظلّ الاعتداءات الإسرائيليّة، وسط تعزيز الشعور بضرورة بناء منظومة أمنيّة مشتركة في المنطقة.

يتقاطع التحرّك التركيّ–السعوديّ مع الجهود المصريّة الأخيرة في لبنان، ومع سلسلة لقاءات أمنيّة وسياسيّة بعضها غير معلن على خطّ بيروت – أنقرة – الرياض – القاهرة، ووصول الموفدة الأميركيّة مورغان أورتاغوس للبنان، حيث تتابع واشنطن نتائج المحادثات التي جرت في طهران.

الهدف الأوّل المشترك لتركيا والسعوديّة هو منع اندلاع مواجهة جديدة في جنوب لبنان، وسط تجدّد الحديث عن اقتراب موعد نهاية المهلة المحدّدة لوضع آليّة سياسيّة–أمنيّة تتعامل مع ملفّ سلاح “الحزب” ومدى استعداد طهران لدعم هذه الجهود.

استباق الانفجار؟

الاحتمال قائم بأن تتمسّك إيران بموقفها المعلن على لسان ولايتي الذي قال إنّ “وجود الحزب أهمّ من الخبز اليوميّ للّبنانيّين”، وهو ليس تعبيراً عن فائض قوّة، بل عن خشية من تدحرج الخسائر إلى العراق واليمن وربّما الداخل الإيرانيّ نفسه.

هناك إشارات أميركيّة–إسرائيليّة واضحة تذهب إلى أنّ ما بعد 31 كانون الأوّل قد يشهد تغيّرات كبيرة في المقاربات على الساحة اللبنانيّة. وتبقى احتماليّة اتّساع رقعة المواجهات وانتقالها إلى سوريا قائمة، في ظلّ استمرار الانسداد السياسيّ والأمنيّ في عدّة مناطق.

الدوافع التركيّة–السعوديّة تشمل:

  • الحؤول دون انفجار جديد في لبنان تتّسع رقعته في المنطقة.
  • اختبار مدى استعداد إيران للتكيّف مع المتغيّرات الجديدة.
  • سحب الذرائع من يد إسرائيل على طريق التصعيد.
  • تجنيب المنطقة أزمات اقتصاديّة ستكون صعبة الاحتواء.

إقرأ أيضاً: لماذا يثير التّقارب التّركيّ–المصريّ قلق إسرائيل؟

كشف السجال بين وزير الخارجيّة اللبنانيّ ونظيره الإيرانيّ حجم التوتّر والخلاف على تدخّل إيران في لبنان، في وقت تحذّر إسرائيل من إعادة طهران تسليح الحوثيّين، ودفع خطوط إمداد نحو الضفّة وغزّة وسوريا، وهو سباق تسلّح “قد يستدعي ردّاً إسرائيليّاً واسعاً”.

بهذا المعنى، ليست زيارة فيدان والساطي لطهران حدثاً دبلوماسيّاً عابراً، بل جزء من محاولة استباق انفجار محتمل أو فتح نافذة تفاهمات على الجبهة اللبنانيّة. الحديث عن إرجاء موعد أو مكان المواجهة لم يعد ينفع: إمّا تفاهمات تعيد تشكيل التوازنات، أو انزلاق نحو تصادم يصعب احتواؤه.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@Profsamirsalha

مواضيع ذات صلة

أجواء برّي: تعديل اتّفاق الهدنة… وقف النّار أوّلاً

أفسح تعيين مفاوض مدنيّ هو السفير السابق سيمون كرم رئيساً للوفد العسكريّ إلى اجتماعات لجنة “الميكانيزم” في المجال أمام البحث في حلول سياسيّة ممّا كان…

بهشلي – بارزاني: خطّان متوازيان… يلتقيان؟

شهدت العلاقات بين أنقرة وإربيل خلال الأعوام الأخيرة تقدّماً ملموساً تجاوز الكثير من العقبات، مدفوعةً بتقاطع المصالح وبناء قنوات ثقة متدرّجة. لكنّ  “حادثة شرناق” وضعت…

اللّبنانيّون يرفضون الانتحار… مع “الحزب”!

سؤال واحد يَختزل الموضوع اللبنانيّ كلّه، أي موضوع التخلّص من الاحتلال الإسرائيليّ المتجدّد لأراضٍ في الجنوب. خروج الاحتلال أولويّة الأولويّات: هل من سبيل إلى ذلك…

رسائل الغوطة: أسد تَلاعَب به شبلٌ!

لا تكشف الفيديوهات المسرّبة عن رحلة الرئيس السوريّ السابق بشّار الأسد إلى الغوطة في 20 نيسان 2018 عن مفاجأة تذهل السوريّين، موالين له أو معارضين….