هدنة صقور الشّيعة في العراق؟

مدة القراءة 5 د

سيكون نوعٌ من الشؤم لو أنّ نوري المالكي عاد إلى حكم العراق. لقد حكم زعيم حزب الدعوة الإسلاميّة العراق بين عامَي 2006 و2014، أي أنّه حكم لولايتين. بدأت ولايته الأولى بحرب أهليّة، وانتهت ولايته الثانية بسقوط ثلث الأراضي العراقيّة، بما فيها الموصل، في قبضة التنظيم الإرهابيّ داعش.

 

 

بين الزلزالين كان المالكي حاكماً مطلقاً، سمحت له سلطته بإصدار الكثير من القوانين التي لا تزال تستنزف الميزانيّة العراقيّة بطريقة عبثيّة. فمن أجل أن يتمدّد شعبيّاً، وهو الذي وضعه الأميركيّون في الواجهة بعدما كان مجهولاً، قام بمنح رواتب تقاعديّة للسجناء السياسيّين السابقين وشهداء الأحزاب الدينيّة ولاجئي “رفحاء” والمقيمين خارج العراق من أعضاء حزب الدعوة والمهجّرين من الإيرانيّين، إضافة إلى منحهم تعويضات ماليّة وأراضي.

كان المالكي حاذقاً في صنع جمهوره على حساب الدولة العراقيّة التي تركها الأميركيّون عهدة بين يديه. ولو عدنا إلى المنطلقات النظريّة لحزب الدعوة، الذي صار المالكي زعيمه بعد إبراهيم الجعفري، لعرفنا أنّ ذلك الحزب لم يكن يعترف بولاية الفقيه، وكان دائماً معارضاً للولاية الإيرانيّة على شيعة العراق. غير أنّ المالكي قلَب المعادلة حين وضع العراق كلّه في السلّة الإيرانيّة. فهل غدر بأصدقائه الأميركيّين الذين اعتبروه رجلهم حين وقف أعضاء الكونغرس دقائق مصفّقين له، وهو الذي وقّع معهم اتّفاق الإطار الاستراتيجيّ عام 2008؟

حكم زعيم حزب الدعوة الإسلاميّة العراق بين عامَي 2006 و2014، أي أنّه حكم لولايتين

العراق هو المكافأة

أن يكون المالكي هو الأكثر شعبيّة بين زعماء “الشيعيّة السياسيّة” فذلك أمر غير مفاجئ ولم يقع صدفة. لقد استثمر الرجل وجوده في السلطة المطلقة لثماني سنوات، وفي قبضته مئات المليارات من الدولارات من أجل بناء دولته العميقة. جعل من مؤسسات تلك الدولة قادراً على إدارة شبكات الفساد التي أنشأها، كما لو أنّها ستكون صمام أمان مستقبليّ له، في حال انقلب عليه “صقور الشيعة” الذين يعرف أنّهم أقرب منه إلى إيران.

المالكي الذي هرب إلى إيران يوم تخلّت القوّات المسلّحة العراقيّة عن الموصل، وكان قائداً عامّاً لها عام 2014، يتماهى مع وجوده في الواجهة معتبراً نفسه عرّاباً للعمليّة السياسيّة، غير أنّه من الدهاء بحيث لا ينسى أنّ هادي العامري وسواه من مقاتلي الحرس الثوريّ الإيرانيّ السابقين وزعماء الميليشيات الحاليّين، تجمعهم بصنّاع القرار المحيطين بخامنئي لغة مشتركة لا يملكها. لذلك التخادم بين الطرفين يقوم على مصالح مشتركة يدخل في جزئه الأهمّ ترسيخ الهيمنة الإيرانيّة.

المالكي هو الغطاء الذي تختبئ وراءه الميليشيات، حتّى أشدّها تطرّفاً، وفي المقابل توفّر له حماية إيرانيّة في مواجهة أيّ تحرّك يهدف إلى إزاحته من المشهد السياسيّ. وفي الوضع المريح الذي انتهت إليه “الشيعيّة السياسيّة” بعد الانتخابات الأخيرة، يهدف تكريس ظهور المالكي باعتباره قوّة مركزيّة في القرار الشيعيّ إلى تشتيت الأنظار عمّا يتمّ التخطيط له للسنوات الأربع المقبلة، وهي مرحلة ترسم إيران ملامحها على أساس الاستثمار في العراق باعتباره مكافأة تعوّض من خلالها خسائرها القاتلة في المنطقة.

المالكي هو الغطاء الذي تختبئ وراءه الميليشيات، حتّى أشدّها تطرّفاً، وفي المقابل توفّر له حماية إيرانيّة في مواجهة أيّ تحرّك يهدف إلى إزاحته من المشهد السياسيّ

قلوب إيرانيّة والعيون على أميركا

على الرغم من أنّ أطراف تحالف “الإطار التنسيقيّ”، وهي مجموعة الأحزاب والكتل والفصائل الشيعيّة، قد أظهرت نوعاً من التماسك في مرحلة تولّي محمّد شيّاع السوداني رئاسة الحكومة، بغضّ النظر عن مستويات رضاها عن أدائه، كانت في الوقت نفسه قلقة ممّا قد يخبّئه مقتدى الصدر من مفاجآت حين يحين موعد الانتخابات.

غير أنّ إعلان الصدر المبكر استمراره في موقفه السلبيّ من العمليّة السياسيّة شكّل دفعة قويّة باتّجاه الثقة بأنّ تحقيق المزيد من المكاسب صار أمراً ممكناً، على الرغم من أنّ الضغوط الأميركيّة كانت واضحة في منع الفصائل المقرّبة من إيران من إدارة الدولة بشكل مباشر.

إقرأ أيضاً: البيت العراقي وتحديات المكوّنات المتعدّدة

لقد نجحت إيران في تحييد الصدر وجمهوره، وحصدت ثمار نصرها، غير أنّ إدارة المرحلة المقبلة قد لا تكون بحجم ذلك الانتصار، فالصراع المؤجّل بين صقور الشيعة سيُنهي الهدنة الهشّة التي لم تُعقد إلّا لمواجهة الخطر الذي كان الصدر يمثّله. وإذا كان رئيس الوزراء المنتهية ولايته، محمّد شيّاع السوداني، قد شكّل صدعاً في التحالف الشيعيّ من خلال دخوله منفرداً إلى الانتخابات وفوزه بأعلى الأصوات، فإنّ لكلّ طرف مرشّحه لمنصب رئيس الحكومة، إضافة إلى أنّ مارك سافايا، مبعوث الرئيس الأميركيّ، قد وضع على منضدة “الإطار التنسيقيّ” مواصفات رئيس الحكومة المقبل، التي وجد السوداني فيها صورة لرغبته في ولاية ثانية.

المفارقة أنّ أتباع إيران الذين فازوا في الانتخابات بسبب تغييب الشعب عنها، يبحثون اليوم عن الشخص الذي ترضى عنه الإدارة الأميركيّة. وليس غريباً أن تُدار تلك العمليّة بأصابع إيرانيّة. لذلك لم تعُد الهدنة الشيعيّة ضروريّة، فالصقور قلوبهم مع إيران في الوقت الذي يصوّبون فيه أنظارهم إلى أميركا.

مواضيع ذات صلة

هل يستميل لبنان فرنسا وأميركا في التّفاوض؟

تتوالى الاستحقاقات على لبنان وما سينجم عنها في الأسابيع المقبلة. بين ثناياها وتواريخها  يختبر اللبنانيّون مراهنتَين على: – أن تصرّ واشنطن على تل أبيب كي…

ترامب “يستدعي” نتنياهو لفرض المرحلة الثّانية

لا يبدو أنّ المرحلة الثانية من خطّة دونالد ترامب ستنطلق قبل زيارة بنيامين نتنياهو لواشنطن، المتوقّعة في نهاية الشهر الحالي. من السذاجة الاعتقاد أنّ التأخير…

أجواء برّي: تعديل اتّفاق الهدنة… وقف النّار أوّلاً

أفسح تعيين مفاوض مدنيّ هو السفير السابق سيمون كرم رئيساً للوفد العسكريّ إلى اجتماعات لجنة “الميكانيزم” في المجال أمام البحث في حلول سياسيّة ممّا كان…

بهشلي – بارزاني: خطّان متوازيان… يلتقيان؟

شهدت العلاقات بين أنقرة وإربيل خلال الأعوام الأخيرة تقدّماً ملموساً تجاوز الكثير من العقبات، مدفوعةً بتقاطع المصالح وبناء قنوات ثقة متدرّجة. لكنّ  “حادثة شرناق” وضعت…