إسرائيل تنتخب بالنّار: لبنان في قبضة اليمين المتطرّف؟

مدة القراءة 5 د

يُدخل عامُ 2026 إسرائيل في معركة انتخابيّة تتجاوز حدود السياسة الداخليّة لتلامس خرائط النار المشتعلة على أطراف المنطقة كلّها. بات استمرار العروض العسكريّة والمشاهد الدمويّة أداة انتخابيّة مكشوفة لإشباع غرائز القاعدة اليمينيّة المتطرّفة. حرب الاستنزاف الأحاديّة الجانب من دون أيّ ردّ يُذكَر من الطرف المستهدَف تُغري بنيامين نتنياهو، المتشبّث بالبقاء على “عرش إسرائيل”، بإبقاء الجبهات اللبنانيّة والسوريّة والغزّيّة وتلك المندلعة في الضفّة الغربيّة، وصولاً إلى إيران واليمن، في حالة التهاب مستمرّ.

 

 

لم تعُد ثنائيّة “الانتخابات والحرب” صدفة تاريخيّة وحسب، بل تحوّلت إلى معادلة ثابتة في السياسة الإسرائيليّة. لكنّ خطورتها هذا العام مضاعفة لأنّها قد تجرّ المنطقة إلى كوارث استراتيجيّة واسعة. كانت الضرورات الانتخابيّة وراء اندلاع حرب 1982 في لبنان، وحرب 2006، وسلسلة حروب غزّة المتتالية. أمّا اليوم فالترابط بين الموسم الانتخابيّ المقبل وبين مواصلة الحرب، خصوصاً ضدّ “الحزب”، بات مباشراً ووثيقاً إلى درجة غير مسبوقة. أصبحت الجبهة الشماليّة أسيرة حسابات صناديق الاقتراع، وباتت ورقة انتخابيّة في يد اليمين المتطرّف.

يُدخل عامُ 2026 إسرائيل في معركة انتخابيّة تتجاوز حدود السياسة الداخليّة لتلامس خرائط النار المشتعلة على أطراف المنطقة كلّها

مشهد سياسيّ بلا بدائل… ويمين يزداد تطرّفاً

لا يكشف المشهد الإسرائيليّ اليوم انقسامات حقيقيّة بين التيّارات المؤثّرة. تكاد تتلاشى الفوارق بين المنافسين، والجامع بينهم هو الإصرار على أنّ أيّ تنازل سياسيّ سيهدّد “يهوديّة الدولة” وأمنها القوميّ. قضى تيّار السلام اغتيالاً مع إسحق رابين في ساحة ملوك إسرائيل في تل أبيب عام 1995، ولم ينهض بعده مشروع سياسيّ قادر على موازنة الجنوح القوميّ الدينيّ.

يقدّم نتنياهو، المُحرِّض الأبرز على قتل سلفه، نفسه لجمهور اليمين المتشدّد، الذي يزداد تغلغلاً في المجتمع الإسرائيليّ، باعتباره حامي الحمى وآخر حصون الردع في مواجهة “الخطر الأكبر”: “الحزب”، الذي يُشيع الإعلام الإسرائيليّ أنّه “يعيد ترميم نفسه” و”يستعدّ للانتقام”.

لا تزال المستوطنات في الشمال شبه خالية. لا تتجاوز نسبة العائدين خمسين في المئة. يفكّر عدد كبير منهم في حزم حقائبه والنزوح مجدّداً بعد كلّ تهديد بجولة قتال جديدة. لا استقرار اجتماعيّاً ولا اقتصاديّاً ولا حياة طبيعيّة ولا إعادة إعمار في “الكيبوتزات” الشماليّة. هكذا يصير الحفاظ على أمن الشمال ورقة انتخابيّة في يد اليمين المتطرّف. لا تنفكّ أحزاب “الليكود” و”الصهيونيّة الدينيّة” و”أمناء الهيكل” تحذّر من أنّ وجود “الحزب” على الحدود “تهديد وجوديّ”، يتعيّن إبعاده ليس فقط من جنوب نهر الليطاني بل أيضاً من شماله.

لا تزال المستوطنات في الشمال شبه خالية. لا تتجاوز نسبة العائدين خمسين في المئة

لا هدنة.. لا تفاوض.. لا حلّ دبلوماسيّاً

في منطق اليمين الإسرائيليّ، أيّ تهدئة أو تفاوض ضعف. هناك تعطّش متصاعد لـ”الحلّ النهائيّ” والقضاء المُبرم على “الإرهاب الآتي من رأس الأفعى إيران”. يحشد هذا الخطاب الأصوات ويرصّ الصفوف حول عتاة التشدّد وأصحاب الخطاب الفاشي. يحتاج الائتلاف الحاكم إلى إنجاز أمنيّ وانتصار سياسيّ لم يحصل بعد. أنهكت حرب العام الماضي “الحزب” لكنّها لم تُنهِ قدراته، والجيش اللبنانيّ لم ينجرّ إلى معركة داخليّة لنزع سلاحه.

بعد الفشل في تحقيق “النصر الحاسم” في غزّة، تبدو الجبهة الشماليّة “الفرصة الأخيرة” قبل التوجّه إلى الانتخابات. بات التصعيد شمالاً الأنبوب لمدّ النفَس الانتخابيّ اليمينيّ بالأوكسيجين اللازم. ينحو الائتلاف الحاكم أكثر نحو البطش وعرض العضلات. يدير الأذن الطرشاء لأيّ طلب لبنانيّ للتفاوض. يَئد اقتراحات الحلّ الدبلوماسيّة في مهدها. يوسّع الجيش دائرة عمليّاته لزيادة الضغط وجرّ الطرف الآخر إلى ردّ مطلوب لتوفير الغطاء الدوليّ لحرب شاملة. يجعل صراع نتنياهو من أجل البقاء قرارَ الحرب أداةً داخليّة لا استراتيجيةً عسكريّة.

لا يرى نتنياهو اليوم شيئاً سوى صناديق الاقتراع، وهدفه الوصول إليها من دون محاكمة عبر طلب عفو مثير للجدل. قد تكون هذه آخر معاركه السياسيّة بسبب تقدّمه في السنّ. لذا هو مستعدّ لدفع المنطقة إلى مواجهة مفتوحة من أجل ضمان بقائه. هكذا يزرع في الوعي الإسرائيليّ صورة “العدوّ الخارجيّ” قبل الانتخابات.

اغتيال رئيس أركان “الحزب” هيثم علي طبطبائي، الضربات اليوميّة على أهداف في لبنان، الاستعداد لحملة برّيّة، زيادة موازنة الدفاع، إعادة الربط بين الجبهتين اللبنانيّة والسوريّة بعد الاشتباك في بلدة بيت جن السوريّة الحدوديّة والحملة على قوّة “اليونيفيل” الأمميّة لحملها على الإسراع في الرحيل، كلّها مؤشّرات خطرة إلى نيّته إبقاء إسرائيل في حالة حرب دائمة تخدم الطموحات السياسيّة للحكومة.

إقرأ أيضاً: حكاية العفو… بين عرفات وكلينتون ونتنياهو

السؤال الأكبر: ماذا سيفعل “الحزب”؟

أيّ حكومة إسرائيليّة مقبلة ستحدّد شكل الصراع لعقد كامل. إزاء هذا، يقف “الحزب” أمام ثلاثة خيارات صعبة:

  • التخلّي عن ضبط النفس والردّ، وهو ما يمنح نتنياهو ما يبحث عنه: حرباً شاملة بموافقة داخليّة ودوليّة.
  • الاستمرار في الصبر الاستراتيجيّ أملاً أن يحصل تغيير في إسرائيل يطيح اليمين المتطرّف.
  • قبول وساطات دوليّة تقود إلى وقف الحرب بشروط تحفظ الحدّ الأدنى من التوازن.

مواضيع ذات صلة

هل يستميل لبنان فرنسا وأميركا في التّفاوض؟

تتوالى الاستحقاقات على لبنان وما سينجم عنها في الأسابيع المقبلة. بين ثناياها وتواريخها  يختبر اللبنانيّون مراهنتَين على: – أن تصرّ واشنطن على تل أبيب كي…

ترامب “يستدعي” نتنياهو لفرض المرحلة الثّانية

لا يبدو أنّ المرحلة الثانية من خطّة دونالد ترامب ستنطلق قبل زيارة بنيامين نتنياهو لواشنطن، المتوقّعة في نهاية الشهر الحالي. من السذاجة الاعتقاد أنّ التأخير…

أجواء برّي: تعديل اتّفاق الهدنة… وقف النّار أوّلاً

أفسح تعيين مفاوض مدنيّ هو السفير السابق سيمون كرم رئيساً للوفد العسكريّ إلى اجتماعات لجنة “الميكانيزم” في المجال أمام البحث في حلول سياسيّة ممّا كان…

بهشلي – بارزاني: خطّان متوازيان… يلتقيان؟

شهدت العلاقات بين أنقرة وإربيل خلال الأعوام الأخيرة تقدّماً ملموساً تجاوز الكثير من العقبات، مدفوعةً بتقاطع المصالح وبناء قنوات ثقة متدرّجة. لكنّ  “حادثة شرناق” وضعت…