الكويت: “الأهوال الشّخصيّة” تفتح باب قندهار

مدة القراءة 6 د

شمل التحوّل الكبير الذي تعيشه الكويت منذ حوالي عامين مُراجعةً كاملةً لكلّ القوانين البالغ عددها 983. أُنجز تقريباً 20% منها، والعمل متواصل بوتيرة مكثّفة، فتمّت مراجعة تقريباً 10 قوانين في كلّ شهر… إلى أن بلغ النقاش قانون الأحوال الشخصيّة الذي شطر الكويتيّين شطرَين!

 

كانت الأمور على ما يُرام إلى حدّ كبير من دون اعتراضات ثقيلة على التعديلات التي طالت قوانين اجتماعيّة واقتصاديّة وجنائيّة وإداريّة وغيرها، إلى أن وصل الدور لقانون الأحوال الشخصيّة، الذي يُعدّ الأصعب والأهمّ، بالنظر إلى تداخل المعطيات القانونيّة والاجتماعيّة والدينيّة، فارتفع الضجيج الذي كان غائباً منذ حلّ مجلس الأمّة في أيّار 2024، وانقسم المجتمع الكويتيّ بين مؤيّد لتعديلات طال انتظارها ومعارض للعودة إلى “كهوف قندهار”.

من خارج “المسار الهادئ” في الشأن الداخليّ الكويتيّ، جاء تسريب مسوّدة تعديلات قانون الأحوال الشخصيّة قبل عرضها على مجلس الوزراء تمهيداً لاعتمادها.

في لقاء قبل أسابيع، قال وزير العدل ناصر السميط إنّ قانون الأحوال الشخصيّة الصادر عام 1984 “سيّئ جدّاً” ولا ينسجم مع المجتمع الكويتيّ ويتعارض في بعض نصوصه مع الشريعة، وهو ما يستوجب تعديله.

شمل التحوّل الكبير الذي تعيشه الكويت منذ حوالي عامين مُراجعةً كاملةً لكلّ القوانين البالغ عددها 983

وافقه محامون رأوا أنّ بعض الموادّ تشجّع على الطلاق بسبب المزايا الممنوحة للمطلَّقة، كاشفين عن “أهوال” في قضايا شخصيّة، وأنّ 70% من الطلاق يحدث لأسباب تافهة مثل الإفراط في لعب “بلاي ستيشن” أو “شخير” الزوج. من الانتقادات أيضاً ما يتعلّق بالحضانة وتقييد رؤية الأب بستّ ساعات أسبوعيّاً.

بعد أشهر من المداولات، تمّ وضع المسوّدة شبه النهائيّة، التي شهدت تعديل 134 مادّة وإضافة 38 مادّة جديدة، والإبقاء على 194 مادّة. مع الكشف عن تفاصيلها، دخلت صحف أساسيّة على الخطّ، مثل “القبس” و”الجريدة” اللتين تُعبّران عن الخطّ الليبراليّ، فعنونت الأولى افتتاحيّتها “تعديلات قانون الأحوال الشخصيّة لا تُشبه الكويت”، فيما نشرت الثانية تفاصيل التعديلات على حلقتين، وألقت الضوء على سلبيّات كثيرة قد تنشأ بسبب بعض التعديلات المثيرة للجدل.

إلى ذلك دخل نوّاب سابقون ورجال دين في دائرة السجال، فكان التيّار الإسلاميّ مؤيّداً بشدّة، مقابل رفض عارم من التيّار الليبراليّ، الذي تحدّث أنصاره عن “رِدّة اجتماعيّة”.

8 محاور خلافيّة

تمثّلت أبرز المحاور والموادّ الخلافيّة في ما يلي:

1 – أُضيفت مادّة جديدة تنصّ على “ضرورة أن تخدم المرأة زوجها وتعتني به، وألّا تخرج من مسكن الزوجيّة إلّا بإذنه، وفي حال امتنعت عن ذلك جاز له أن يطلب من المحكمة فسخ عقد الزواج لعدم انصياعها لأوامره وطلباته”.

أثارت هذه المادّة غضباً عارماً لدى النساء والمجتمع المدنيّ الذين اعتبر بعضهم أنّها تحوِّل المرأة إلى “خادمة مُطيعة”، خاصّة أنّه لا يوجد إجماع شرعيّ على أنّ خدمة المرأة لزوجها فريضة شرعاً، بقدر ما هي ثابتة في العادات والتقاليد. يرى أنصار هذا الرأي أنّ هذه الأمور لم تكن موضع خلاف، لكنّ النصّ عليها بهذا الوضوح سيثير خلافات أسريّة واجتماعيّة.

وافقه محامون رأوا أنّ بعض الموادّ تشجّع على الطلاق بسبب المزايا الممنوحة للمطلَّقة، كاشفين عن “أهوال” في قضايا شخصيّة

2 – اعتمد القانون وقوع الطلاق في حال استخدام الزوج ألفاظاً مثل “عليّ الطلاق” و”عليّ الحرام”، معتبراً ذلك طلاقاً ثابتاً إذا كان المقصود بتلك العبارات هو القَسَم.

3 – المساواة في النفقة بين المُقتدِر وغير المُقتدِر، وهو ما اعتُبر “غير عادل”.

4 –  حرمان المرأة غير المسلمة المتزوّجة من مسلم من الحضانة بسبب دينها، فيما كان النصّ الحاليّ يعطيها هذا الحقّ حتّى سنّ السابعة. يتعارض التعديل الجديد، برأي البعض، مع الدستور الذي يمنع التمييز في الحقوق بسبب الجنس أو الأصل أو الدين.

5 – إجازة الزواج لمن هم أقلّ من 18 سنة، وفتح الباب أمام تزويج المجنون والمعتوه، بقرار استثنائيّ من القاضي.

6 – السماح للزوجين بأن يطلب أيّ منهما الفسخ بسبب “إضرار الآخر به”. رأى البعض في هذه المادّة مجالاً فضفاضاً سيؤدّي إلى زيادة حالات الطلاق.

7 – تعديل قواعد الحضانة بحيث يصبح السنّ 18 سنة، سواء للذكر أو الأنثى، ونقل الحضانة من الأمّ إلى الأب، في حين أنّ القانون الحاليّ ينقلها من الأمّ، إذا فقدتها لأيّ سبب، إلى أمّها، ثمّ إلى الأب ولاحقاً إلى أمّه. ويسمح التعديل بأن يطلب الأب نقل الحضانة إليه متى بلغ المحضون سنّ 12 عاماً، من دون مراعاة الخصوصيّة النسائيّة والنفسيّة للبنت.

8 – إلغاء “الوصيّة الواجبة”، على اعتبار أنّها شُرّعت سابقاً لإنصاف أولاد من مات في حياة أبيه أو أمّه (الذين يحجبهم عمّهم أو أعمامهم بالميراث الشرعيّ)، ودرءاً لفقرهم وحاجتهم، في حين أنّ الدولة حاليّاً تمنح المعونات المعيشيّة، ويمكن أن يساعدهم أهل الخير والمعروف.

رأى المعارضون أنّ حرمان الأحفاد من إرث جدّهم، ستكون له انعكاسات سلبيّة كبيرة ويخلق أحقاداً داخل الأسرة الواحدة.

جدل محتدم

مع تداخل العوامل الشرعيّة بالقانونيّة والاجتماعيّة، أعادت هذه القضيّة إلى الأذهان الجدالات التي كانت تحتدم في زمن مجالس الأمّة السابقة، إذ لم تشهد الكويت منذ حلّ مجلس الأمّة الأخير قضيّة مماثلة أخذت هذا الحجم من السجال والخلاف العلنيّ.

إقرأ أيضاً: الاستثمارات “تصالح” أميركا والصّين

في أبرز مواقف النوّاب السابقين، اعتبر صالح عاشور أنّ “(خدمة الزوج) مصطلح واسع وهو أمر تطوّعيّ وليس واجباً وفق الشرع”، فيما وصفت جنان بوشهري القانون الجديد بقانون “وأد” الأحوال الشخصيّة وهاجمته بشدّة.

في المقابل، كان التيّار المحافظ والإسلاميّ “مُنتشياً” بالتعديلات، وانبرى كثيرون منه للدفاع عن القانون الوليد، ووصل الأمر إلى حدّ انتقاد النائب السابق محمّد هايف كثرة الآراء من قبل مَن اعتبرهم “غير متخصّصين”.

جوبهت هذه الآراء بموجة رفض عارمة شملت ما عبّرت عنه المحامية أريج حمادة التي حذّرت من أنّ مثل هذه القوانين هدفها “تحويل الكويت إلى قندهار”، متوجّهة إلى “جماعة قندهار” بالقول: “قانونكم لن يمرّ”.

مواضيع ذات صلة

هل يستميل لبنان فرنسا وأميركا في التّفاوض؟

تتوالى الاستحقاقات على لبنان وما سينجم عنها في الأسابيع المقبلة. بين ثناياها وتواريخها  يختبر اللبنانيّون مراهنتَين على: – أن تصرّ واشنطن على تل أبيب كي…

ترامب “يستدعي” نتنياهو لفرض المرحلة الثّانية

لا يبدو أنّ المرحلة الثانية من خطّة دونالد ترامب ستنطلق قبل زيارة بنيامين نتنياهو لواشنطن، المتوقّعة في نهاية الشهر الحالي. من السذاجة الاعتقاد أنّ التأخير…

أجواء برّي: تعديل اتّفاق الهدنة… وقف النّار أوّلاً

أفسح تعيين مفاوض مدنيّ هو السفير السابق سيمون كرم رئيساً للوفد العسكريّ إلى اجتماعات لجنة “الميكانيزم” في المجال أمام البحث في حلول سياسيّة ممّا كان…

بهشلي – بارزاني: خطّان متوازيان… يلتقيان؟

شهدت العلاقات بين أنقرة وإربيل خلال الأعوام الأخيرة تقدّماً ملموساً تجاوز الكثير من العقبات، مدفوعةً بتقاطع المصالح وبناء قنوات ثقة متدرّجة. لكنّ  “حادثة شرناق” وضعت…