لماذا تسريبات “التّوتّر” في محادثات ترامب – بن سلمان؟

مدة القراءة 5 د

لم يكن بريئاً أن تسرّب أوساط البيت الأبيض جانباً متوتّراً من محادثات وليّ العهد السعوديّ الأمير محمّد بن سلمان والرئيس الأميركيّ دونالد ترامب الأخيرة في واشنطن. على الرغم من أنّ مادّة ذلك التوتّر مرتبطة بتمسّك الأمير بموقف المملكة وشروطها لإقامة علاقات مع إسرائيل، ليس الأمر جديداً أو كشفاً فاجأ الرئيس الأميركيّ. الظاهر أنّ الكشف عن الأمر يفضح ضيقاً داخل الإدارة أو في علاقة البيت الأبيض مع “لوبيات” الكونغرس، لا سيما تلك المنخرطة في سياق دفاع بنيويّ عن إسرائيل.

 

يلفت مرجع سياسيّ لبنانيّ إلى أنّ الواقعة التي كشف عنها موقع “أكسيوس” الأميركي واعتبرها “سبقاً”، الثلاثاء، هي نسخة طبق الأصل من واقعة جرت في الرياض كشف عنها الكاتب الأميركيّ بوب وودورد في كتابه “War” الصادر في تشرين الأوّل 2024. يروي الكاتب في الفصل المتعلّق بزيارة وزير الخارجيّة أنتوني بلينكن في عهد الرئيس السابق جو بايدن للعاصمة السعوديّة بعد اندلاع حرب 7 أكتوبر/تشرين الأوّل 2023 في غزّة، أنّ الوزير الأميركيّ أثار مسألة التطبيع مع الأمير محمّد، فتلقّى جواب الرفض والشروط الملزمة لأيّ علاقة مع إسرائيل، موبّخاً ضيفه على موقف واشنطن في إدارة الأزمة والحرب.

لم يكن الموقف السعوديّ أسير مناقشات تجري داخل الجدران. أمعنت المملكة في جعل موقفها شفّافاً علنيّاً أكثر وضوحاً وتسويقه لجعله موقفاً دوليّاً شاملاً. حين اشترطت إدارة بايدن ربط أيّ اتّفاقات في مجال الأمن والدفاع والقطاع النوويّ باتّفاقات تطبيع مع إسرائيل، تمسّكت الرياض بشرط إقامة دولة فلسطينيّة قبل الشروع في أيّ علاقات مع إسرائيل. ذهب موقف الرياض إلى حدود حزم تشبه تماماً طباع وليّ العهد، حين أوقفت التفاوض بشأن تلك الاتّفاقات حتّى حين أسقطت إدارة بايدن شرط التطبيع وتخلّت عنه.

ترامب نفسه بات مقتنعاً بأنّ الاستقرار في المنطقة لا يمكن أن يتحقّق إلّا وفق الحلّ السعوديّ

موقف الرّياض لم يتغيّر

لا يمكن تخيّل أنّ ترامب كان يعتقد أنّ موقف الرياض في عهد بايدن قد يتغيّر في عهده. امتلك رجل أميركا القويّ من الحنكة والحصافة والمعطيات ما يجعله يستنتج أنّ الموقف السعوديّ بنيويّ، شديد الارتباط بالرؤية التي تراها السعوديّة وملكها وأميرها مصلحة للمنطقة وقاعدة لاستقرارها الحقيقيّ. حين زار الرئيس الأميركيّ الرياض في أيّار الماضي سمع من وليّ العهد مطالعة تفسّر مقاربة المملكة للأزمة وتعرض المفاتيح العمليّة لإنهاء الصراع: لا نجاعة لعلاقات مع إسرائيل من دون أن ينتهي الاحتلال وتقوم للفلسطينيّين دولتهم.

ترامب

خلال عامَيْ حرب غزّة قادت المملكة جهوداً دبلوماسيّة مكثّفة أثمرت في 27 أيلول 2024 في اجتماع وزاريّ بشأن القضيّة الفلسطينيّة وجهود السلام عُقد على هامش أعمال الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في دورتها الـ79، بمدينة نيويورك الأميركية، إعلان إطلاق “التحالف العالميّ من أجل تنفيذ حلّ الدولتين”. لاحقاً تدحرجت تلك الجهود لتتدافع دول معترضة ومتحفّظة للاعتراف بالدولة الفلسطينيّة.

قادت الرياض وباريس مؤتمراً مشتركاً للدفاع عن قيام دولة فلسطينيّة على هامش قمّة الأمم المتّحدة الأخيرة في نيويورك. راقب ترامب هذا التطوّر، تململ واعتبره غير مفيد، لكنّه أخذ علماً بأنّ الرياض تقود عالماً يتغيّر دفعه لإسقاط “ريفييرا” غزّة والقفز بحذر نحو الحلّ السعوديّ: مسار لقيام دولة فلسطينيّة.

تروي بعض المصادر أنّ رئيس الوزراء البريطانيّ كير ستارمر التقى الرئيس الأميركيّ في اسكتلندا أثناء زيارة قام بها ترامب لمسقط رأس والدته في تمّوز الماضي وفاتحه بأنّ لندن تفكّر في الاعتراف بالدولة الفلسطينيّة. حين سأله ترامب عن الدوافع أخبره بأنّ الرئيس الفرنسيّ حثّه في زيارة الدولة التي قام بها قبل أسابيع للندن على الاتّساق مع مزاج عامّ في العالم العربيّ يقوده الأمير محمّد بن سلمان. سكت ترامب، فأعلن ستارمر ذلك بعد ساعات بعدما فُهم في لندن أنّ “السكوت علامة الرضى”.

لم يبدِ ترامب في الظهور العلنيّ مع وليّ العهد السعوديّ أيّ علامة توحي بغبار تبرّم من موقف ضيفه

إعطاء طابع المحادثات الصّعبة

يبدو أنّ سبق “أكسيوس” المستند إلى تسريبات نُقلت عن “مسؤولين أميركيّين” من داخل البيت الأبيض يهدف إلى إعطاء طابع “المحادثات الصعبة” مع الضيف السعوديّ. تقول المعلومات إنّ دوائر ترامب تردّ ما يشبه حملة تشنّها دوائر داخل الدولة وبعضها قريب من إسرائيل بشأن موافقة البيت الأبيض على كسر التفوّق الجوّي الإسرائيليّ بالموافقة على بيع الرياض مقاتلات F-35 الأكثر تقدّماً في الصناعة العسكريّة الأميركية والأكثر كفاءة على مستوى العالم.

غير أنّ ما أرادته التسريبات دليلاً على جدّية جهود الرئيس الأميركيّ في ممارسة الضغوط لدفع السعوديّة للانضمام إلى اتّفاقات التطبيع مع إسرائيل، أرادته أيضاً أن يكون عرضاً جديداً لما تغيّر في السعوديّة ولا يتحوّل بين إدارة ديمقراطيّة وإدارة جمهوريّة حتّى لو كان يقودها ترامب بالذات الذي يفتخر بصداقته الشخصيّة مع الأمير السعوديّ.

قالت التسريبات أيضاً إنّ السعوديّة رقم صعب لا يمكن تجاوزه، وإنّ مسألة التطبيع ساقطة، وإنّ ترامب نفسه بات مقتنعاً بأنّ الاستقرار في المنطقة لا يمكن أن يتحقّق إلّا وفق الحلّ السعوديّ الذي تأكّدت عناوينه من جديد في ما وصف بالاجتماع المتوتّر بين الزعيمين داخل بيت ترامب نفسه.

إقرأ أيضاً: بن سلمان يفرض أجندته: واشنطن تُصغي لوصايا الأمير

لم يبدِ ترامب في الظهور العلنيّ مع وليّ العهد السعوديّ أيّ علامة توحي بغبار تبرّم من موقف ضيفه. حين سئل عمّا إذا كان أثار مسألة علاقة السعوديّة مع إسرائيل، ردّ ترامب بحبور: نعم، تاركاً للأمير محمّد الردّ والتفسير. بدا أنّ الرئيس الأميركيّ مغتبط بموقف ضيفه على نحو لا يمكن أن يشي أنّ توتّراً شابَ محادثاتهما داخل الغرف المغلقة على منوال ما تشي به تسريبات “أكسيوس” ومراميها.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@mohamadkawas

مواضيع ذات صلة

هل يستميل لبنان فرنسا وأميركا في التّفاوض؟

تتوالى الاستحقاقات على لبنان وما سينجم عنها في الأسابيع المقبلة. بين ثناياها وتواريخها  يختبر اللبنانيّون مراهنتَين على: – أن تصرّ واشنطن على تل أبيب كي…

ترامب “يستدعي” نتنياهو لفرض المرحلة الثّانية

لا يبدو أنّ المرحلة الثانية من خطّة دونالد ترامب ستنطلق قبل زيارة بنيامين نتنياهو لواشنطن، المتوقّعة في نهاية الشهر الحالي. من السذاجة الاعتقاد أنّ التأخير…

أجواء برّي: تعديل اتّفاق الهدنة… وقف النّار أوّلاً

أفسح تعيين مفاوض مدنيّ هو السفير السابق سيمون كرم رئيساً للوفد العسكريّ إلى اجتماعات لجنة “الميكانيزم” في المجال أمام البحث في حلول سياسيّة ممّا كان…

بهشلي – بارزاني: خطّان متوازيان… يلتقيان؟

شهدت العلاقات بين أنقرة وإربيل خلال الأعوام الأخيرة تقدّماً ملموساً تجاوز الكثير من العقبات، مدفوعةً بتقاطع المصالح وبناء قنوات ثقة متدرّجة. لكنّ  “حادثة شرناق” وضعت…