من يدسّ السّمّ في علاقة الرّئيس بـ”القوّات”؟

مدة القراءة 5 د

شكّل إلغاء زيارة قائد الجيش لواشنطن صدمة للحكم. أحدث بلبلة وقلقاً. إنّها رسالة مباشرة وقويّة للرئيس جوزف عون. هو كان عماد الجيش. وهو من عيّن العماد رودولف هيكل في هذا المنصب. الرئيس تلقّى الرسالة. واتّهم من “يبخّون السمّ” بالوقوف وراء إلغاء الزيارة. كلام سوّقه البعض وكأنّه موجّه ضدّ “القوّات اللبنانيّة”.   

 

من اعتبر أنّ كلام الرئيس موجّه لـ”القوّات” يسعى إلى الاصطياد في الماء العكر بين الطرفين، انطلاقاً من أنّ الخلفيّة العسكريّة للرئيس وتاريخ العلاقة بين “القوّات” والجيش أرض خصبة لزرع الشقاق. وهم بذلك مخطئون لعدّة أسباب:

1- إنّ العماد جوزف عون هو اليوم رئيس جمهوريّة كلّ لبنان وليس قائداً للجيش.

2- إنّ الصراع المسلّح الذي وقع بين “القوّات” وقسم من الجيش بين عامَي 1988 و1990، لم يكن بين “القوّات” والجيش اللبنانيّ، إنّما بين “القوّات” وألوية من الجيش حوّلها ميشال عون حينها إلى نوع من ميليشيا خدمةً لطموحاته الرئاسيّة.

3- إنّ نضال “القوّات” منذ خروج سمير جعجع من المعتقل يهدف إلى قيام الدولة الفعليّة، واستعادة قرارَي السلم والحرب، وبسط سلطتها على كامل التراب اللبنانيّ بقواها الذاتيّة، وفي مقدَّمها الجيش اللبنانيّ.

4- إنّ ثبات “القوّات” في موقفها ضدّ السلاح غير الشرعيّ، وفي مقدَّمه سلاح “الحزب”، هو أوّلاً دعم للجيش وحصريّة السلاح بيده ليتمكّن من اضطلاعه بمهامّه في الدفاع عن البلاد وحفظ الأمن فيها.

5- إنّ انتقاد “القوّات” للتباطؤ والمماطلة في تنفيذ قرار الحكومة اللبنانيّة بحصريّة السلاح بيد الجيش اللبنانيّ يصبّ في خدمة الجيش ليكون جيشاً فعليّاً بعدما حوّله “الحزب” على مدى عقود إلى نوع من شرطة وقوى أمن تفصل بينه وبين العدوّ الإسرائيليّ.

من اعتبر أنّ كلام الرئيس موجّه لـ”القوّات” يسعى إلى الاصطياد في الماء العكر بين الطرفين

6- إنّ حزب “القوّات” منذ استعادة نشاطه السياسيّ بعد 2005 كان دائماً حريصاً على مؤسّسة الجيش اللبنانيّ. لم يقُم بأيّ حملة ضدّه كما فعل إعلام “الحزب” حين راح يكتب عن الفساد في صفوفه. لم يشنّ الحملات ضدّ قائده كما فعل التيار العوني حين اتّهم جوزف عون بالفساد لأغراض انتخابيّة رئاسيّة.

الجبيليّ في واشنطن

استغلّ المصطادون في الماء العكر وجود القياديّ “القوّاتيّ” جوزف الجبيليّ في الولايات المتّحدة الأميركيّة خلال الشهر المنصرم لشنّ حملة على “القوّات”. في الواقع كان وجود الجبيليّ هناك في إطار جولة في بلاد الاغتراب استعداداً للحملة الانتخابيّة النيابيّة المقبلة. وهذه مهمّته في الحزب. يمثّل المغتربين في الهيئة التنفيذيّة للحزب. ويعرف القاعدة القوّاتيّة جيّداً في كندا والولايات المتّحدة الأميركيّة حيث أقام على مدى ثلاثة عقود تابع خلالها “القوّاتيّين” وشؤونهم ونشاطهم، وقاد نضالهم من أجل خروج الدكتور سمير جعجع من السجن. وبعد 2005 تابع نضاله كقياديّ في “الحزب” ملتزماً سياساته العامّة التي تُختصر بعبارة: بناء دولة فعليّة.

القوّات

خطاب واحد لـ”القوّات”

خلال إقامته في الولايات المتّحدة الأميركيّة نجح الجبيليّ بصفته مسؤولاً عن “القوّاتيّين” في نسج علاقات جيّدة ومحترمة في عاصمة القرار العالميّ مع أعضاء في الكونغرس الأميركيّ. وله علاقات مع أعضاء في الإدارات الأميركيّة المتعاقبة منذ جورج بوش الابن وصولاً إلى دونالد ترامب. ما يقوله حين يلتقي مسؤولين أميركيّين هو نفسه ما يقوله رئيس “القوّات” سمير جعجع للدبلوماسيّين الأميركيّين وغير الأميركيّين الذين يزورون معراب للوقوف على رأيه. وهو ما يقوله رئيس “القوّات” للمسؤولين اللبنانيّين في اجتماعاته بهم أو من خلال الوزراء الذين يمثّلون “القوّات” في الحكومة أو عبر الإعلام. من المعروف عن “القوّات” أنّ لديها خطاباً واحداً لا خطابين. هذا ما أكّدته في ما مضى وثائق ويكيليكس، التي نشرتها في لبنان وسائل إعلام “الحزب”، وفضحت العديد من السياسيّين في لبنان.

حزب “القوّات” منذ استعادة نشاطه السياسيّ بعد 2005 كان دائماً حريصاً على مؤسّسة الجيش اللبنانيّ

تقارير وقرارات

ربّما قصد الرئيس عون في كلامه اللوبيّ اللبنانيّ الفاعل في الإدارة الأميركيّة وبعض السياسيّين والناشطين السياسيّين والمصرفيّين ورجال الأعمال الذين يزورون العاصمة الأميركيّة ويلتقون مسؤولين في الإدارة والكونغرس. لكنّ العارفين في السياسة الأميركيّة وخفاياها يؤكّدون أنّ تأثير هؤلاء في القرارات الأميركيّة ضعيف جدّاً. تُتّخذ القرارات في عاصمة القرار العالميّ استناداً إلى تقارير دبلوماسيّة واستخباريّة تأتي من البعثات الدبلوماسيّة الأميركيّة في لبنان والمنطقة والعالم ومن أجهزة الاستخبارات الأميركيّة الناشطة في لبنان والمنطقة. وترد إلى واشنطن تقارير من دول حليفة لها مثل بريطانيا وفرنسا ومن دول إقليميّة أيضاً، إضافة إلى تقارير اسرائيليّة طبعاً.

إقرأ أيضاً: “القوّات” تشنّ حرباً على العهد: كونوا كأفيخاي!

إنذار جدّيّ

إلغاء زيارة قائد الجيش لواشنطن إنذار جدّيّ سبقته تحذيرات تكرّرت على لسان المبعوث الأميركيّ توم بارّاك وزميلته مورغان أورتاغوس. ستتكرّر أيضاً على لسان السفير الأميركيّ الجديد ميشال عيسى، ومفادها أنّ المُهلة المعطاة للحكم والحكومة في معالجة قضيّة سلاح “الحزب” وتفكيك منظومته العسكريّة والأمنيّة ليست مفتوحة، وبالتالي ليست القضيّة في من “يبخ السمّ” إنّما في التحرّك جدّيّاً وبسرعة لعدم تجرّع كأس السمّ من جديد.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@Fadi_ahmar

مواضيع ذات صلة

هل يستميل لبنان فرنسا وأميركا في التّفاوض؟

تتوالى الاستحقاقات على لبنان وما سينجم عنها في الأسابيع المقبلة. بين ثناياها وتواريخها  يختبر اللبنانيّون مراهنتَين على: – أن تصرّ واشنطن على تل أبيب كي…

ترامب “يستدعي” نتنياهو لفرض المرحلة الثّانية

لا يبدو أنّ المرحلة الثانية من خطّة دونالد ترامب ستنطلق قبل زيارة بنيامين نتنياهو لواشنطن، المتوقّعة في نهاية الشهر الحالي. من السذاجة الاعتقاد أنّ التأخير…

أجواء برّي: تعديل اتّفاق الهدنة… وقف النّار أوّلاً

أفسح تعيين مفاوض مدنيّ هو السفير السابق سيمون كرم رئيساً للوفد العسكريّ إلى اجتماعات لجنة “الميكانيزم” في المجال أمام البحث في حلول سياسيّة ممّا كان…

بهشلي – بارزاني: خطّان متوازيان… يلتقيان؟

شهدت العلاقات بين أنقرة وإربيل خلال الأعوام الأخيرة تقدّماً ملموساً تجاوز الكثير من العقبات، مدفوعةً بتقاطع المصالح وبناء قنوات ثقة متدرّجة. لكنّ  “حادثة شرناق” وضعت…