يومَ انتقمتُ لسمير قصير… من نجوى كرم!

مدة القراءة 4 د


لا تفوتُ ذكرى لسمير قصير ولا أكتب شيئاً فيها. ودائماً ما أُحدّث نفسي بأنَّ في وسع الكلمات أن تنوب عن الوردة التي تمنعني الظروف من وضعها على قبره.

لكني هذه المرَّة أريد أن أكتب شيئاً مختلفاً عمَّا أكتبه في كلّ ذكرى. أريد أن أرويَ قصَّة حقيقية، مرحة ومريرة في الآن ذاته، حدثت سنة 2007، واعتبرتُها انتقاماً رمزياً لسمير قصير من فئة لبنانية، غير قليلة، لم تحترم دمه وشهادته، هو وغيره من شهداء الحرّية في لبنان.

ففي تلك السنة (2007) كنتُ ما أزال أعمل سكرتير تحرير في مجلَّة “سنوب الحسناء” البيروتية، والتي تميَّزت عن غيرها من المجلَّات الفنّية بكونها تتخيَّر الأدباء والشعراء للإشراف على تحريرها. وكانت مقالاتي السياسية لـمَّا تنقطع بعدُ في “ملحق النهار”، وفي أيّ منبر سَمَحَ لي بنشر رأيي المعترض على دكتاتورية الحكم في دمشق.

إقرأ أيضاً: في ذكرى سمير قصير: بيروت تنتظر ربيعها.. كذلك دمشق

كانت الاغتيالات السياسية بلبنان في أوجها، وكانت حصَّة الصحافة منها كبيرةً، حيث تمَّ اغتيال سمير قصير وجبران تويني، إضافة إلى محاولة اغتيال مي شدياق. وفي زمن الحادثة التي أنا في صدد روايتها لم يكن قد مضى على اغتيال النائب اللبناني وليد عيدو سوى بضعة أسابيع.

وفي خضمّ هذه الدوَّامة المدفوعة بقوَّة الدم والعنف، تفاجأ اللبنانيون بذهاب المطربة اللبنانية الشهيرة نجوى كرم إلى دمشق والغناء لبشار الأسد (بالاسم!) على الرغم من كونه المتهم الأوَّل بتلك الاغتيالات!

الضجَّة الكبيرة التي حدثت بعد ذلك، دفعت نجوى كرم إلى اختراع إطلالة إعلامية عاجلة تدافع فيها عن نفسها وتحاول التبرير لهذا السقوط.

ولسوء حظّها، وقع اختيارها على المجلَّة التي كنتُ أعمل فيها، لإجراء الحوار المطلوب، والذي ما إن عرفتُ بأمره حتى رحتُ أفركُ يديَّ فرحاً، كما يفعل الأشرار في مسلسلات الكرتون.

أخبرتني إدارة المجلَّة بأن نجوى كرم اشترطت حصولها على النصّ النهائي للحوار، بعد تفريغه على الورق وتحريره، لتُراجعه بنفسها وترسل إلينا نسخته النهائية التي لا يجب أن نزيد عليها كلمةً أو نُنقص منها كلمةً.

وقد كان لها ذلك، حيث قمتُ بتصحيح الحوار وتحريره، ثمَّ أُرسل إليها بالفاكس، فقرأتْه بعناية قبل أن تعيد إرساله مع الموافقة.

الحقيقة أنَّ نجوى كرم مدحتْ “حكمة الأفعى” في سياق بريء وهامشي في الحوار، دون أن يخطر في بالها أنني سأقوم بوضعه عنواناً بهذا الشكل

كانت خطَّتي (خدعتي) بسيطةً للغاية: عدم وضع عنوان للحوار في نسخته المرسلة لنجوى، على أمل ألا تنتبه لذلك بسبب انشغالها بتفاصيل الحوار الذي برَّرت فيه مسألة غنائها لبشار بالقول إنها ليست أغنية خاصَّة به، بل هي أغنية قديمة سبق لها أن غنَّتها لحافظ الأسد، وحين ذهبت إلى دمشق قامت بتبديل الأسماء من قبيل المجاملة!!

وبالفعل، دقَّقتْ نجوى في كلّ شيء بالمقابلة ونسيتْ أنها بلا عنوان، تاركةً لي هذه المهمَّة التي لم تكن عسيرةً على الإطلاق.

فقد قالت في سياق الحوار إنها لا تجد نفسها مناسبةً للغناء للأطفال، على الرغم من أنها غنَّت للأمّ والأب.

فجاء العنوان كالآتي:

لا ترى نفسها في أغنيات الأطفال بعدما غنَّت للأب والأم و… الأسد!

نجوى كرم: أحبّ أن أكون حكيمةً كالأفعى!

والحقيقة أنَّ نجوى كرم مدحتْ “حكمة الأفعى” في سياق بريء وهامشي في الحوار، دون أن يخطر في بالها أنني سأقوم بوضعه عنواناً بهذا الشكل.

ولكي أضمن عدم حصول اعتراض لدى إدارة المجلَّة على عنوان “عدواني” كهذا العنوان، ماطلتُ وماطلتُ بوضعه إلى ما قبل مرحلة الطباعة بقليل، بحيث لم يمرّ على الذين يملكون الصلاحية برفضه أو تغييره.

وهكذا صدر عدد المجلَّة، بعنوان “مُستغرَب” أثار ضجَّة كبيرة في الوسط الفنّي يومذاك، وأفقد نجوى كرم صوابها، ومنحني الإحساس بأنني ربما أكون قد نجحتُ في رسم البسمة على فم سمير قصير في غيابه.

 

مواضيع ذات صلة

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…

ياسر عرفات… عبقرية الحضور في الحياة والموت

كأنه لا يزال حيّاً، هو هكذا في حواراتنا التي لا تنقطع حول كل ما يجري في حياتنا، ولا حوار من ملايين الحوارات التي تجري على…

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…