لم يأتِ ردّ وزيرة الدفاع زينة عكر على الاستشارة القانونية للهيئة الاستشارية العليا في وزارة العدل والذي تؤكّد فيه صلاحيتها في اقتراح تعيين القضاة العدليين في المحكمة العسكرية خارج سياق المتوقّع في ظل الكباش العلني بين مجلس القضاء الأعلى من جهة، ورئاسة الجمهورية من جهة أخرى.
وفق معلومات لموقع “أساس” “تبلّغ مجلس القضاء الأعلى بنتيجة الاستشارة، وهو متمسّك برأيه حيال اختياره قضاة المحكمة العسكرية، مع تسجيله طلب وزيرة الدفاع استشارة من الهيئة الاستشارية العليا لم تلتزم بنتيجتها. لكن في المقابل، سيأخذ بطلب وزيرة الدفاع الوارد في الردّ بشطب أسماء ستة قضاة منتدبين إلى القضاء العسكري على اعتبار أن ملاك المحكمة هو 12 قاضياً، والمرسوم يتضمّن أسماء 18 قاضياً، ويتوجّب على مجلس القضاء الأعلى شطب “الفائض” وهم في هذه الحال: نضال الشاعر، لمى أيوب، أميرة صبرا، شربل ابو سمرا، ليلى رعيدي، حسين العبدالله”.
إقرأ أيضاً: عون: التشكيلات القضائية لن تمرّ
وتضيف المعلومات “أن هذا الفائض لطالما كان قائماً في السابق، وقد أتت وزيرة الدفاع لتقول بأن هناك ثلاثة محامين عامين وثلاثة قضاة تحقيق منتدبين والملاك مكتمل، فلماذا هذا الفائض؟”. مع العلم، أن أوساطاً مطلعة تشير إلى “أن هذا الفائض خصوصاً في المرحلة السابقة امتداداً إلى اليوم أملَته كثرة الملفات المفتوحة في سياق الجرائم المرتبطة بالإرهاب”.
الوزيرة عكر، بناءً على دراسة قانونية مضادة، اعتبرت أن المادة 13 من قانون القضاء العسكري التي تعطي وزير الدفاع صلاحية اقتراح أسماء القضاة العدليين لشغل مراكز في المحاكم العسكرية لا تزال نافذة ولم تُلغَ، بعكس ما جاء في الاستشارة الصادرة عن الهيئة الاستشارية في منتصف نيسان الفائت والتي جاء فيها أنه “منذ تعديل المادة 5 من قانون القضاء العدلي عام 1983، لم يَعُد لوزير الدفاع أيّ دور في ما يتعلَّق بمناقلات القضاة العدليين في المحاكم العسكرية”، بحيث باتت المادة المعدّلة عام 2001 تحصر بمجلس القضاء الأعلى وحده صلاحية وضع مشروع المناقلات القضائية.
وقد تضمّن ردّ وزيرة الدفاع على رأي الهيئة الاستشارية العليا تذكيراً بأن مجلس القضاء الأعلى سبق أن أصدر مراسيم التشكيلات القضائية استناداً الى المادة 13، وهناك أعضاء في المجلس الحالي كانوا أعضاء في مجالس سابقة أصدرت تشكيلات استناداً إلى المادة 13.
لكن فريقاً واسعاً جداً من القضاة يعتبر أن المادة 13 “نقطة سوداء كونها تشكّل تدخلاً سافراً في عمل مجلس القضاء الأعلى ويُفترض العمل على إلغائها إذا لم يكن النص القانوني صريحاً بهذا الاتجاه”.
هكذا، وفي اللحظة التي تتعرّض فيها القوى السياسية إلى ضغوط لـ “الإفراج” عن التشكيلات القضائية يتّجه الملف نحو مزيد من التعقيد. وأقلّ ما يمكن أن يقود إليه ارتفاع المتاريس أكثر بين الجسم القضائي، المُنقسِم على نفسه أيضاً بين مؤيّد ومعارض للتشكيلات، ورئاسة الجمهورية التي دخلت على خط فرملة إقرارها.
اليوم، جزءٌ من المرسوم المتعلّق بقضاة المحاكم العدلية موجود في أدراج رئاسة الجمهورية بعد توقيعه من جانب وزيرة العدل ورئيس الحكومة، والجزء الآخر المرتبط بقضاة المحكمة العسكرية سيلحق مبدئياً، بعد أخذ مجلس القضاء بطلب وزيرة الدفاع بشطب الفائض، بالمرسوم الأول ليستقرّ أيضاً في أدراج مكتب الرئيس الذي لن يوقّع على المرسومين، وفق المعلومات، بسبب رفضه تحجيم قضاة محسوبين على العهد!
بمطلق الأحوال، لم تعد المقاربة القانونية لملف التشكيلات ذات قيمة بعدما نَخَرها التسييس حتى العظم.
فريق رئاسة الجمهورية سلّم منذ صدور التشكيلات أن مجلس القضاء الأعلى تلطّى بحجّة إبعاد السياسة عن القضاء لتنتقل عملية الاستئثار السياسي إلى داخله حيث وُزّع القضاة كـ “كوتا” بين أعضائه واعتمدت المحسوبيات من دون الالتزام بمعايير عادلة، فيما يدافع مجلس القضاء الأعلى بشراسة “عن خياراته النابعة من خيارٍ قضائي لا مكان للسياسة فيه”، كما يقول.
شكّل هذا الأمر، وفق متابعين، إحراجاً لبعض قيادات “المستقبل” حيث إن المطالبة بتوقيع التشكيلات كما هي، تعني بشكل آخر مطالبة بصدور تشكيلات ظلمت قضاة محسوبين على الحريري
ومؤخّراً دخل “تيار المستقبل” بقوة على الملف محوّلاً التشكيلات القضائية إلى معركة إضافية بوجه العهد والحكومة. فقد رُصِدت مجموعة ردود من جانب قيادات ونواب في “التيار الازرق” تحاول حَشر رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر في الزاوية مع تبنّي فريق العهد معركة بعض القضاة “المغبونين” في المرسوم، مع العلم أن التشكيلات أطاحت بعدد من القضاة القريبين من الرئيس سعد الحريري، لكن بيت الوسط لم يتبنّ “معركتهم” كما فعل العهد، وهذه ليست المرة الأولى .
وفي هذا السياق تقول مصادر نيابية في “تيار المستقبل”: “إن الدفاع عن التشكيلات ليس دفاعًا عن مضمونها بل عن مبدأ ترك القضاء يختار قضاته، فلم ندخل أصلاً في لعبة الأسماء، فيما غيرنا يخوض معركة “قضاته” بشكل علني ويعكس عدم ثقة بخيارات مجلس القضاء الأعلى”.
عملياً شكّل هذا الأمر، وفق متابعين، إحراجاً لبعض قيادات “المستقبل” حيث إن المطالبة بتوقيع التشكيلات كما هي، تعني بشكل آخر مطالبة بصدور تشكيلات ظلمت قضاة محسوبين على الحريري فضّلوا التزام الصمت التام رغم تسليم كثيرين بالظلم الذي لحق بهم، بعكس قضاة آخرين تشهد “غروبات واتساب” القضاة على تمرّدهم على أعضاء مجلس القضاء الأعلى.
أوساط الحريري ترفض اعتبار هذا الأمر “في خانة التخلّي عن أحد. فالتعاطي يحكمه المبدأ بضرورة احترام رغبة مجلس القضاء الأعلى، ونعتبر الوقت كفيلاً بردّ الاعتبار لأي قاضٍ ظلمته التشكيلات”.
لماذا يحقّ لرئيس الجمهورية أن يبقي مرسوم تشكيلات القضاة العدليّين في درج مكتبه؟
الجواب غداً.