واشنطن اقترحت وثلاث دول عربيّة رفضت استقبال نازحي غزّة

2024-01-12

واشنطن اقترحت وثلاث دول عربيّة رفضت استقبال نازحي غزّة


هل تراجعت واشنطن عن طلبها من بعض الدول العربية استقبال مئات الآلاف من المدنيين الغزّيين بعدما رفضت هذه الدول الأفكار الأميركية في هذا الصدد أم إدارة الرئيس جو بايدن تأمل تغيير الموقف العربي الرافض لتهجير فلسطينيّي القطاع بممارسة الضغوط عليها كي تقبل بتوطينهم؟
ما يستدعي السؤال هو قول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تصريحاته في القدس المحتلّة إنّه اتفق مع المسؤولين الإسرائيليين على “إتاحة المجال لبعثة تقويم من الأمم المتحدة أن تزور شمال غزة لتحدّد ما ينبغي القيام به للسماح للفلسطينيين النازحين بالعودة إلى منازلهم في شكل آمن”.

حين تعاكس الأفعال الأقوال
ما يستدعي السؤال أيضاً هو تكرار بلينكن في مؤتمره الصحافي في تل أبيب، ثمّ في القاهرة أول من أمس، كما في كلّ بياناته في العواصم العشر التي زارها، قوله إنّ دول المنطقة مستعدّة لاتّخاذ القرارات “الصعبة” في شأن “اليوم التالي” لانتهاء الحرب، من دون أن يوضح المقصود بذلك، سوى إيحائه بأنّ ضمان أمن إسرائيل والعمل على إقامة دولة فلسطينية يحتاجان إلى العودة لإجراءات عربية تطبيعية معها.
في زيارته الرابعة للمنطقة ولإسرائيل، كرّر بلينكن الدعوة إلى أن تتجنّب إسرائيل استهداف المدنيين الفلسطينيين في حربها التي تستمرّ واشنطن في تأييدها لضرب قدرات “حماس” العسكرية، بينما تقوم إسرائيل بعكس ذلك في كلّ مرّة وبإتاحة إيصال المساعدات الإنسانية للتخفيف من معاناة الفلسطينيين. للمرّة الرابعة ظهر أنّ الأفعال تخالف الأقوال في شكل صارخ. فالنغمة نفسها تتردّد منذ ثلاثة أشهر، فيما الجيش الإسرائيلي يفرض أمراً واقعاً على الأرض تلخّصه منظّمات الأمم المتحدة الإنسانية بأنّ غزة باتت مساحة من الدمار والدماء تستحيل الحياة فيها: فور مغادرة بلينكن القدس، قتلت الآلة الحربية الإسرائيلية 120 مدنياً في 10 مجازر ارتكبتها الطائرات الحربية والمسيّرات والمدافع الميدانية، خلال 20 ساعة، وأعلنت مصادر في الأمم المتحدة أنّ إسرائيل تعيق إرسال المساعدات الإنسانية بإجراءات التفتيش للشاحنات التي تحملها.

إدارة بايدن طرحت أن يتمّ نقل 300 ألف غزّي من النازحين إلى مصر وعددٍ مماثل إلى الأردن، والعدد نفسه إلى المملكة العربية السعودية، وهو ما يعني التمهيد لإسكان 900 ألف فلسطيني في الدول الثلاث

300 ألف فلسطينيّ إلى كلّ من ثلاث دول!!
أكثر من ذلك، كشفت معطيات دبلوماسية اطّلعت عليها جهات سياسية تواكب التحرّكات الأميركية مع دول المنطقة جانباً من محادثات واشنطن، قبل زهاء شهر، مع بعض أعضاء اللجنة الوزارية التي كلّفتها القمّة العربية الإسلامية التي انعقدت في الرياض في 11 تشرين الثاني الماضي في الرياض، بزيارة عواصم القرار الدولي من أجل وقف النار في غزة، وممّا جاء فيها اقتراحات أميركية بتوطين الغزّيين على أراضي بعض الدول عُرضت على بعض الوزراء العرب.
تناقض هذه الاقتراحات التصريحات الأميركية عن رفض تهجير سكان غزة، وإنّ من اطّلع على هذه المعطيات أشار إلى أنّها تؤكّد ما سبق أن تسرّب عن مخطّط لتفريغ القطاع من المدنيين، بتأييد دول غربية، وأنّ الدولة العبرية تنوي إدارة القطاع وفق مقتضيات أمن مستوطنات غلاف غزة، ومن هنا تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى تدمير زهاء 44 في المئة من الأبنية، حتى أواخر الشهر الماضي. ومقابل التصريحات العلنية الداعية إلى حماية المدنيين التي تملأ الفضاء الإعلامي، تُظهر الخطط البعيدة المدى في الفناء الدبلوماسي والغرف المغلقة، العكس تماماً.

تشير المعطيات إلى الوقائع الآتية:
1- إنّ إدارة بايدن طرحت أن يتمّ نقل 300 ألف غزّي من النازحين إلى مصر وعددٍ مماثل إلى الأردن، والعدد نفسه إلى المملكة العربية السعودية، وهو ما يعني التمهيد لإسكان 900 ألف فلسطيني في الدول الثلاث.

… وإلى أوغندا وكندا ودول إفريقيّة؟
2- الهدف إفراغ القطاع من أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني، حيث جرت وتجري محاولات أميركية من أجل نقل أعداد من النازحين الفلسطينيين من شمال غزة ومن وسطها إلى كلّ من أوغندا وكندا. وتجري اتصالات في هذا الصدد مع دول إفريقية.
3- إنّ سجالاً حصل بين الجانبين الأميركي والمصري حول هذا الاقتراح، قالت فيه واشنطن للمسؤولين المصريين: لماذا ترفضون، في وقت استقبلتم 300 ألف سوداني هُجِّروا جرّاء الحرب في السودان، وأنتم دولة كبيرة قادرة على استيعاب المزيد والـ300 ألف فلسطيني لا يشكّلون عبئاً مهمّاً، وسط ما يقارب 120 مليون مصري؟
4- إنّ أحد المسؤولين الأميركيين ردّ على الإلحاح العربي على حماية المدنيين ووقف استهدافهم من قبل إسرائيل، بالقول إنّها ليست قضية مدنيين كما تطرحونها. فالبيئة التي يجري استهدافها هي التي تحمي “حماس” وتحتضنها… وفي تصريحاته العلنية من تل أبيب برّر بلينكن ما تقوم به إسرائيل في معرض أسفه لما يتعرّضون له بالقول: “نحن نعلم أنّ مواجهة عدوّ يتجذّر بين المدنيين، يختبئ ويطلق النار من المدارس والمستشفيات، يجعل هذا الأمر صعباً للغاية. لكنّ الخسائر اليومية التي يتكبّدها المدنيون في غزة، ولا سيما الأطفال، مرتفعة للغاية”.

تهجير الأمر الواقع ميدانيّاً
يستنتج من اطّلع على هذه المعطيات وغيرها أنّ الإدارة الأميركية والدول الغربية تعمل على وضع الدول العربية أمام الأمر الواقع حول أوضاع مئات آلاف النازحين الذين يعانون البرد والجوع والأمراض. وهذا ما يمكن أن يفرض على هذه الدول استقبال النازحين من شمال غزة لأسباب إنسانية، وبعضهم هُجِّر من وسط القطاع وخان يونس، في ظلّ تعذّر تقديم المساعدات إليهم بفعل العراقيل الإسرائيلية لانتقال شاحنات الموادّ الغذائية والطبّية والوقود، بحجّة تفتيشها للتأكّد من عدم احتوائها على الموادّ التي تستفيد منها “حماس”. مسار الشاحنات إلى معبرين حصرت بهما الحكومة الإسرائيلية انتقالها بين الأراضي التي تسيطر عليها وبين القطاع، إضافة إلى عملية التفتيش الأمنيّ، يؤدّيان إلى استغراق وصول الشاحنة التي يسمح بدخولها بين أربعة وخمسة أيام، أي أنّ إسرائيل تتقصّد تأخير وصول الموادّ الضرورية للّذين يحتاجون إليها.
ذهب بلينكن إلى درجة تبرئة إسرائيل من المجازر التي ترتكبها ضدّ الفلسطينيين فقال: “نعتقد أنّ تقديم دعوى ضدّ إسرائيل (من قبل جنوب إفريقيا) إلى محكمة العدل الدولية يصرف انتباه العالم عن كلّ الجهود المهمّة (لمعالجة الأزمة الإنسانية ومنع توسّع الحرب…). وعلاوة على ذلك، فإنّ تهمة الإبادة الجماعية (ضدّ إسرائيل) لا أساس لها”.

قرار الحرب بيد واشنطن لا تل أبيب
مع كلّ ذلك فإنّ توجّهات إدارة بايدن المنحازة كلّياً إلى مصالح إسرائيل واللوبي الصهيوني، لا تمنع ممارستها الضغوط على حكومة بنيامين نتانياهو ومجلس الحرب في شأن مسألة تقع في صلب المصلحة الأميركية في المنطقة وهي عدم توسّع الحرب، لا سيما من الجبهة اللبنانية. فجولة بلينكن الأخيرة هدفت إلى التأكّد من استمرار انضباط إسرائيل، وإبلاغها أنّ التصعيد إقليمياً بيد واشنطن لا تل أبيب، وفقاً لحساباتها هي. وإدارة واشنطن للحرب قضت بتحرّك مزدوج في في العلاقة مع إيران وأذرعها: السعي إلى ترتيبٍ في لبنان وفق منطق القرار الدولي الرقم 1701 الذي أنهى حرب 2006، لضمان بقاء الجبهة منضبطة من جهة، وإظهار العصا الغليظة في التعامل مع تهديد الملاحة البحرية في البحر الأحمر الذي بلغ حدّ التعرّض لسفينة أميركية في الأيام الماضية، من جهة ثانية.

إقرأ أيضاً: ليس هناك ما بعد غزّة عند إسرائيل

بلينكن استبق الغارات التي نفّذتها أميركا وبريطانيا أمس ضدّ الحوثيين في اليمن، بعد سلسلة الهجمات التي نفّذوها على الملاحة البحرية في البحر الأحمر وتوسّعها نحو خليج عُمان، بسلسلة تصريحات تتّهم إيران بالوقوف خلف الهجمات التي ينفّذها الحوثيون، بعد تعثّر المفاوضات غير المباشرة التي كانت دائرة معها في عُمان… وكان استبق ضبط الجموح الإسرائيلي نحو فتح الجبهة اللبنانية بإفهام نتانياهو أنّ وضعه نفسه في السلطة قابل للاهتزاز إذا لم يضبط توجّهاته على الساعة الأميركية. إذ إنّ التلويح بإمكان انسحاب بيني غانتس من حكومته، بعد تفاقم الخلافات، ومعه ثلاثة وزراء آخرون، يُصنّف على أنّه موقف أميركي قد يؤدّي إلى إسقاط زعيم الليكود، بهدف تطويع توجّهاته في الحرب الدائرة وفق ما تراه واشنطن.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: ChoucairWalid@

مواضيع ذات صلة

هكذا وصلت إسرائيل إلى “البايجرز” واللاسلكيّ

في 7 أيلول الجاري، كان قائد “المنطقة الوسطى” في الجيش الأميركي الجنرال إريك كوريللا في إسرائيل. في اليوم التالي، تمّت عملية مصياف. أكبر عملية إسرائيلية…

من يملك شجاعة الاعتراف “بالهزيمة” التقنيّة؟

.. علينا جميعاً وفي مقدَّمنا الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أن نمتلك الشجاعة والجسارة للقول إنّ العدوّ الإسرائيلي هزمنا تقنياً ويتفوّق علينا في…

المرشد في استحضار التّاريخ دون المستقبل

“غد بظهر الغيب واليوم لي     وكم يخيب الظنّ بالمقبل ولست بالغافل حتى أرى         جمال دنياي ولا أجتلي لبست ثوب العيش لم أستشِر    وحرت فيه بين…

لبنان… الرأي قبل شجاعة الشجعان

لم يكد دخان ونار التفجيرات الصغيرة في أجهزة النداء القديمة، المعروفة باسم “بيجر” يهدآن، حتى اندلعت موجة نارية جديدة، مستهدفة هذه المرة أجهزة الجوال، وغيرها…