ما هي خطّة إسرائيل للقضاء على “حماس”. ولماذا إصرارها على ترحيل سكّان قطاع غزّة إلى صحراء سيناء؟
استطاعت إسرائيل أن تحشد الغرب خلفها تحت شعار أنّها تتعرّض لأزمة وجودية، إلا أنّها لم تستطع أن تحشد كلّ الغرب خلف مطالبتها بترحيل سكّان قطاع غزّة إلى صحراء سيناء.
كشف الصحافي الاستقصائي الأميركي سيمور هيرش أنّ سبب إصرار إسرائيل على ترحيل الفلسطينيين من شمال غزّة إلى جنوب القطاع هو أنّها تريد تدمير ومحو غزّة بشكل كامل للتخلّص من أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين الذين لن يمكنهم العودة إليها لاحقاً من جهة، ولترحيل الفلسطينيين المهجّرين إلى موقع مستوطنة سابقة في سيناء على حدود مصر حيث تتولّى مصر وقطر تمويل وتجهيز مخيّم لهم فيها.
سبق لهيرش أن كشف مذبحة قرية ماي لاي التي قامت بها القوات الأميركية خلال حرب فيتنام، وكشف الترسانة النووية لإسرائيل، وقبل عشرة أعوام كان وراء فضح تعذيب جنود أميركيين لموقوفين عراقيين في سجن “أبو غريب”، في مدوّنته على منصّة “سابستاك” substack. هيرش في مقالته كشف خطة إسرائيل للقضاء على حركة حماس من خلال تدمير قطاع غزّة، فأوضح نقلاً عن مصدر إسرائيلي مطّلع أنّ إسرائيل ستستخدم في غاراتها على شمال غزّة بعد ترحيل الفلسطينيين، القنابل الأميركية الذكية المدمّرة للأنفاق والمخابئ على عمق كبير (JDAM) والتي تزن الواحدة منها 2.5 طن، لضرب أنفاق “حماس”. وهي القنابل التي أُعدّت لقصف المراكز والمخابئ النووية الإيرانية، والتي حصلت عليها إسرائيل من الولايات المتحدة، منذ عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وهي إحدى أهمّ القنابل في الترسانة الأميركية وحلفائها لسهولة استخدامها ومرونتها في الإطلاق بالنسبة للطيّارين.
استناداً إلى المصدر الإسرائيلي تعلّق إسرائيل آمالها على قطر ومصر لحلّ مسألة تمويل مخيّم للّاجئين من شمال قطاع غزّة
أوضح هيرش أنّ إسرائيل حصلت على هذه القنابل التي يطلَق عليها اليوم “أمّ القنابل” منذ أكثر من 10 سنوات بقرار من الإدارة الأميركية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وذلك بعدما صمّمتها الولايات المتحدة لضرب المخابئ والمنشآت النووية الإيرانية تحت الأرض، ومن بينها الجيل المحدّث منها، المعروف باسم GBU-43/B، وهي قنابل موجّهة بالليزر.
قال إنّ “مخطّطي الحرب الإسرائيليين الحاليين مقتنعون، حسب مصدر مطّلع، بأنّ النسخة المطوّرة من هذه القنابل ذات الرؤوس الحربية الأكبر حجماً ستخترق أعماق الأرض بما فيه الكفاية قبل أن تنفجر”، وأضاف أنّ عمق اختراقها للأرض المتوقّع يصل من ثلاثين إلى خمسين متراً، وهو ما يعني “قتل كلّ من يوجد في محيطها في قطر يصل إلى نصف ميل”، أي أكثر من 800 متر.
استناداً إلى المصدر نفسه، ستقصف إسرائيل الأنفاق بالقنابل الخارقة، بعد تدمير غزّة بالكامل بالغارات المكثّفة، في حين ستكتفي المدفعية بالتطهير، أي تنظيف المناطق المستهدفة بالطائرات من المسلّحين الناجين، بعد ملاحقتهم ومطاردتهم. ولفت إلى أنّ “الجيش الإسرائيلي يستعدّ لتوسيع نطاق الهجوم وتنفيذ مجموعة واسعة من الخطط العملياتية الهجومية، التي تشمل هجوماً مشتركاً ومنسّقاً من الجوّ والبحر والبرّ”.
حذّر هيرش من أنّ هذا الهجوم في حال حدوثه سيؤدّي إلى تدمير غزّة بالكامل. وأوضح أنّ إسرائيل تسعى إلى إقناع واشنطن بصواب خطّتها لأنّها ستجنّب إصابة الأهداف المدنية والأجانب في القطاع، وتذكيرها بأنّها تعمل على تكرار سيناريو نفّذته الولايات المتحدة في فيتنام، بعد ترحيل المدنيين إلى جنوب فيتنام، قبل قصف المناطق المهدّدة بقوات الشمال.
تشكُّك أوروبيّ
لكنّ مسؤولاً استخبارياً أوروبياً عمل في مناطق كثيرة في الشرق الأوسط تشكّك في جدوى الخطة الإسرائيلية، وقال لهيرش إنّ “حماس” وضعت في اعتبارها احتمال لجوء إسرائيل إلى هذه القنابل قبل الحرب، وهي تنتظر مثل هذا القصف، لكنّ “مدينة مدمّرة ليست أقلّ خطراً على المهاجمين، فحروب المدن رهيبة”. وأضاف أنّ القنابل الخارقة فعّالة حتى 50 متراً، “لكنّ أنفاق “حماس”، على أعماق أبعد، في حدود 60 متراً، ويمكنها الصمود”، خاصةً بسبب تركيبة الصخور والأرض في القطاع، الرملية في أغلبها، وهو ما يحدّ من فعّالية هذه القنابل بطريقة أو بأخرى.
نقل هيرش، عن مصدره الأوروبي، أنّ مضيّ إسرائيل في تنفيذ مخطّطها يتوقّف على نجاحها في تهجير أكبر عدد ممكن من المدنيين من غزّة ومن شمال القطاع ودفعهم إلى الحدود المصرية
نقل هيرش، عن مصدره الأوروبي، أنّ مضيّ إسرائيل في تنفيذ مخطّطها يتوقّف على نجاحها في تهجير أكبر عدد ممكن من المدنيين من غزّة ومن شمال القطاع ودفعهم إلى الحدود المصرية.
استناداً إلى المصدر الإسرائيلي تعلّق إسرائيل آمالها على قطر ومصر لحلّ مسألة تمويل مخيّم للّاجئين من شمال قطاع غزّة. وهي تحاول إقناع قطر بالانضمام إلى مصر في تمويل مخيّم لأكثر من مليون لاجئ ينتظرون عبور الحدود، ومن الممكن أن يكون أحد مواقع المخيّم قطعة أرض مهجورة منذ فترة طويلة في شمال شبه جزيرة سيناء بالقرب من حدود غزّة، حيث كانت تقع مستوطنة إسرائيلية تُعرف باسم ياميت عندما استولت إسرائيل على شبه الجزيرة بعد فوزها في حرب الأيام الستّة عام 1967.
بحسب هيرش “ليس من الواضح ما إذا كانت مصر المتضرّرة ماليّاً ستسمح لمليون مهاجر، كثير منهم ملتزمون بقضية “حماس”، بالعبور”. ونقل عن مصادره أنّ إسرائيل تحاول إقناع قطر، التي كانت، بناءً على طلب من رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، داعماً ماليّاً لحركة حماس منذ فترة طويلة، بالانضمام إلى مصر في تمويل مخيّم لمليون أو أكثر من اللاجئين الذين ينتظرون عبور الحدود، ونقل عن أحد المطّلعين الإسرائيليين قوله: “إنّها ليست صفقة محسومة”. وأضاف هيرش أنّ إسرائيل هدّدت بقصف المدنيين إذا لم تسمح مصر بعبورهم إلى سيناء، وأنّها ستعتبر كامل قطاع غزّة هدفاً عسكرياً.
أشار مصدر هيرش إلى قدرة الولايات المتحدة على الضغط على مصر وقطر عندما سئل عن الأسباب المحتملة لموافقتهما على قبول اللاجئين الفلسطينيين، وقال إنّه واثق من أنّ القاهرة ستوافق على استضافة مليون نازح فلسطيني بلا مأوى، مستشهداً بالحادثة الأخيرة مع السيناتور الأميركي روبرت مينينديز، الذي اتُّهم بالفساد “الناجم عن تعاملاته التجارية مع كبار المسؤولين المصريين” وتسليم معلومات استخبارية عن أشخاص يعملون في السفارة الأميركية في القاهرة.
إقرأ أيضاً: دنيس روس يتخلّى عن دبلوماسيّته: استئصال “حماس” ضروريّ لتحقيق السلام!
يذكر أنّه في وقت سابق من هذا الأسبوع، نقل هيرش في تقرير آخر عن أحد قدامى مسؤولي الأمن القومي الإسرائيلي قوله إنّ السلطات الإسرائيلية تبحث قطع المياه والغذاء والكهرباء عن غزّة، عوضاً عن اقتحام القوات الإسرائيلية للقطاع.
تابع هيرش كلامه: “أمّا بالنسبة للهجوم البرّيّ، فقد أخبرني أحد المطّلعين على بواطن الأمور أنّ هناك بديلاً وحشياً يجري النظر فيه. ويمكن وصفه بأنّه نموذج لينينغراد، في إشارة إلى المحاولات الألمانية لتجويع المدينة المعروفة الآن باسم سانت بطرسبورغ خلال الحرب العالمية الثانية. يجري النظر في الاستمرار بمحاصرة غزّة وقطع عنها الكهرباء والإمدادات الغذائية وغيرها من الإمدادات الأساسية، وتؤكّد بعض المصادر أنّ حركة حماس الحاكمة في غزّة لديها إمدادات من مياه الشرب تكفي لمدّة يومين إلى ثلاثة أيام، وهي تواجه بالفعل نقصاً في الغذاء. وفي مرحلة ما، يمكن لإسرائيل التفاوض على إطلاق سراح بعض السجناء الإسرائيليين من النساء والأطفال مقابل الغذاء والماء”.
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا