منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، تمّ استبدال النفوذ السوري، الذي كان يفرض واقعاً سياسياً في لبنان، بأدوات محلّية يقودها الحزب تخضع للإرادة السياسية الإيرانية التي أصبحت العامل المقرّر عند كلّ استحقاق محلّي. بينما الفرقاء الآخرون الذين يعتمدون على دعم دول الخليج والولايات المتحدة يقدّمون التنازلات ويرضخون في نهاية الأمر لمطالب حلفاء طهران.
الاعتقاد السائد أنّ امتلاك السلاح أعطى إيران هذا الدور المرجِّح، خصوصاً أنّ الحزب يلوّح به حين يفشل في تحقيق رغباته من خلال اللعبة السياسية والأطر الدستورية المتّبعة. وهناك من يعتقد أيضاً أنّ إيران التي يشكّل الحزب أهمّ أدواتها الخارجية في لبنان والمنطقة، تدرك أنّ حليفها الوحيد في لبنان لا يستطيع أن يتحمّل هزيمة سياسية كبرى تضعف نفوذه في لبنان، ويليها خروج إيران من لبنان كلاعب مقرّر. لذلك ترفض طهران أيّ مساومة أو صفقة قد تُضعف من هيبة ونفوذ حليفها.
في المقابل، لا يتمتّع الطرف الآخر، الذي كان يُعرف بـ”قوى 14 آذار”، بالدعم المطلق من القوى المؤيّدة له.
كانت الدول الراعية له، تدخل في تسويات سياسية تحت شعار الحفاظ على الاستقرار في لبنان، خصوصاً أنّ داخل هذه القوى لا يوجد فريق مسيطر ووازن كحال الحزب في صفوف ما يُعرف بقوى “الممانعة”.
قد يحاول الحزب أن يرضي قائد الجيش بالتمديد له قائداً ومرشّحاً رئاسياً، مع العلم أنّ التمديد له كمرشح يحتاج إلى تعديل دستوري لن يتحقق
يخضع المأزق الرئاسي في لبنان مجدّداً لهذه المعادلة. وليس خافياً على أحد أنّ أيّ تسوية أو صفقة أو تفاهم بين الرياض وطهران سيؤدّي إلى حلّ الأزمة الرئاسية في لبنان خلال أيام. ومن هنا القلق المستمرّ والدائم من الأفرقاء المحلّيين الذين يعتمدون على المظلّة العربية. وهذا القلق مبرَّر لأنّ الدول الخليجية والغربية لا تعتمد فقط على أصدقائها في لبنان للحفاظ على نفوذها وحماية مصالحها في المنطقة. هذا ولا يتناسب حجم الدعم المادّي الذي قدّمته هذه الدول ولا يرقى إلى حجم الاستثمار العسكري والمادّي والأمنيّ الذي تقدّمه إيران لحلفائها في لبنان. ومن هنا حرص إيران على حماية استثمارها في لبنان، خصوصاً في ظلّ العقوبات والحصار الغربي لها.
لن يشكّل انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان تحوُّلاً كبيراً في التركيبة اللبنانية، لكنّ هويّة الرئيس ستكون مؤشّراً إلى طبيعة المرحلة وكيفية مقاربة الدول المعنيّة للوضع اللبناني ومدى إرادتها للتهدئة وتبريد الساحات.
أمام هذا المشهد من المتوقّع أن تتشدّد إيران في الحفاظ على مكتسباتها التي تتعرّض للاهتزاز في سوريا واليمن والعراق. وسيُترجم هذا التشدّد في لبنان بتمسّك الحزب بمرشّحه للرئاسة سليمان فرنجية.
طهران التي تترك للحزب حرّية التصرّف في لبنان، لكن ضمن الإطار العامّ لاستراتيجية إيران في المنطقة، من المستبعد أن تضغط عليه للقبول بتسوية قد تفسَّر على أنّها هزيمة له ستشجّع خصومه على مواجهته في الاستحقاقات المقبلة.
ما ينتظر من الحزب أمام هذا المشهد الإقليمي أن يبحث عن استراتيجية تتوافق مع المصالح الإيرانية معترفاً بالتعقيدات اللبنانية، إذ لم يعد قادراً على فرض إرادته كما في السابق. والواقع البرلماني الحالي لا يسمح له بذلك.
هنا يبرز السؤال اليوميّ الذي يشغل بال كلّ من يتابع موضوع الانتخابات الرئاسية: هل يتخلّى الحزب عن دعم فرنجية؟
حين تمنّى الحزب على فرنجية الانسحاب لمصلحة ميشال عون وكان يمتلك الأكثرية النيابية للوصول إلى بعبدا آنذاك، بات مديناً لفرنجية. وكان هناك وعد غير معلن بترشيحه بعد ستّ سنوات. والآن يقف الحزب أمام مرشّحين أحدهما قائد الجيش جوزف عون والآخر مستتر هو جبران باسيل. لمن سيكون الوعد مقابل التنازل لفرنجية؟
قد يحاول الحزب أن يرضي قائد الجيش بالتمديد له قائداً ومرشّحاً رئاسياً، مع العلم أنّ التمديد له كمرشح يحتاج إلى تعديل دستوري لن يتحقق، والتمديد له كقائد جيش يحتاج إلى جلسة للمجلس النيابي لن يكتمل نصابها. لكنّ فرنجية لا يحتمل التمديد له مرّة ثانية كمرشّح لأنّ من شأن ذلك أن يقضي على زعامة مارونية الحزب بحاجة إليها مستقبلاً، خصوصاً بعد الانتخابات النيابية الأخيرة وتراجع شعبيّته في منطقته. وإذا صحّت هذه المقاربة فإنّ على الحزب أن يختار من يعده ليكون مرشّحه الرئاسي في الانتخابات المقبلة: جبران باسيل أم قائد الجيش؟ وهذا يخضع مباشرة لأولويّات الحزب:
– الحليف: فرنجية.
– التفاهم: جبران.
– التنسيق: جوزف عون.
إقرأ أيضاً: لبنان ينتظر حرباً باردة جديدة.. ليستعيد دوره؟
في 19 تشرين الأول 1995، في نفس جلسة التعديل الدستوري لتمديد ولاية الرئيس إلياس الهراوي، أقرّ مجلس النواب قانوناً قضى بمادة وحيدة بتعديل جزئي للمادة 79 من قانون الدفاع الوطني. بحيث صارت تنص على أنّ السنّ القانونية لتسريح الضابط من رتبة عماد هي 63 سنة بدل 60. وذلك استثنائياً على أن ينتهي العمل بالتعديل المذكور سنة 1998.
لمتابعة الكاتب على تويتر: mouafac@