هنيّة في بيروت: تقاطع تركي – إيراني في مواجهة أميركا؟

مدة القراءة 6 د


في لحظة سياسية وأمنية شديدة التعقيد لبنانياً وإقليمياً ودولياً يصبح أيّ حدث سياسي أو أمني، أيّاً كان حجمه، حمّالاً لرسائل ودلالات كثيرة مرتبطة كلّها بمحاولة القوى الإقليمية الكبرى، ولاسيّما إيران وتركيا، بتثبيت معادلات سياسية وأمنية جديدة في المنطقة في الوقت الفاصل عن الاستحقاق الرئاسي الأميركي في 3 تشرين الأوّل المقبل، وذلك استعداداً لما بعده.

إقرأ أيضاً: هنيّة في شارع سليماني بضاحية طهران البيروتية

في هذا السياق بالتحديد تأتي زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنيّة لبيروت، وهي زيارة تعكس في توقيتها وبرنامجها ومواقفها خصائص اللحظة اللبنانية والإقليمية والدولية الراهنة بكلّ تشعّباتها وتداخل ملفاتها، من المبادرة الفرنسية في بيروت والمواجهة الفرنسية – الأوروبية المتصاعدة مع تركيا في المتوسّط، إلى المواجهة الإيرانية الأميركية المتواصلة في المنطقة ومحاولة فرنسا بغطاء أوروبي التخفيف من حدّتها وانعكاساتها على البلدان التي تشكّل ساحة أساسية لها مثل لبنان، لكن وفق استراتيجية محسوبة لا تصطدم باستراتيجية “الضغوط القصوى” التي تتّبعها واشنطن ضدّ طهران.

الأهمّ هو البعد الإيراني للزيارة لأنّ لبنان ساحة نفوذ أساسيّة لإيران عبر “حزب الله”، ولأنّ المبادرة الفرنسية موجّهة إلى إيران تحديداً

كلّ ذلك يجعل من الضروري قراءة زيارة هنيّة إلى بيروت على القياس الإقليمي والدولي لا المحلي وحسب، مع الأخذ في الاعتبار التداخل الواضح لكلّ تلك المقاييس على الساحة اللبنانية. فليس قليل الدلالة أن يصل هنيّة إلى بيروت آتياً من تركيا وقد استُقبل في العاصمة اللبنانية من جانب “حزب الله”، أي من قبل الفريق الإيراني، وهو ما يعكس تقاطعاً تركياً إيرانياً حول هذه الزيارة من ضمن التقاطعات الإيرانية التركية الكثيرة في المنطقة. وقد كان أبرز دليل على هذا التقاطع اللقاء الذي جمع هنية بالأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله، وهو الأوّل على هذا المستوى بين قيادتي الحزب والحركة منذ قيام الثورة السورية في العام 2011.

والحال، فإنّ أي قراءة موضوعية للزيارة يجب أن تنطلق من نقطة أساسية هي المبادرة الفرنسية في لبنان، وذلك لأنّ الجانبين التركي والإيراني معنيان بها كلّ وفق حساباته. فأنقرة تريد أن تبعث من خلال هنيّة برسالة إلى باريس مفادها أنّ لبنان الذي تسعى فرنسا لتأكيد نفوذها فيه من خلال محاولة إنقاذه من أزمته الضخمة، يمكن أن يكون ساحة إضافية بالنسبة لتركيا، لمضايقة باريس على ضفاف المتوسّط.

لكن وعلى الرغم من احتمالات المواجهة التركية الفرنسية في المنطقة، إلا أنّها لا تشكّل الركيزة الأساسية في قراءة أبعاد زيارة هنيّة، بل إنّ الأهمّ هو البعد الإيراني للزيارة لأنّ لبنان ساحة نفوذ أساسيّة لإيران عبر “حزب الله”، ولأنّ المبادرة الفرنسية موجّهة إلى إيران تحديداً. مع الأخذ في الاعتبار أنّ ايران تحاول الاستفادة من هذه المبادرة لتحسين شروط مفاوضاتها مع واشنطن متى حان موعدها، وهذه نقطة أساسية في قراءة حدود تلك المبادرة وفرصها.

وعليه، فإنّ التصعيد الإيراني من بيروت من خلال استضافة “حزب الله” اللافتة لهنيّة يهدف إلى أمرين مترابطين: الأوّل، الضغط على الجانب الفرنسي لتحقيق المزيد من الشروط الإيرانية في لبنان والمنطقة، وقد أخذ حزب الله وإيران ما يريدان منها حتّى الآن وهو اعتراف الرئيس الفرنسي بالتمثيل السياسي لـ”حزب الله” في النظام السياسي اللبناني من خلال فصله بين الجناحين السياسي والعسكري للحزب، وقد تُرجم باستقبال النائب محمد رعد المصنّف على لوائح الإرهاب الأميركية في “قصر الصنوبر”. لكن في موازاة ذلك، لن تسمح إيران لماكرون بأن يتصرّف وكأنّه ضابط ايقاع الوضع اللبناني، ليشكّل الحكومة التي يريد ويأمر بالإصلاحات التي يريد. وهو ما يفسّر من بين أمور أخرى استقبال هنيّة على هذا النحو، وكذلك العراقيل التي تواجهها عملية تشكيل الحكومة. لكنّ المناورة الإيرانية بوجه فرنسا لن تصل إلى حدّ إفشال مبادرتها كلّياً.   

ليس هناك أدنى شكّ أنّ “حزب الله” قدّ نسّق عن قرب برنامج زيارة هنيّة إلى بيروت بما يجعلها تحمل كلّ الدلالات والرسائل التي تريد إيران إيصالها إلى باريس وواشنطن والعواصم العربية

أمّا الهدف الثاني والأهمّ من التصعيد الإيراني من العاصمة اللبنانية، فهو التلويح بأوراق القوّة الإيرانية، سواء الفلسطينية أو اللبنانية، بوجه الولايات المتحدة الأميركية، وذلك عشيّة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وفي لحظة تغيّرات جيوستراتيجية كبيرة في المنطقة. وقد بدا من شكل ومضمون اجتماع الفصائل الفلسطينية في بيروت ورام الله برئاسة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس أنّ تلك التغيّرات قد تخلق تحوّلات كبيرة على الساحة الفلسطينية.

وقد دلّ إلى ذلك البيان الختامي لاجتماع الفصائل، الذي حمل إشارات إلى قدرة إيران على تعزيز نفوذها أكثر في الداخل الفلسطيني – فضلاً عن مخيمات لبنان وقد عبّرت عن ذلك مشهدية زيارة هنيّة لعين الحلوة – لا سيّما لجهة توافق الفصائل “على تطوير وتفعيل المقاومة الشعبية كخيار أنسب للمرحلة”، وكذلك لجهة الدعوة إلى “ترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة من خلال الانتخابات الحرة والنزيهة وفق التمثيل النسبي”، وذلك في ظلّ الاحتمالات الكبيرة لفوز “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في أيّ انتخابات مقبلة.

إقرأ أيضاً: هنية والحزب ومسؤوليات الانهيار في فلسطين ولبنان

في المحصّلة، ليس هناك أدنى شكّ أنّ “حزب الله” قدّ نسّق عن قرب برنامج زيارة هنيّة إلى بيروت بما يجعلها تحمل كلّ الدلالات والرسائل التي تريد إيران إيصالها إلى باريس وواشنطن والعواصم العربية التي تواجه استراتيجية التوسّع الايرانية في المنطقة، من اليمن وصولاً إلى بيروت، مروراً بالعراق وسوريا.

لكن أين السلطة اللبنانية من محاولة طهران استخدام لبنان والمخيمات الفلسطينية فيه ورقة تفاوض بها الغرب، وذلك على حساب الاستقرار الأمني في لبنان، خصوصاً لجهة حساسية الملف الفلسطيني في لبنان، الذي لا يزال يثير حساسيات طائفية متصلّة بذاكرة الحرب الأهلية. وإن كانت حساسيات لا تأخذ في الاعتبار التحوّلات الكبيرة التي شهدها الواقع الفلسطيني في لبنان، ومحاولة “حزب الله” حليف رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحرّ التحكّم به!  

 

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…