هل يوافق “صندوق النقد” على دعمنا؟

مدة القراءة 6 د


أستغرب تفاجؤ البعض، من قرار لبنان عدم سداد ديونه. كل المؤشرات، لا سيما الدولية منها، كمؤسسات التصنيف الائتماني، وعلى مدى أكثر من عام ونيف، فنّدت أسباباً عدّة، تؤشر إلى سلوك لبنان طريق إعادة هيكلة دينه العام اضطرارياً.  من هذه المؤشرات تغيّر سعر صرف الليرة اللبنانية، ووجود سعري صرف في سوق القطع، ما أنذر بأنّ الضغط على احتياطات مصرف لبنان، منذ العام 2011، واستنزافها، سيزيد من سياسة استدانة الدولة اللبنانية، إلى حدّ القيام بهندسات مالية، في العام 2016 ما أشار إلى أنّ ركن هذا النظام المالي بدأ يتصدّع. هناك عوامل إضافية، تمثّلت بزيادة نسبة الدين العام إلى 95 مليار دولار لتصل إلى 169% من إجمالي الناتج المحلي، فضلاً عن خروج ودائع من البنوك، قبل أن تُفرض قيود غير قانونية على أموال بعض المودعين، لا سيما الصغار منهم.

تناقصت ودائع المصارف من 172 مليار دولار في شهر آب 2019 كما أعلنت جمعية المصارف إلى 127 مليار  دولار في آخر عام 2019 كما أعلن حاكم مصرف لبنان. أيضاً تدّخل مصرف لبنان في تحديد سعر صرف الفائدة على الودائع، وأقرّ منح الفائدة، على الوديعة الدولارية، نصف بالليرة اللبنانية ونصف آخر بالدولار الاميركي تودع في الحساب. هناك تقارير دورية من هذه المؤسسات، توجتها “فيتش”، حذّرت الدولة اللبنانية بشكل غير مباشر، بأن قرار تسديد استحقاقات 2020 هو قرار غير صائب لا سياسياً ولا حتّى اقتصادياً،  لتعود “موديز” وتذكّر الدولة اللبنانية بأنّ احتياطات مصرف لبنان تتراوح ما بين 5 إلى 10 مليارات دولار فقط.

إقرأ أيضاً: حرب السلطة والمصارف: حكمان يتساقطان

وبات طرح إصدارات جديدة من السندات في المستقبل مع فوائد عالية، غير ممكن، بالإضافة إلى توقف التدفقات المالية بالعملات الأجنبية. ورغم أنّ التخلّف عن السداد قد يعرضّ الدولة لرفع دعاوى والحجز على الأصول التجارية  إلاّ أنّها اعتمدت “التخلّف شبه المنّظم”، بتكليفها شركات مالية وقانونية التفاوض مع الدائنين، حاملي كل شريحة من الشرائح البالغ عددها 27، للحصول على النصاب المطلوب وهو 75%، المطلوب لعملية الهيكلة ومن ثم الجدولة، على الرغم من أن خطوة مماثلة كانت واجبة الحصول قبل إعلان تعيين السداد.

هي مهمة ليست بالسهلة، إذ إنّ الدائنين الأجانب لن يرضوا بعملية هيكلة تقتصر فقط على ديون لبنان المقومّة بالدولار. هم وبحسب ما عُرف عنهم، يتطلّعون إلى عملية إعادة هيكلة شاملة لكافة ديون الدولة، لا سيما الداخلية منها، فضلاً عن مناقشتهم الخطة الاقتصادية التي ستتبعها الدول المتعثّرة، للنهوض باقتصادها الوطني من جديد. الأهم من كل ذلك معرفة من هي الجهة الدولية الضامنة لإعادة عملية الهيكلة من قبل الدائنين. إذ لطالما لعب صندوق النقد الدولي هذا الدور في بلدان عدّة منها الموزمبيق، وقبرص، وإيسلندا، وباربادوس.

طبعاً الضمانة لا تقتصر فقط، على ما قدّمه صندوق النقد من مشورة إلى الدولة اللبنانية، لأن حملة السندات بحاجة للتأكد من توفر الأموال التي تكفل لها تحصيل ما تبقى لها من ديون، وهذا الامر لن يتم إلا في حال وقّع لبنان على برنامج مع “صندوق النقد”، سواء خطة خمسية أو ثلاثية، تمكّن لبنان من الحصول على ما يقارب 4 مليارات دولار. وبحسب المعنيين، فإنّ الفجوة في النظام المالي وفي ميزانية مصرف لبنان تكاد تصل إلى 50 مليار دولار، ما يعني أنّ لبنان بحاجة ليس فقط لصندوق النقد، بل إلى دول مانحة ومقرضة أخرى، ولكن الانطلاقة تكون عادةً من صندوق النقد. أما الشعارات الشعبوية، حول “الهيمنة الأميركية”، وبرنامج “الصندوق” ذي التأثير القاسي جداً على الطبقة المتوسطة، والذي قد يؤدي إلى سحب اكثر من نصف الطبقة المتوسطة، لتصبح في مصاف الطبقة الفقيرة، فيمكن تفاديها ببرامج دعم للفقراء، للتخفيف من وطأة إجراءاته، المتمثلة بفرض المزيد من الضرائب، ورفع الدعم عن المواد التي تدعمها بالعادة حكومات الدول، وفي لبنان سنشهد إعادة هيكلة القطاع العام، وزيادة 5000 ل.ل. على صفيحة البنزين، وتغيير سعر صرف الليرة اللبنانية، بحيث يعتبر الصندوق بأن الليرة مضخّمة بنسبة 50 الى 66% ما يعني أنّ سعر الصرف قد يصل إلى 3250 ل.ل.

ما يحصل اليوم هو أنّنا نطبق بنود أو شروط صندوق النقد للتعاون مع الدولة اللبنانية، لكن لا نحصل على أموال في ظل تآكل القدرة الشرائية للمواطن اللبناني الذي لامس 35 % أو أكثر كما فقدت الليرة من قيمتها ما بين 60 إلى 80%، ورواتب القطاع العام تضرّرت بهذه النسبة، وبالنتيجة، إن لم نلجأ إلى عمليات صرف لموظفي الدولة، فإنّ تخفيض قيمة العملة، كفيل بتخفيض الإنفاق على الرواتب والأجور، إضافة إلى خفض قيمة الدين العام المقوّم بالليرة اللبنانية. والحديث عن تأمين اعتمادات مستندية بنسبة 40% بالدولار الأميركي لشراء المحروقات، سيؤدي حكماً إلى ارتفاع أسعار البنزين والمازوت، وغيرها من الضرائب المقترحة من الدولة، لتعديل ما خسرته الدولة من ايرادات بلغت 4 مليارات دولار بعد 17 تشرين الاول.

قبل الويل والثبور وعظائم الأمور من تدخل صندوق النقد، كان الأجدى مكافحة الفساد

الخطاب الذي يدّعي الحرص على السيادة، وعدم الرغبة في هيمنة الغرب على القرار المحلي، هو خطاب واهٍ فارغ المضمون. وصندوق النقد، وإن كان شرّاً لا بد منه، إلاّ أنّه ليس أم المشاكل. المشكلة اليوم في حكومة تتخبّط في الأزمة، يهيمن عليها لون واحد متمثّل بحزب الله وأعوانه، لا سيما التيار الوطني الحر. وهذا عائق قد يحول دون رغبة الدول بتقديم أي دعم مادي لهذه الحكومة. فضلاً عن ذلك، هناك حلقة الثقة المفقودة بين الشارع والحكومة من جهة، وبين المجتمع الدولي من جهة أخرى، الذي ربط ثقته بمنح الشارع اللبناني الثقة للحكومة.

لذلك، وقبل الويل والثبور وعظائم الأمور من تدخل صندوق النقد، كان الأجدى مكافحة الفساد، ليس بالخطابات والتلويح بملفات لم يكشف ولو حتى واحد منها.

الكلام سهل إنما التطبيق يكاد يكون، وبحسب التجربة، شبه مستحيل. وقبل أن نكابر ونعلن رفضنا لصندوق النقد، هل يرضى الأخير، وهو الذي لمس استهتار الطبقة الحاكمة بالتعاطي مع هذه الأزمة، التعاون معها؟

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…