بفارق ساعات قليلة عن تسريب محيط الرئيس نجيب ميقاتي معطيات عن السعي إلى إنجاز توافق سياسي، أحد أطرافه “القوات اللبنانية”، على تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، وبعد دخول مستشار ميقاتي الوزير السابق نقولا نحاس على الخطّ مؤكّداً وجود “مخارج متعدّدة، منها التعيين وتسلُّم نائب الحاكم الأوّل صلاحيّات الحاكم، وإذا لم يتمّ التوافق على المَخرَجَيْن هناك مَخرج جديد قيد الدرس”، أطلّ ميقاتي عبر مقابلة أجراها مع صحيفة “الشرق الأوسط” ناعياً التعيين والتمديد، وفاتحاً الباب “سياسيّاً” أمام تسلّم نائب الحاكم الأول صلاحيات حاكم مصرف لبنان نهاية تموز.
عملياً، اصطدمت مناورة ميقاتي، بالتنسيق مع الرئيس نبيه برّي الذي دَعَم علناً التعيينات، بفيتو الحزب الذي تمترس خلف “قرار” أمينه العامّ في 12 أيار الماضي الذي أكّد فيه أنّ “حكومة تصريف الأعمال لا تعيّن شخصاً في هذا المنصب ولا تمديد للحاكم وعلى الجميع تحمّل مسؤوليّاته”. لكن حتى هذا الموقف ثمّة من يربطه بتوزيع أدوار شيعي كانت الغلبة بنهايته لسقوط خيار التعيين.
ماذا أبلغ الحزب المعنيّين؟
وفق معلومات “أساس” أبلغ الحزب المعنيين عدم مشاركته في جلسة تعيين الحاكم، وهذا الموقف كافٍ لنسف الجلسة من أساسها وتطيير نصابها، لكنّ الحزب يترك خياره مفتوحاً حيال ملء الشغور في المجلس العسكري في حال لم يطرأ أيّ تطوّر يُنبِىء بقرب عقد جلسة تنتج رئيساً للجمهورية قبل نهاية العام الحالي. وبالتالي قد يغطّي جلسة تعيين رئيس للأركان يحلّ محلّ قائد الجيش بعد إحالته إلى التقاعد في حال استمرار الشغور الرئاسي أو إقرار التعيينات العسكرية بمجملها.
وفق معلومات “أساس” أبلغ الحزب المعنيين عدم مشاركته في جلسة تعيين الحاكم، وهذا الموقف كافٍ لنسف الجلسة من أساسها وتطيير نصابها
في هذا السياق، تفيد المعلومات أنّ اجتماع مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان مع كلّ من المدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان وقائد الجيش العماد جوزف عون أمس لم يتطرّق إلى هذا الملفّ بل كان لقاء معايدة بعد عودة المفتي من الحجّ.
تحدّث كثيرون عن احتمال “تفجير الحكومة من الداخل إذا أصرّ ميقاتي على السير بالتعيين بغطاء من رئيس مجلس النواب”، لكنّ رئيس الحكومة أخّر جوابه النهائي على سيناريوهات ما بعد 31 تموز إلى آخر أيّام سلامة في الحاكمية متذرّعاً بالمخاوف من “تعميق الشرخ”، ومؤكّداً أنّه “لن يغطّي التمديد لقطع الطريق على من يتّهمه بأنّه يوفّر الغطاء السياسي لسلامة”.
هكذا قدّم ميقاتي وصفة وحيدة للحلّ هي “تطبيق القانون عبر تسلّم نائب الحاكم مهامّ الحاكمية. ووزير المال جاهز للطلب من نواب الحاكم الأربعة تسيير المرفق العامّ في حال قدّموا استقالاتهم”.
هذا السيناريو استُكمل لاحقاً بتأكيد وزير العدل هنري خوري أنّ “نواب الحاكم ما فيهم يتزحزحوا من مطرحهم إذا لم تُقبل استقالاتهم”.
يقدِّر مرجع سياسي أنّ كلّ هذه المشهدية حكَمتها “غرفة عمليات” واحدة من عين التينة إلى الضاحية إلى مقرّ الحاكمية وصولاً إلى السراي، وكان جبران باسيل نفسه في صلبها، وذلك بهدف التخفيف من وطأة الخيار الذي كان الأكثر رجحاناً منذ البداية، وهو تسلّم وسيم منصوري، نائب الحاكم الأوّل، صلاحيّات الحاكم بعدما أفتى الحزب منذ البداية بعدم “جواز تعيين بديل عن سلامة”، مانحاً باسيل تمريرة قد ترتدّ سلباً على العلاقة في حال غطّى الحزب تعيينات المجلس العسكري لاحقاً.
سَبق شبه التوافق السياسي الضمنيّ على تجاوز أزمة الحاكمية، مع “الوعود” بوقوف الحكومة ومجلس النواب إلى جانب “الحكّام الأربعة”، زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان لبيروت.
برّي لا يتوقّع الكثير من لودريان
كان لافتاً في هذا السياق حديث محيط الرئيس برّي عن “عدم توقّع الكثير من الزيارة الثانية للموفد الفرنسي جان إيف لودريان الذي قد يكتفي بطلب جلوس الأقطاب أو الممثّلين عنهم إلى طاولة حوار في قصر الصنوبر إذا شاؤوا ذلك”، في مقابل “إغراق” الثنائي الشيعي للداخل اللبناني بالدعوات إلى الحوار، فيما أكّدت قناة “إن بي إن” المحسوبة على برّي أنّ “لودريان لا يحمل أيّ مبادرة جديدة”.
تفيد المعلومات أنّ اجتماع مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان مع كلّ من المدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان وقائد الجيش العماد جوزف عون أمس لم يتطرّق إلى هذا الملفّ
في المقابل، لم تُرصَد أيّ إشارة أميركية علنيّة إلى أزمة ما بعد سلامة باستثناء نقل مرجعيّات ماليّة وسياسية لبنانية عن مسؤولين أميركيين قولهم: “الشخص لا يهمّ. الأهمّ ماذا سيفعل، ولا هواجس لدينا من الفراغ”. هذا ولم يتبيّن حتى الآن مدى جدّية نوّاب الحاكم الأربعة بالتلويح بتقديم استقالاتهم.
فعليّاً، لم يعد أسوأ السيناريوهات كلاماً تنظيرياً وحسب. فحاكمية مصرف لبنان ستصبح بالوكالة مع اتجاه لتولّي نائب الحاكم الأوّل (شيعي) صلاحيّات الحاكم، فيما تتحوّط قيادة الجيش من تسلّم الضابط الأعلى رتبة زمام القيادة إذا لم يتمّ تعيين رئيس أركان (درزي) يعطيه قانون الدفاع صلاحية الإنابة عن قائد الجيش عند غيابه، وفي كلتا الحالتين ستصبح قيادة الجيش بالوكالة أيضاً، في حين تمارس الحكومة بالوكالة أيضاً صلاحيّات رئيس الجمهورية بما فيها الصلاحيات اللصيقة.
إقرأ أيضاً: عماد عثمان: “العنيد” بالقانون..
إنّه مشهد غير مسبوق في تاريخ لبنان الحديث ولا يخفّف من وطأته التطمينات إلى أنّ هذا الواقع لا يمهّد لتغيير النظام على حساب المسيحيين، ولا التطمين إلى أنّ الشغور يجتاح المواقع الإسلامية والمسيحية على حدّ سواء، وأنّ الشغور الأكبر هو في سدّة “القيادة السنّيّة” التي لم يتمكّن نجيب ميقاتي من ملء الفراغ فيها.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@